مخاوف وترقب وحالة من القلق تمر بها تركيا، بسبب ازدياد النفوذ الإخوانى على أراضيها، وتغلغل قادة التنظيم الإرهابي فى المؤسسات التركية، بمباركة من الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي فتح أبواب بلاده أمام الهاربين إلى هناك.

وحذر الكاتب التركي موسى أوز أورلو، فى مقال نشره موقع دوفار التركى، من تنامى سلطة تنظيم الإخوان فى تركيا، وفرضهم لأجندتهم الخاصة على المواطن التركي، مؤكدًا أن هذه الأجندة قد تصل بهم للوصول إلى حكم تركيا.

واستنكر الكاتب إصرار “أردوغان” على إيواء أعضاء الجماعة، متسائلًا عن السبب وراء موقف الرئيس التركى من هذا التنظيم الإرهابي.

تأتي تلك المخاوف فى الوقت الذي يغازل فيه “أردوغان” النظام المصري، باحثًا عن فرصة للسلام بين البلدين، بعد أن دخلا فى عداء صريح ومعلن نتيجة دعم أنقرة لجماعة الإخوان.

أسباب دعم “أردوغان” لـ”الإخوان”

أسباب عديدة تقف وراء دعم “أردوغان” لتنظيم الإخوان، بالرغم من تصنيفه جماعة إرهابية في مصر، وتورط معظم قادته الهاربين لتركيا فى عمليات إرهابية وصدرو أحكام غيابية ضد العديد منهم.

ولهذه الأسباب أصول تاريخية، ترتبط بنشأة الجماعة، التي قامت عقب سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، كمشروع لإحياء تلك الخلافة، فى كافة دول العالم، ووضعت لهذا المشروع خططًا عدة، عملت على تنفيذها منذ نشأتها عام 1928، وهو المشروع الذي رفضته الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي واعتلاء الإخوان للحكم فى عدد من الدول على رأسها مصر التى خرج من رحمها التنظيم.

التقى هذا السبب بأطماع الرئيس التركى الذي يبحث على أن يكون هو محي الخلافة العثمانية، باستخدام عناصر جماعة الإخوان، كونها التنظيم الوحيد الذي له تواجد فى أكثر من 80 دولة، ما يضمن إمكانية استغلالها في إحياء الخلافة.

بجانب رغبة “أردوغان” فى زعامة العالم السني بديلًا عن المملكة العربية السعودية، وأن يصبح خليفة المسلمين حول العالم، وهو الحلم الذي يداعبه منذ توليه السلطة فى تركيا، والذي ظهر جليًا فى واقعة مسجد آيا صوفيا، وغيرها من الوقائع الأخرى، التى استهدف منها تقديم نفسه كونه قائد الأمة الإسلامية ومحيي إمبراطوريتها القديمة.

كذلك يعمل “أردوغان” على استخدام الإخوان كقوة بشرية تضمن له وجود ظهير قوى يستعين به وقت التمرد ضده، مستغلًا عدم وجود أماكن إيواء أخرى للجماعة فى موقفها الحالي والمطاردات الأمنية لقادتها فى عدد من الدول، بخلاف رغبته فى استخدام الجماعات المتطرفة، لإرهاب أوروبا وفرض نفوذه داخلها، وهو الكارت الذي لوح به أكثر من مرة للانضمام للاتحاد الأوروبي، وسط رفض العديد من دول الاتحاد للسياسات التركية.

وبدورها توفر جماعة الإخوان، وسائل التواصل بين “أردوغان” والجماعات المتطرفة التي خرجت جميعها من عباءة الإخوان، وتشكلت من أعضاء التنظيم، ما يجعل لـ”أردوغان” نفوذًا داخل تلك الجماعات، لاستخدامها فى تحقيق أطماعه وحلم الخلافة، وتهديد الدول التى تتعارض سياستها معه مثل مصر، التى يعتبرها أردوغان بوابته لتحقيق حلم الخلافة، واختراق الشرق الأوسط، خاصة وأنها أهم الدول التى فقدتها الخلافة العثمانية.

مخاوف من التقارب المصري – التركي

على جانب آخر، تعيش جماعة الإخوان مرحلة من القلق والتخوف، من تعرضها لغدر من الرئيس التركي، الذي بدأ فى مغازلة النظام المصرى، وخفض نغمة العداء، وعرض فتح باب للحوار مع الجانب المصري لإذابة الخلافات بين البلدين، وهو الأمر الذي لم تستجب له مصر حتى الآن.

