قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن عقد الشق رفيع المستوى للجمعية العامة هذا العام يكتسب أهمية خاصة لمواكبته مع الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء للأمم المتحدة، وكذلك مع تزامن جائحة فيروس كورونا في العالم أجمع، وما أصابه من خسائر بشرية مؤلمة وخسائر اقتصادية واجتماعية. وأضاف السيسي، خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن مصر بحكم تاريخها وموقع الإفريقي والإسلامي واعتبارها عضواً مؤسساً للأمم المتحدة، تغتنم هذه المناسبة لكي تستعرض بعض الإجراءات، وخاصة أنه من الضروري أن نتبنى جميعاً نهجاً يضمن تنفيذ القرارات الدولية، كما يجب توافر الإرادة السياسية اللازمة لدى تنفيذ القرارات وتفعيل مهام الأمم المتحدة.

وأستعرض الرئيس عدد من المحاور.

المحور الأول يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين بات من الضروري أن نتبنى جميعا نهجا يضمن تنفيذ ما يصدر من قرارات في الأطر متعددة الأطراف مع إيلاء الأولوية لتطبيق القواعد والمبادئ المستقرة والثابتة.. في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وهو ما يستلزم توافر الإرادة السياسية اللازمة لدى الدول لاحترام وتنفيذ القرارات وتفعيل  مهام الأمـم المتحـدة على صـعيدين رئيســيين

أحدهما: المتابعة الحثيثة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.. واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لمساعدة الدول لتنفيذ التزاماتها وبناء قدراتها.. مع مراعاة مبدأ الملكية الوطنية والآخر: العمل على محاسبة الدول..  التي تتعمد خرق القانون الدول والقرارات الأممية وبصفة خاصة..  قرارات مجلس الأمن.

وأضاف في هذا السياق، لم يعد من المقبول أن تظل قرارات مجلس الأمن الملزمة في مجال مكافحة الإرهاب والتي توفر الإطار القانوني اللازم للتصدي لهذا الوباء الفتاك دون تنفيذ فعال والتزام كامل من جانب بعض الدول التي تظن أنها لن تقع تحت طائلة المحاسبة.. لأسباب سياسية.

وقال من المؤسف أن يستمر المجتمع الدولى في غض الطرف عن دعم حفنة من الدول للإرهابيين سواء بالمال والسلاح أو بتوفير الملاذ الآمن والمنابر الإعلامية والسياسية بل وتسهيل انتقال المقاتلين الإرهابيين إلى مناطق الصراعات خاصة إلى ليبيا.. وسوريا من قبلها.

وأكد حرص مصر على إرساء السلم والأمن الدوليين ليشمل تجنيب الشعوب ويلات النزاعات المسلحة من خلال إطلاق عمليات سياسية شاملة تستند إلى المرجعيات التي تضمنتها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ليبيا

وتناول الرئيس الأزمة في ليبيا، مؤكدا تمسك مصر بمسار التسوية السياسية.. بقيادة الأمم المتحدة على أساس الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات ومخرجات مؤتمر برلين و”إعلان القاهرة” الذي أطلقه رئيس مجلس النواب وقائد الجيش الوطني الليبيان والذي يعد مبادرة سياسية مشتركة وشاملة لإنهاء الصراع في ليبيا ويتضمن خطوات محددة وجدولا زمنيا واضحا لاستعادة النظام وإقامة حكومة توافقية.. ترقى لتطلعات الشعب الليبي.

وأضاف إن تداعيات الأزمة لا تقتصر على الداخل الليبي لكنها تؤثر على أمن دول الجوار والاستقرار الدولى وإن مصر عازمة على دعم الأشقاء الليبيين لتخليص بلدهم من التنظيمات الإرهابية والمليشيات ووقف التدخل السافر من بعض الأطراف الإقليمية التي عمدت إلى جلب المقاتلين الأجانب إلى ليبيا تحقيقا لأطماع معروفة.. وأوهام استعمارية ولى عهدها.  لذلك فقد أعلنا ونكرر هنا أن مواصلة القتال وتجاوز الخط الأحمر ممثلا في خط “سرت – الجفرة” ستتصدى مصر لـه دفاعا عن أمنها القومي.. وسلامة شـعبها كما نجدد الدعوة لكل الأطراف للعودة إلى المسار السياسي بغية تحقيق السلام والأمن والاستقرار.. الذي يستحقه شعب ليبيا الشقيق.

