يعتبر البعض أن الولادة القيصرية بمثابة “سبوبة” تزامنًا مع ذيوع صيتها وانتشارها على نطاق واسع، لأسباب عدة خاصة أن أغلب السيدات يلجأن إليها خلال الفترة الماضية عقب الترويج بأنها غير مؤلمة.

ويلجأ الأطباء لإجراء الولادة القيصرية في حالات يصعب معها الولادة الطبيعية للأم، منها الأزمات الصحية مثل ضعف الجسد والإصابة بأمراض مزمنة، بالإضافة إلى أسباب خاصة بعدم تهيئة الجنين والرحم للولادة.

أسعار العمليات

“استمرار المخاض لفترة طويلة، الجنين في وضعية غير طبيعية، معدل ضربات قلب الجنين غير طبيعي، حدوث النزف المهبلي بشكل مفرط، انفصال المشيمة عن الرحم، وخضوع السيدة لولادة قيصرية في وقت سابق”.. الأسباب المذكورة سلفًا هي المعروفة طبيًا والتي تجعل الأطباء يلجأون للولادة القيصرية.

تبدأ أسعار الولادة القيصرية في المستشفيات الحكومية من 3000 جنيه، بينما ترتفع في العيادات الخاصة والمستشفيات، حيث تدفع النساء في العيادات الخاصة حوالي 7000 جنيه كحد أدنى، بينما تبدأ الأسعار في المستشفيات الخاصة من 13 ألف جنيه.

منظمة الصحة العالمية: “الولادة القيصرية هي استخراج المولود من رحم الأم عبر جراحة تتضمن شق البطن والرحم

دعاية وترويج

يتم الترويج للولادة القيصرية عن طريق صفحات العيادات والمستشفيات الخاصة بكونها أسهل من الطبيعية، وكذا الترويج لأدوات تجعل السيدة تتخلص من الألم “كاللزقة السحرية”، أو شفهيًا لإقناع السيدات بذلك.

ولادة قيصرية

“الولادة القيصرية أسهل من الطبيعية، لن تشعري بالألم، فقط ألم حقنة (البنج) وبعد ذلك يمكنك تخطي كل الأوجاع بالمسكنات”.. جملة قيلت لـ”سمر سيف النصر”، من محافظة الجيزة أثناء متابعتها مع طبيب أمراض نسا وتوليد في عيادته الخاصة بالقرب من مسكنها.

ظل الطبيب يردد الجملة السابقة على مسامعها راغبًا في إقناعها بأن الولادة القيصرية أسهل ولن تضطر خلالها لتحمل ألم المخاض، مرهبًا إياها بأن المرأة خلال الولادة الطبيعية تشعر بكل شيء وأن ألمها لا يحتمل.

تكشف “سمر” أنها توجهت إلى لطبيب آخر وقررت أن تتابع معه لتطمأن على صحتها وعلى صحة جنينها، وبعد ذلك عرفت أن ذلك الطبيب مشهور بإجراء عمليات الولادة القيصرية، بسبب ارتفاع تكاليفها عن الولادة الطبيعية.

أما عن “ج.ن” والتي رفضت ذكر اسمها فعندما ذهبت للطبيب قبل موعد الولادة الذي تم تحديده لها بـ 10 أيام، فوجئت بأنه أعطاها حقنة لن تتمكن من الانتظار بعدها، وإلا ستكون حياة  الجنين في خطر، فاضطرت إلى الموافقة على إجراء الجراحة القيصرية رغم خوفها.

وفقًا للمسح السكاني الأخير لعام 2014 كانت تحتل مصر المركز الثالث عالميًا في معدلات الولادة القيصرية ووصلت نسبتها إلى 52%..

وكانت نسبة عمليات الولادة القيصرية في عام 2000 قد تصاعدت من 10 % إلى 28% في عام 2008، وظل معدل إجراء عمليات الولادة القيصرية في ارتفاع حتى الآن.

كما سجلت الولادة القيصرية ارتفاعًا على مستوى العالم، ما دعا منظمة الصحة العالمية لأن تطلق عليها أنها وباء حقيقي.

