ألوان نسائية ناعمة، وكراسٍ ملساء مريحة، طابع أنثوي، واهتمام بالتفاصيل في كل شيء، إنها “مقاهي الفتيات”، أماكن عامة مخصصة للإناث، لاقت الفكرة ترحيبًا شديدًا منذ عام 2009، عندما أنشئ أول مقهى نسائي في مصر بمدينة نصر، وعلى الرغم من الهجوم الذي تعرض له المكان، إلا أن الفكرة تطورت وأقبل عليها الكثير من الإناث، وانتشرت في عدد كبير من المناطق والمحافظات المصرية.

لماذا تختار الفتيات مثل هذه المقاهي الأنثوية للجلوس عليها؟، سؤال راودني كثيرًا حتى التقيت عددًا منهن، فلهن مبررات خاصة ربما مقنعة بعض الشيء، لكن الأهم أنها تعبر عن وجهات نظر عدد ليس بقليل من الفتيات في المجتمعات العربية.

ملاذ آمن

تقول “لينا أحمد” 22 سنة طالبة بكلية الفنون الجميلة، إنها تفضل دائمًا الجلوس بمقهى مخصص للإناث فقط، بمنطقة مصر الجديدة، تجد فيه ملاذاً آمنًا، تستطيع الجلوس بمنتهى الأريحية، دون الخوف من التعرض لتحرش أو غيره.

اعتادت “لينا” التوجه إلى هناك مع صديقاتها في الكلية، يتحدثن في كل شيء، ويضحكن بصوت مرتفع دون خوف من نظرة المحيطين.

توافقها الرأي “منى إبراهيم” 30 سنة، معلمة بالمرحلة الابتدائية بحي المعادي، والتي تذهب بشكل شبه يومي لكافيه يقع بأحد أكبر شوارع منطقتها السكنية مخصص للإناث فقط، ترتاده منذ عام وترى أنه آمن لا يدخله أحد سوى الفتيات مثلها.

مشكلات شخصية

“جروب” سري عبر تطبيق “واتس آب” يجمع بنات منطقة حدائق حلوان، تم التوصل لبياناتهن من خلال الصفحة العامة للمنطقة والمشترك بها غالبية سكان المنطقة.

أنشأت “الجروب” سمر سيد صاحبة مقهى أعدته للفتيات فقط، وبدأت في تجميعهن من خلال المجموعة السرية عبر “واتس آب”، كما اهتمت بأن تكون الخدمة مميزة، يغلب عليها الطابع الأنثوي، حيث إن جميع من يعمل في المكان إناث .

وعلى الرغم من أنه ممنوع دخول الرجال للمقهى، لأنه مخصص للفتيات فقط، إلا أن الرجل هو بطل القصة، وبطل الحكايات، فمعظم الفتيات المترددات على المقهى، في المرحلة العمرية ما بين 19 – 35 عامًا، وهي فئة عمرية ليست قليلة بين بنات المنطقة، والمقهى يشهد زحامًا شديدًا، معظم تلك الفتيات يناقشن مشكلات عاطفية، حتى لو لم يعرفن بعضهن من قبل.

تحكي “سمر” موقفًا حدث بين المترددات على المكان عام 2020، موضحة أن إحدى الفتيات كانت تجلس مع صديقة لها يتناقشن في علاقة عاطفية تجمع الأولى بأحد زملائها في الجامعة، واختلفت الصديقتان في وجهات النظر، حول العلاقة نفسها، فقامت إحداهن بطرح الموضوع أمام جميع الحضور في المقهى بصوت مرتفع، لتصل هي وصديقتها لتكوين رأي سليم عن الأزمة، وبالفعل تفاعل معها الجميع وبدأوا في توجيه نصائحهن للفتاة صاحبة المشكلة.

مجالس “الفيمينيست”

اشتهر أحد مقاهي حي المنيل بتجمعات نسائية ذات طابع خاص يتبع “الفيمينيست” أو مؤسسات وجمعيات نسوية بعينها، يناقشن خلال جلساتهن الأزمات المتعلقة بالمرأة مثل التحرش، وهو ما أكدته “نظيمة محمود” وهي فتاة مستقلة، تعيش بمفردها في القاهرة منذ عام.

تقول إنها وصديقاتها من نفس الفئة يجتمعن في المقهى بشكل أسبوعي لمناقشة بعض الأمور المتعلقة بقضايا المرأة، كان آخرها أزمة اعترافات ضحايا التحرش وما هو دور المؤسسات النسوية حيالها، وضرورة وضع ورقة بحثية للوصول لأفضل أساليب تحمي الفتيات من الذكور المتحرشين.

 “شيشة” و”دومينو”

على الرغم من السماح في المقاهي المختلطة بتناول “الشيشة” ولعب النرد والدومينو لكل من الجنسين، إلا أن بعض الفتيات وليس جميعهن يشعرن بالخجل من فعل  ذلك بشكل علني، وهناك تفضيل للقيام به داخل مقاهي الإناث.

هكذا تقول “ميرنا خيري” 28 عامًا موضحة أنها تدخن “الشيشة” منذ عامين دون علم أهلها، وكانت تخجل من فعل ذلك في الأماكن المختلطة، ولا تعرف سببًا واضحًا للخجل، لكنها وجدت راحة كبيرة في فعل ذلك في مقهى خاص بالفتيات بالمنصورة، بل ووجدت أن 60% من الفتيات المترددات على المكان يدخن “الشيشة” أيضًا، على عكس الحال في المقاهي العامة التي يكون أغلب الحضور بها من الرجال.

كافيه إسلامي

على صعيد متصل، جاء منظور مخالف تمامًا لفكرة التحرر إلا أنه يؤيد وجود مقاهي خاصة للفتيات، يتحدثن فيها عن عدم الاختلاط وأمور متعلقة بقضايا دينية وشخصية.

ويرى أصحاب هذا الرأي، أن مقاهي الفتيات لها الفضل في أنها جعلت الأسر المحافظة تسمح لبناتها بالخروج مع ضمان عدم التعرض للمضايقات من الذكور.

واتخذت المحجبات والمنتقبات من تلك الأماكن ملاذًا لهن أيضًا، حتى أن بعض المقاهي أُطلق عليها “كافيه إسلامي” نظرة لكثرة المترددات عليها من الفتيات المحجبات اللاتي يتبادلن الأحاديث الإسلامية بداخلها.