وإذا كنا ننشد حقا تنفيذ القرارات الدولية.. وتحقيق السلام والأمن الدائمين في منطقة الشرق الأوسط فليس أحق بالاهتمام من قضية فلسطين التي مازال شعبها يتطلع لأبسط الحقوق الإنسانية وهو العيش في دولته المستقلة جنبا إلى جنب مع باقي دول المنطقة.  لقد استنزف الوصول إلى هذا الحق أجيالا واستنفد العديد من القرارات إلى حد بات يثقل الضمير الإنساني.

واكد أنه لا سبيل للتخلص من هذا العبء وفتح آفاق السلام والتعاون والعيش المشترك إلا بتحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.. وعاصمتها القدس الشرقية لكي يعم السلام والأمن كل شعوب المنطقة.

فلسطين

وقال إن على المجتمع الدولى تفعيل التزامه بتحقيق السلام.. الذي طال انتظاره والتصدي للإجراءات التي تقتطع الأرض من تحت أقدام الفلسطينيين وتقوض أسس التسوية وحل الدولتين التي تبنتها القرارات الدولية وقامت عليها عملية السلام والتي بادرت إليها مصر سعيا إلى تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم.

سوريا

وأكد أن الحـل السياسي الشامل للأزمـة السورية بات أمرا ملحا لإطفاء أتون الحرب المشتعلة وتنفيذ كافة عناصر التسوية السياسية وفقـا لقرار مجلس الأمن رقم (2254).. دون اجتزاء أو مماطلة وبما يحقق وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وسلامة مؤسساتـها وطموحات شعبها والقضاء التام على الإرهاب..

اليمن

وبالمنطق نفسه، فلقد آن الأوان لوقفة حاسمة تنهى الأزمة في اليمن من خلال تنفيذ مرجعيات تسوية الصراع طبقا لقرار مجلس الأمن رقم (2216) والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وبما يحترم الشرعية ويكفل وحدة اليمن واستقلاله ووقف استغلال أراضيه لاستهداف دول الجوار أو لعرقلة حرية الملاحة في مضيق باب المندب.

سد النهضة

وفيما يتعلق بموضوع سد النهضة قال الرئيس أود أن أنقل إليكم تصاعد قلق الأمة المصرية البالغ حيال هذا المشروع الذي تشيده دولة جارة وصديقة على نهر وهب الحياة لملايين البشر.. عبر آلاف السنين.

لقد أمضينا ما يقرب من عقد كامل في مفاوضات مضنية.. مع أشقائنا في السودان وإثيوبيا سعيا منا للتوصل إلى اتفاق..  ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد ويحقق التوازن المطلوب بين متطلبات التنمية للشعب الإثيوبي الصديق وبين صون مصالح مصر المائية.. وضمان حقها في الحياة.

وقد خضنا على مدى العام الجاري جولات متعاقبة من المفاوضات المكثفة حيث بذلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية جهودا مقدرة.. لتقريب مواقف الدول الثلاث من خلال المحادثات التي رعتها بمعاونة البنك الدولى.. على مدى عدة أشهر كما انخرطنا بكل صدق في النقاشات التي جرت بمبادرة من أخي رئيس وزراء السودان ومن بعدها في الجولات التفاوضية التي دعت إليها جمهورية جنوب إفريقيا بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي إلا أن تلك الجهود لم تسفر للأسف عن النتائج المرجوة منها.

