“وداد” طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، دفعت ثمن زواجها من رجل أكبر منها سننا..” وداد” توفت في يوم زفافها…قصة الطفلة اليمنية واحدة من مئات القصص في اليمن، خاصة بعد انتشار ظاهرة زواج القصرات مع تأجيج الصراع بين الأطراف المتنازعة.
عدد من المؤسسات الحقوقية الدولية كشفت عن أن زواج القاصرات في اليمن تسبب في إزهاق أرواح العشرات من الفتيات صغيرات السن. وعلى مر السنوات الماضية، حاول العديد من النشطاء والمؤسسات الحقوقية المعنية بالدفاع عن حقوق الطفل حمايتهن ومنع هذا النوع من الزواج، لكن مع الأسف لم تنجح محاولتهم حتى الآن.
ووفقا لإحصاء صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” في 11 فبراير 2019، تشكل نسبة زواج القاصرات نحو 21% من عدد الفتيات، وتتزوج سنويا 12 مليون فتاة دون سن 18 سنة. وتصف “اليونيسف” أي زواج يحصل قبل سن 18 على أنه انتهاك لحقوق الإنسان. وحذرت المنظمة في بيانها من أن أكثر من 150 مليون فتاة أخرى سيتزوجن قبل بلوغ الثامنة عشرة بحلول عام 2030، في حال عدم الإسراع بمعالجة هذا الموضوع.
سبب الفقر والحرب
أحمد القرشي، مدير منظمة SEYAJ اليمنية غير الربحية والتي تعمل على حماية الأطفال، في روى حكاية والدة الطفلة فيروز والتي كانت بحاجة شديدة إلى نقل الدم. بحسب تصريحات صحفية له، وعلى أثر ذلك باعت الأسرة متعلقاتها بعد الفرار من الغارات الجوية في مدينة صعدة الشمالية العام الماضي. لكن الأموال التي تم جمعها لم تكن كافية لسداد ديونهم للمستشفى والأقارب.
ويضيف في روايته لصحيفة واشنطن بوست، أصبحت ابنتهم الخجولة، التي يبلغ طولها أقل من 4 أقدام، مصدر دخلهم الوحيد.، فقد قاموا بتزويجها مبكرا للحصول على أموال مهرها. وقال والد الطفلة أحمد حيدر السيد: “كنا بحاجة إلى المال من المهر”. “وإلا، لم أكن لأزوجها أبدًا.
في يناير من عام 2015، وبعد ضغوط من النشطاء الحقوقيين، حددت اليمن حدا أدنى لسن الزواج وهو 18 عاما في دستور جديد وضعته البلاد. لكن بعد ذلك بدأت الحرب في إبريل من نفس العام “عاصفة الحزم” بقيادة التحالف الذي كونته المملكة العربية السعودية، ومن وقتها لم يصدق الحوثيون على الوثيقة. واليوم، لا يزال اليمن ليس لديه حد أدنى لسن الزواج.
ووفقا للبيان الذي أصدرته مؤخرا مجموعة عمل تابعة لمجلس الأمن الدولي، فإن استمرار الحرب في اليمن، هي أحد الدوافع الرئيسية التي تسهم في ارتفاع أعداد زواج الأطفال.
ندى الأهدل من براثن الزواج المبكر إلى مدافعة عن الفتيات
ندى الأهدل تلك الفتاة التي تبلغ من العمر الآن ثماني عشر عاما، ونجحت في نضالها ضد مرورها بنفس التجربة، فقد استطاعت ان تجبر أهلها للتراجع عن موقفهم في تزويجها وهي صغيرة السن منذ ما يقرب 7 سنوات.
وكان والد ندى قد قرر تزويجها وهي في عامها الـ 11 عاما، لكن الفتاة كان لها رأي أخر إذ قررت أن تترك منزل والدها في صنعاء والهروب إلى منزل عمها خارج المدينة لتستنجد به، خاصة أنها شعرت بالخوف بسبب انتحار خالتها في الثالثة عشر عاما لتعذيبها بعد زواجها، وقيام شقيقتها بحرق نفسها وهي في الثانية عشر، رعبا من أن تكون ضحية كخالتهما لكنها بعد ذلك أجبرت أيضا على الزواج – وفقا لرواية ندي.
ورغم ذلك تم احتجاز الطفلة في دار لرعاية الفتيات بحجة أنه يجب ألا تعيش مع عمها عبد السلام كونه أعزب، لكن الهدف الحقيقي كان إخفاؤها بعيدا عن الإعلام والصحافة التي بدأت أن تنشغل بحكاية الفتاة المتمردة. وبعد إقرار الدستور، تزوج عمها كي تتأكد الجهات المسؤولة من عيشها في مكان آمن، وعاشت معه ومع زوجته.
قصة ندى والدعم الذي استطاعت الحصول عليه من كل أنحاء العالم ساعدها على إنشاء مؤسسة ندى لحماية حقوق الطفل بتمويل من عمها عبد السلام بنسبة 80% من راتبه، إضافة لعائد كتابها “ندى الصباح”، الذي يتحدث عن قصتها، وصدر باللغة الفرنسية عام 2015 عن دار ميشيل للنشر، وترجم للهولندية والألمانية.
