للوهلة الأولى قد يظن البعض أنها مزحة، نعم إننا نتحدث عن الحقوق الأساسية للقرود، هناك من يبحث إقرار هذه الحقوق دستوريًا ويناضل من أجلها، في سويسرا معركة ليست بسيطة اضطرت أن تنسجم معها المحكمة العليا لتعطي الضوء الأخضر للاستفتاء من أجل تعديل دستوري يشمل الحقوق الأساسية للرئيسيات غير البشرية.

يُنظر إلى القرود على أنها شريحة أولى مستهدف اقتناص حقوقها من العالم البشري والاعتراف بحقوقها دستوريًا بعد نضال تاريخي يقوده المهتمون بالحيوانات وحقوقها، نضال استمر لأكثر من 4 أعوام ونصف، تخللها سعي كبير وأنشطة ترويجية لجمع الأصوات اللازمة لتعديل الدستور وتضمينه موادًا جديدة، وخلال هذه السنوات كانت هناك دعوات مناهضة للحراك ولكنها باءت جميعها بالفشل في ساحة القضاء الذي رفضها جميعاً ومنح المطالبين ضوءاً أخضراً بالتصويت من أجل حياة أفضل للرئيسيات من غير البشر “القرود”.

البداية والحشد

أطلقت مجموعة Sentience Politics المدافعة عن حقوق الحيوانات دعوتها في عام 2016، مطالبة بالدعم والتصويت، كما أصدرت عددًا من البيانات أكدت خلالها: “أن القردة لها مصلحة أساسية في حياتها وسلامتها الجسدية والعقلية، ونادرًا ما يتم اتخاذ هذا في الاعتبار التشريع السويسري”.

جمع عدد من النشطاء والمهتمين بحقوق الحيوانات نحو 100 ألف توقيع على منح الرئيسيات من غير البشر حقوقها الأساسية، وطالب كانتون مدينة بازل بتعديل دستوري يشملها.

في المقابل رفض آخرون الفكرة، وتقدموا بشكوى لمحكمة بازل إلا أن الأخيرة رفضت الشكوى المقدمة وأعلنت المحكمة العليا السويسرية في 16 سبتمبر الماضي رفض الاستئناف.

المحكمة السويسرية العليا أعطت الضوء الأخضر للاستفتاء من أجل منح الرئيسيات من غير البشر حقوقاً دستورية على أن يتم الإعلان عن موعد الاستفتاء في وقت لاحق.

كان للمحكمة أسبابها التي أعلنتها في بيان أكدت خلاله أن : “الكانتونات يمكنها أن تذهب إلى أبعد من الحماية التى يكفلها الدستور الاتحادي، وأن المبادرة لا تطالب بمد الحقوق الفيدرالية الممنوحة للبشر لتشمل الحيوانات، ولكنها تطالب بإدخال حقوق محددة للرئيسيات غير البشرية”.

وينتظر سكان النصف الشمالي من كانتون مدينة بازل التصويت على تعديل الدستور  بموجب قواعد الديمقراطية المباشرة في البلاد، رغم اعتراض حكومات وكانتونات ومدن أخرى معتبرة الأمر انتهاك للقانون “الفيدرالي”.

ترحيب وأمل

سنتينس بوليتيكس أحد مؤسسي الحملة، أكدت عقب صدور الحكم أنها “سعيدة بهذا القرار التاريخي”، مؤكدة أن الأمر أصبح ممهدًا في طريق التصويت لمنح الرئيسيات من غير البشر حقوقها.

ولكنها أبدت تخوفها، ففي سويسرا التي يتم تنظيم عمليات التصويت والاستفتاءات الشعبية على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية كل بضعة أشهر، قد يستغرق الأمر سنوات من الوقت الذي تجمع فيه مثل هذه المبادرات التوقيعات اللازمة حتى يتم إدخالها على ورقة الاقتراع.

أنظمة التصويت 

يعتبر نظام التصويت في سويسرا فريدًا بين الدول الديمقراطية الحديثة من حيث ممارستها للديمقراطية المباشرة بالتوازي مع الديموقراطية التمثيلية، فهو نظام “ديموقراطي شبه مباشر”.

ويتم تنظيم التصويت على ثلاثة مستويات، أولها الانتخابات وهو التصويت من أجل اختيار ممثلي الجمعية الاتحادية، ويليها، الاستفتاءات الاختيارية، والتي تمكن كل  50 ألف توقيع معارض أن يصوتوا على تعديل قانون سبق ووافقت عليه الجمعية الاتحادية، ثم المبادرات الشعبية ويمكن خلالها التصويت على تعديل الدستور من قبل المواطنين بعد جمع 100 ألف توقيع من المؤيدين للقرار.

ويتم التصويت في سويسرا ما يقرب من 4 مرات في السنة على قضايا مختلفة، وتشمل المبادرات والاستفتاءات حيث يتم التصويت على السياسات المباشرة من قبل الأفراد، والانتخابات يتم خلالها تصويت الجمهور للمسؤولين.

والموضوعات الأكثر شيوعًا، هي القضايا الاجتماعية ومنها الرفاهية والرعاية الصحية وسياسة الأدوية، والبنية التحتية مثل مشاريع النقل العام والبناء، والقضايا البيئية ومنها الإجراءات الحمائية والطبيعة، والاقتصاد والمالية العامة بما فيها الضرائب، كما تطرح قضايا الهجرة والتعليم واللجوء والثقافة وشؤون الدولة والقضايا العسكرية لمستويات الانتخاب والاستفتاء الثلاث الرئيسية.

الحقوق المنتظرة

أعلنت المبادرة التي انطلقت لدعم حقوق الرئيسيات من غير البشر، أنها لم تنهض لمنح الحيوانات حقوقاً مماثلة للبشر ولكنها طالبت بإضافة حقوقهم الأساسية للدستور.

ووفقًا للمبادرة فهناك كائنات شديدة التعقيد كـ “القرود” تحتاج إلى شملها دستوريا، مؤكدة أن الفرق في متطلبات وحقوق الإنسان والحيوانات واضح ومحدد، وكذلك الدستور سيكون على هذا النحو، معتبرة أن ما يتم على أرض الواقع الآن هو انتصار تاريخي لحقوق الرئيسيات “القرود”، وما يقوم به القضاء السويسري إنجاز كبير.

وأضافت المبادرة أن الحقوق الممنوحة للقرود ستشمل مساحتها الحياتية بما يضمن سلامتها الكاملة جسدياً وعقلياً، وتحول دون الاعتداء على هذه المساحة التي سيكفلها لها الدستور بعد التصويت.

جدير بالذكر أنه وبعد إتمام التصويت التاريخي لانتزاع حقوق القرود دستورياً سيكون هناك عقوبات فيدرالية رادعة لكل من يتجاوز في حقوقها المنصوص عليها دستورياً وفقاً لإرادة المطالبين بالتصويت والذين اجتاز عددهم المعدل القانوني المعلن عنه وهو 100 ألف توقيع.