وتخشى جماعة الإخوان التى يقبع أهم قادتها داخل تركيا، من استخدام “أردوغان” للقادة كورقة رابحة فى حال الدخول فى مفاوضات تصالح مع مصر، ما يهددهم بالاعتقال من جانب، حال سلمتهم السلطات التركية لمصر، ومن جانب آخر ضياع الملاذ الآمن الذي وفره لهم، وفتحها منصات إعلامية ما جعل التنظيم يتواصل وينشر أفكاره التخريبية فى مصر والدول التى يتهدد نفوذ الجماعة بها.

كذلك تدير عناصر الجماعة، تحركاتها فى مصر من خلال غرفة العمليات التركية، كما تدير حركة الأموال من الأراضي التركية، والتي تمثل الركيزة الأهم فى حياة الجماعة، خاصة وأنها تمر بخلافات وشبهات فساد مالى بين قادتها الذين يديرونها الآن على رأسهم إبراهيم منير ومحمود حسين.

سيناريوهات التقارب

سيناريوهات التقارب التركى – المصري، والتي تشير إليها التصريحات التركية مؤخرًا، يعتبرها البعض مراوغة من الجانب التركي، وأنها لن تتحقق لأنها تتعارض مع التوجه التركي، وأطماع “أردوغان”، وترفض المعارضة التركية الاعتراف بها، محذرة من استمرار تلك السياسية الداعمة للإرهاب من تحول تركيا لأرض حاضنة للجماعات المتطرفة.

ويقول الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية وليد البرش، إن دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتنظيم جماعة الإخوان، كونه عضوًا فى التنيظم منذ عقود مرت، وتدرب فيها وعلى يد قادتها، حتى تمكنت الجماعة من دعمه وجعله رئيسًا لدولة علمانية.

ويضيف “الآن يسعى أردوغان لأن تمكنه من الوصول للخلافة، باعتباره عضوًا فيها، شأنه شأن حمد بن خليفة الأمير السابق لقطر، والذي ينتمى للإخوان فكريًا وتنظيميًا، ما يجعل أمر إيواء أعضاء الجماعة ودعمها أمرًا مبررًا ومفهومًا وطبيعيًا وفقًا لأيديولوجية الإخوان”.

ويتابع “البرش” أنه “فى حال حدث التقارب بين مصر وتركيا، وخضع الرئيس التركى للطلبات المصرية، سيكون أولها شحن جميع قادة الجماعة وإعلامييها الهاربين بتركيا إلى مصر، وتسليمهم لمحاكمتهم على الجرائم التى ارتكبوها، وفى تلك الحالة ستكون الجماعة قد تلقت كلمة النهاية، والقضاء نهائيًا على المشروع الإخوانى”.

ويضيف أن “أردوغان يدرك جيدًا أنه حال تخليه عن الإخوان، سوف يسقط لقب خليفة المسلمين الذي يتشدق به عنه وتمنحه له الجماعة، عبر أبواقها الإعلامية، ما يجعل له أنصار من العناصر التي تخاطبها الجماعة، وهو الأمر الذي يصعب تخلى أردوغان عنه”.

ويكمل أن “هذا لا يمنع أن الإخوان لديهم المخططات دائمًا فى حال حدث التقارب التركي – المصري، حيث إنهم لن يقدموا أنفسهم قربانًا لهذا التقارب، إذ سيعبر القادة الكبار للجماعة من غير الموصومين بالإرهاب إلى بريطانيا، ويقيمون فى لندن، أحد أهم مقرات الجماعة، أما الأعضاء الموصومون بتهمة الإرهاب ستكون وجهتهم إلى ماليزيا، حيث مقر الجماعة، فيما سيرحل آخرون إلى قطر، التى تدعم الجماعة، وتوفر لعدد كبير من أعضائها فرصًا للإيواء والعمل والتواصل الإعلامي مع أنصارها حول العالم”.

ويتابع “البرش” أن “الإخوان جماعة لها أفرع فى 80 دولة حول العالم، ما يجعلها مستعدة لكافة السيناريوهات، فالقضاء على الجماعة، يكون عبر تدمير اقتصادها، الذي يبقيها على قيد الحياة، وفى حال تم تحقيق هذا الهدف، لن يكون للجماعة وجود، وسوف تنتهي وينشق الأعضاء المنتمون لها فى مصر على وجه التحديد، والتى تعتبر أهم مركز للجماعة فى العالم كونها دولة المنشأ وبها غالبية المنتمين للجماعة”.