وأضاف إن نهر النيل ليس حكرا لطرف ومياهه بالنسبة لمصر ضرورة للبقاء دون انتقاص من حقوق الأشقاء. ولقد أكدت تلبية مجلس الأمن دعوة مصر لعقد جلسة للتشاور حول الموضوع في التاسع والعشرين من يونيو الماضي خطورة وأهمية هذه القضية واتصالها المباشر بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين الأمر الذي يضع على عاتق المجتمع الدولى مسئولية دفع كافة الأطراف للتوصل إلى الاتفاق المنشود الذى يحقق مصالحنا المشتركة إلا أنه لا ينبغي أن يمتد أمد التفاوض.. إلى ما لا نهاية في محاولة لفرض الأمر الواقع لأن شعوبنا تتوق إلى الاستقرار والتنمية وإلى حقبة جديدة واعدة من التعاون.

التنمية المستدامة

أما بالنسبة للمحور الثاني من محاور عمل الأمم المتحدة وهو تحقيق التنمية المستدامة، فتؤمن مصر إيمانا راسخا بأن دفع جهود التنمية يعد شرطا أساسيا لتعزيز السلم والأمن الدوليين ولإقامة نظام عالمي مستقر وهو أفضل السبل لمنع التطرف والحد من النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية.

ولقد دعمت مصر اعتماد أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 واضطلعت بدور محوري لدعم جهود السكرتير العام لإصلاح المنظومة التنموية إيمانا منها بأهمية تعزيز قدرة المنظمة.. على تحقيق تلك الأهداف الطموحة.

ولعل الأزمة الطاحنة التي فرضتها جائحة فيروس “كورونا” المستجد تستوجب توفير الدعـــم للــــدول الناميــــة.. خاصـــة الإفريقية من خلال تقديم حزم تحفيزية لاقتصاداتها وتخفيف أعباء الديون المتراكمة عليها والاستفادة من الأدوات المتاحة لدى مؤسسات التمويل الدولية بما يساهم في خلق بيئة مواتية تساعد تلك الدول على احتواء آثار الجائحة والتعامل مع المشكلات القائمة كالإرهاب، والهجرة غير المنتظمة، ومعالجة أسباب النزاعات.

حقوق الإنسان

وفيما يتعلق بالمحور الثالث لعمل الأمم المتحدة تحظى الأجندة الدولية لحقوق الإنسان بأهمية متزايدة لما لها من أثر مباشر على تعزيز بناء الإنسان وتحسين مستوى الخدمات المقدمة له والحفاظ على حقوقه ضمانا لتمتعه بحياة كريمة وللتعامل مع التحديات التي تواجهه على كافة المستويات وهو ما يعضد في الوقت نفسه.. استقرار المنظومة الدولية.

فلقد شرعنا في تعزيز مسيرتنا في مجال حقوق الإنسان على كل الأصعدة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية إيمانا منا بضرورة التكامل بينها في ظل ما تضمنه الدستور المصري وتعديلاته من مواد تضمن الحقوق والحريات وحقوق الأجيال القادمة وتنشئ مجلس الشيوخ ودوره في دعم النظام الديمقراطي وتكفل للمرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية حيث يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع عدد المقاعد بمجلس النواب فضلا عن تنظيم عمل مؤسسات الدولة وأجهزتها والفصل بين السلطات وتكريس مبدأ تداول السلطة.

تعزيز المواطنة

كما تعددت أوجه العمل على تعزيز المواطنة وتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص دون تمييز لأي سبب إلى جانب جهود تمكين المرأة المصرية ومكافحة مظاهر العنف ضدها بكافة أشكاله والدعوة لتجديد الخطاب الديني وتأكيد حرية العقيدة واضطلاع الدولة ببناء دور العبادة دون تفرقة فضلا عن تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة والاستثمار في الشباب لاسيما من خلال إدماجهم في عملية صنع القرار وإقامة حوارات مباشرة معهم من خلال منتديات الشباب الدورية وتنفيذ مبادرات تدريب وتأهيل الشباب.. للمشاركة الفعالة في العمل العام.

