أرجأت محكمة سودانية، الثلاثاء، محاكمة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير و27 شخصا آخرين متهمين بالاستيلاء على السلطة في انقلاب 1989، إلى السادس من أكتوبر.

وهذه هي الجلسة الخامسة لمحاكمة المتهمين، وحضر الجلسة المتهمون وعلى رأسهم البشير في ملابس السجن البيضاء، وفي حال إدانتهم سيواجهون عقوبات يمكن أن تصل إلى الإعدام.

ويواجه البشير وأفراد نظامه تهمة تقويض النظام الدستوري نتيجة صعودهم إلى سدة الحكم في السودان بانقلاب عسكري، والإطاحة بالحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي.

وحصل البشير في انقلابه العسكري في 1989 على دعم “الجبهة الإسلامية القومية” بقيادة حسن الترابي الذي توفي في 2016.

ويعد انقلاب البشير الثالث منذ استقلال السودان عام 1956، بعد انقلابين قام بهما إبراهيم عبود (1959-1964) وجعفر النميري (1969-1985).

يذكر أن البشير حكم السودان على مدى 30 عاماً قبل الإطاحة به، عقب تظاهرات حاشدة هزّت البلاد منذ كانون الأول/ديسمبر.

ومنذ عام 1993 تضع الولايات المتحدة الأميركية السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي عام 2017، رفعت واشنطن عقوبات اقتصادية ظلت تفرضها على الخرطوم على مدى عشرين عاما.

وكان من المنتظر نقل محاكمة الثلاثاء إلى قاعة أكبر من حيث المساحة بسبب جائحة كوفيد-19 وتم اقتراح قاعة الصداقة في وسط العاصمة لتكون بديلا للقاعة الحالية، إلا أن ذلك لم يحدث.

كانت النيابة العامة السودانية، والمناط بها تمثيل الحق العام، قد أحالت ملف الدعوى الخاصة بانقلاب يونيو/حزيران 1989 للقضاء بعد تحقيقات استمرت لعدة شهور، حددت بموجبها أسماء المتهمين والمواد التي سيخضعون للمحاكمة بموجبها.

وقال مصدر قضائي، أن النيابة العامة في السودان فتحت بلاغين ضد الرئيس المعزول، عمر البشير، بتهم غسل أموال وحيازة مبالغ ضخمة.

وأوضح المصدر أن وكيل النيابة الأعلى المكلف من المجلس العسكري بمكافحة الفساد أمر بالقبض على الرئيس السابق وباستجوابه عاجلا تمهيدا لتقديمه للمحاكمة.

مصدر في النيابة العامة أنه “تم توجيه تهم للرئيس المخلوع تحت مواد حيازة النقد الأجنبي والثراء الحرام والمشبوه”.

ووجد فريقا من الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة والنيابة العامة وجد سبعة ملايين يورو و350 ألف دولار وخمسة مليارات جنيه سوداني (105 ملايين دولار) أثناء تفتيش منزل البشير.

وأقر البشير، خلال المحاكمة، بأنه استلم مبالغ مالية من مسؤولين أجانب، إلا أنه أكد أنه لم يتصرف بها بشكل شخصي أو خاص.

وقال البشير للمحكمة “هذا المال لم نستخدمه لمصلحة خاصة وإنما تبرعات لجهات وأفراد ودعم لشركات تستورد القمح”. وذكر على سبيل المثال “قناة طيبة الفضائية التي لديها دور في الدعوة للإسلام بإفريقيا، تسلمت 5 ملايين دولار، وجامعة إفريقيا العالمية 4 ملايين دولار ومستشفى السلاح الطبي مليونين و250 ألف دولار إضافة لتبرعات لأفراد”.

وأدين الرئيس السوداني المعزول بـ”الثراء الحرام” و”التعامل بالنقد الأجنبي”. وقال هاشم الجعلي أحد محاميه بعد أن تحدث مع البشير في قفص الاتهام، إن الرئيس السابق بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة سابقًا “لا يسترحم أحداً ولا يطلب تخفيف الحكم”.

في حين أوضح القاضي الصادق عبد الرحمن الحكم قائلاً: “بما أن المدان تجاوز السبعين عامًا ولا يجوز إيداعه السجن، قررت المحكمة إرساله لدار الإصلاح الاجتماعي لمدة عامين”.

وصف مسؤولون ممتلكات الرئيس السوداني المخلوع، عمر البشير، وأعوانه التي صودرت بـ”قمة جبل الجليد” لثرواتهم، مؤكدين أن المستندات التي حصلت عليها لجنة محاربة الفساد كثيرة لدرجة احتاجت 3 شاحنات لنقلها.

لجنة “محاربة الفساد وتفكيك نظام البشير” لم تضع يدها على أي أموال سائلة حتى اللحظة، إذ تواجه صعوبة في استردادها من بنوك أجنبية محكومة بقوانين تمنعها من إعطاء هذه الأموال لغير مودعيها.

غير أنها صادرت ممتلكات وشركات وفنادق ومراكز تجارية حصل عليها الرئيس السابق ومساعدوه بشكل غير قانوني، فضلا عن مئات العقارات والمزارع تعود ملكيتها للبشير وبعض أفراد أسرته وكبار مساعديه، ومن بينهم وزيرا الخارجية والدفاع السابقان.

وفيما يرى خبراء أن فساد النظام السابق كان على نطاق كبير وأخفي ببراعة تجعل أمر كشفه صعبا، يدفع آخرون باتجاه تحويل العقارات التي صودرت إلى أموال تعود بالنفع اقتصاديا حتى لو استلزم ذلك وقتا طويلا، نظرا إلى أنها تقع في المناطق الأعلى سعرا في الخرطوم وقيمتها الفعلية والاستثمارية كبيرة.

يُذكر أن السلطات أوقفت العشرات من أعوان البشير بتهم الفساد، ولم تتم إحالة أي منهم إلى المحاكمة بعد، فيما أدين الرئيس المخلوع بالفساد في واحدة من قضايا عدة.

ويخضع البشير أيضا لمذكرتي توقيف دوليتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية عامي 2009 و2010 بتهمة الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في إقليم دارفور بين عامي 2003 و2008.