وتستهدف المؤسسة تعليم الفتيات الذي وجدت فيه “الأهدل” حماية وصون للحقوق، ويغير المواقف التقليدية تجاه الزواج المبكر، ويساهم في غرس الثقة ويرفع آمال الفتيات في تحقيق أحلام حياتهن.
وشحت “ندى” للحصول على جائزة نوبل للأطفال للعام 2018، مولت مشروعين الأول «ملاذات آمنة» لمساعدة الفتيات و«أحلامنا» لتعليم نازحات اليمن اللغة الإنجليزية.
وكانت مؤسسة ندى قد أصدرت عددا من الاحصائيات عن زواج القاصرات في اليمن عام 2017، فقد ذكرت في تقرير مؤسستها أنه أكثر من 250 طفلة يمنية تم تزويجها في اليمن خلال عام 2017 لأسباب اجتماعية وظروف معيشية صعبة ومعظمهم نازحين من الحدود، بالإضافة إلى اقبال 6 نساء على الانتحار في 3 عواصم منهم صنعاء، إلى جانب وفاة 12 طفلة في 5 مدن يمنية ليلة الزفاف، بالإضافة إلى وفاة 45 طفلة أثناء الولادة، كما تم نقل 120 طفلة الى المستشفيات في الأسابيع الأولى من الزواج، هذا بالإضافة إلى ان 69 طفلة مصيرهم غير معلوم حتى الآن.
ميراث يدفع ثمنه الأطفال
رغم التقارير الحقوقية التي تثبت تزايد حالات الزواج المبكر بسبب الصراع المندلع في اليمن منذ عام 2011 وتزايد الوضع فجاجة بعد تأجج الوضع في اليمن بسبب عاصفة الحزم، إلا أن اليمن تعتبر من البلدان العربية التي تحمل موروثا ثقافيا كبيرا تجاه الزواج المبكر.
قبل عام 1990 وهو تاريخ توحيد اليمن كان السن القانوني لزواج الفتيات في شمال اليمن 15 عاماً، بينما كان في الجنوب 16 عاما، لكن بعد وحدة اليمن لم يحدد القانون أي سن للزواج ما جعل الفتيات صغيرات السن عرضه للزواج المبكر.
وحسب بيانات الأمم المتحدة والحكومة، هناك نحو 14% من الفتيات اليمنيات يتزوجن، دون الـ 15 عاماً، و52% يتزوجن وعمرهن 18 عاماً، وتوضح البيانات الرسمية أن اليمن تشهد 8 حالات وفاة يومياً لقاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة.
وحسب تقرير للمركز الدولي للدراسات، حلت اليمن في المرتبة 13 من بين أسوأ 20 دولة في زواج القاصرات، وتصل نسبة الفتيات اللاتي يتزوجن، دون الثامنة عشرة، إلى 48.4%، بجانب الفجوة بين الزوجة وزوجها.
من جانبها تقول الإعلامية اليمنية ابها عقيل:” أن زواج الفتيات صغير السن في اليمن يتم مثل أي زواج طبيعي فهو معروف منذ زمن في اليمن، وأن أغلب الفتيات تتم الزيجة بموافقتهن بسبب القيود التي تفرضها الأسرة على الفتيات حتى الزواج، فهن ممنوعات من الخروج من حضور الحفلات وهكذا، وبالتالي يرون في الزواج منفذ للهروب من هذه القيود”.
وتتابع عقيل:” أن من أبرز الأمثال الشعبية الموروثة في اليمن “ستركن وقصف أعماركن”، ففي هذه الدعوة تطلب الأمهات الستر للبنات أو قصر العمر قبل أن تفضح أهلها بمصيبة، فالرجل اليمني غالبا لا يهاب الموت على نجلته، لكنه يهاب الفضيحة أكثر، ويهاب أيضا من أنه يموت ويترك بنته بدون سند أو ظهر”.
وتضيف الإعلامية اليمنية:” أن الزواج المبكر منتشر أكثر بين الأسر الفقيرة، بسبب احتياج المال والخوف من الفقر والعوز، أما الأسر التي تحظى بحالة مادية أفضل فإن ما يدفعهن هو الخوف من العار والفضيحة التي من الممكن ان تجلبها الفتاة إذا لم تتزوج في سن صغير”.
وانطلقت في اليمن حملات كثيرة ضد الزواج المبكر، نجحت إحداها في فرض مسودة قانون على البرلمان لكن تم الاعتراض عليها من كثيرين دون تحولها إلى قانون، ومع قيام الثورة عام 2011 وتبدل المشهد في اليمن إلى صراع بين جبهتين، تبدل الأولويات في البلد الذي أصبح في حاجة إلى إعادة بناء ما جعل الحديث عن الزواج المبكر “رفاهية” يسخر منها الكثير من اليمنيين.