رؤية مصر 2030

أما على الصعيد الاقتصادي واتساقا مع المنظور الشامل لرؤية “مصر 2030” فالحق أنه لولا الدعم الذى أولاه شعب مصر إلى مؤسسات الدولة لما كان ممكنا اجتياز المراحل الصعبة والمضنية لبرنامج الإصلاح الهيكلي والذى كان لنجاحه إسهام كبير في تحصين الاقتصاد وتحجيم خسائره جراء جائحة فيروس “كورونا” كما أننا من بين عدد قليل من الدول التي استطاعت تحقيق معدلات إيجابية للنمو رغم الجائحة بالإضافة إلى السيطرة على معدلات التضخم وتراجع البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ عشـرين عامــا فضلا عن إقامة المشروعات القومية الكبرى في مجالات البنية الأساسية وتوفير المسكن اللائق والطاقة إلى جانب صياغة برامج اجتماعية تستهدف من هم أقل دخلا لتوفير الحماية اللازمة لهم وتخفيف آثار الإصلاحات عليهم وكذا التركيز على أولوية الرعاية الصحية.. باعتبارها حقا رئيسيا من خلال تبنى العديد من المبادرات والبدء في تنفيذ مراحل برنامج التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين المصريين وهى كلها الجهود التي تعد إسهاما مباشرا لصون حق المواطن في عيش كريم.

وأضاف وفى خضم كل ما سبق ودون متاجرة أو ابتزاز لم نقصر أبدا في أداء واجبنا الإنساني  إزاء نحو ستة ملايين مهاجر ولاجئ ممن اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب الحروب والأزمات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة وتستضيفهم مصر حاليا على أرضها وبين شعبها حيث يتمتعون بكافة الخدمات التي تقدمها  الدولة للمصريين دونما أي عون أو دعم  يعتد به من شركائنا الدوليين رغم الأهمية التي يعلقونها.. على حقوق هؤلاء المهاجرين.

مجلس الأمن وقال الرئيس من الضروري أن نعمل على معالجة مسألة التمثيل الجغرافي العادل في مجلس الأمن ليكون أكثر تعبيرا عن واقع عالمنا اليوم وعن موازين القوى الراهنة والتي تختلف كثيرا عما كانت عليه إبان وقت صياغة المنظومة الدولية.

وتؤكد مصر على أهمية توسيع المجلس..  في فئتيه الدائمة وغير الدائمة بما يعزز من مصداقيته ويحقق التمثيل العادل لإفريقيا لتصحيح الظلم التاريخي الواقع عليها والاستجابة لمطالبها المشروعة المنصوص عليها في توافق “أوزلوينى” وإعلان “سرت”.

وأكد الرئيس السيسي إن مواجهة التحديات الجسيمة الناجمة عن تفشى جائحة فيروس “كورونا” المستجد فضلا عن المشكلات الإقليمية والدولية القائمة تحتم علينا ضرورة إعلاء مبدأ التعاون والتضامن الدولى لمواجهة تلك التحديات أكثر من أي وقت مضى وتجنب التناحر والاستقطاب.

وإذا كان “الأمل يولد من الألم” فلعلنا نجد في الأزمة الراهنة ما يدفعنا لبث روح جديدة في جهودنا الحثيثة لتفعيل العمل الدولى متعدد الأطراف ودور الأمم المتحدة كقاطرة له.

إن مصر، كعضو مؤسس لهذه المنظمة وبما لها من إسهام فى صناعة الحضارة الإنسانية.. منذ فجر التاريخ لن تدخر جهدا في سبيل تحقيق رؤية التجديد والإصلاح بناء على اقتناع راسخ ويقين ثابت أن “الأرض تسع الجميع” طالما كان نبذ الصراعات، وصنع وبناء السلام، والتعاون الدولى  هي الأسس الحاكمة للعلاقات بين الدول والشعوب  من أجل تحقيق التنمية والأمن والاستقرار والرفاهية للأجيال الحالية والقادمة.. على حد سواء.