وفي العام الماضي أعلنت المنظمة أن مصر أصبحت تحتل المركز الثاني على مستوى العالم في الولادات القيصرية حيث ارتفعت النسبة بداخلها من 52% إلى 55.5٪ من إجمالي حالات الولادة التي تحدث داخل البلاد.

أعلى في الوجه البحري

أظهرت دراسة خاصة بمسح شامل لعمليات الولادة القيصرية في مصر من العام 2008 وحتى العام 2017 أعدها الدكتور طارق توفيق، نائب وزيرة الصحة والسكان لشئون السكان، أنها زادت بمعدل أربعة أضعافها عن المعدلات العالمية.

وأكدت الدراسة أن المعدل الطبيعي للولادة القيصرية في أي دولة هو بنسبة 15% من إجمالي عمليات الولادة التي تتم داخل البلاد، وذلك كحد أقصى.

ولادة قيصرية

وشددت الدراسة على أن عمليات الولادة القيصرية تتزايد بين السيدات الأعلى في المستوى التعليمي، وكلما زادت الدرجة العلمية زاد معها احتمالات القيصرية، وصلت نسبة القيصرية بين السيدات الحاملات لشهادات عليا 58.5%، ونسبة حاملات لشهادات تعليم متوسط 46.4%، ونسبة السيدات الحاملات لشهادة التعليم الأساسي 43.5%، السيدات غير المتعلمات وصلت النسبة إلى 37%..

الدراسة أفضت إلى أن الحالة الاقتصادية للمرأة لها دور في زيادة احتمالات إجراء الولادة القيصرية، وكانت النسبة الأعلى في الوجه البحري بنسبة 70.6% بينما بلغت 57.8% في الوجه البحري.

ووفقًا للدراسة فإن الولادة القيصرية تزداد في المستشفيات الخاصة مرة ونصف عن المستشفيات الحكومية، حيث وصلت نسبتها في مستشفيات القطاع الخاص 65.7% مقابل 45.3% في مستشفيات القطاع الحكومي.

أعباء مادية تتحملها الأسرة

ووفقًا للدراسة فإن الأسر المصرية التي تحدث فيها ولادة قيصرية، تتحمل أعباء مادية كبيرة مقارنة بالأسر التي تلجأ سيداتها إلى الولادة الطبيعية، حيث يزداد سعر القيصرية بمقدار 466% فيما يتم دفعه طبيعية.

هناء أبو القاسم، استشاري النساء والتوليد، قالت إن الولادة القيصرية تتسبب في أعباء مادية على الأسرة لارتفاع أسعار عملية الولادة نفسها، وكذا تزداد احتمالية دخول الأطفال الحضانات، بسبب المشاكل التنفسية التي تحدث للمواليد نظرًا لأنه تم تحديد موعد الولادة قبل اكتمال الشهر التاسع، بالإضافة إلى ازدياد الحاجة إلى العناية المركزة.

وتكثر أسباب اللجوء للولادة القيصرية من قبل الأمهات أو الأطباء، حيث تتطلع السيدات إلى ولادة دون ألم، لذا يفضلونها عن الطبيعية، وكذا للمحافظة على الأعضاء التناسلية سليمة دون إجراء أي جراحة بها، بينما يرى الأطباء أنها أسهل لأنها لا تحتاج إلى ساعتين، بينما تحتاج الولادة الطبيعية إلى متوسط 16 ساعة ما يهدر وقتهم، كما أن عائدها المادي أكثر.

ووفقًا لدراسة حديثة أجريت على ارتفاع إجراء عمليات الولادة القيصرية، فإن وصول نسبتها إلى 15% يعد استخدامًا مفرطًا لها، وأكدت أنه هناك اعتماد كبير عليها دون الحاجة إليها، حيث تتجاوز 50 في المئة في جمهورية الدومينيكان، والبرازيل، ومصر، وتركيا.

وأشارت جين سوندول، أستاذة العلوم الاجتماعية وصحة المرأة في جامعة كينجز كوليدج لندن وأحد المشاركات في إعداد هذه الدراسة، في تصريحات لـ”البي بي سي”، إلى أن الولادة القيصرية لها مخاطر كبيرة على صحة الأم وتنقسم لنوعين طويلة الأمد وأخرى قصيرة.

سوندول، أكدت أن عملية التعافي من آثار الولادة القيصرية معقدة بالنسبة للأم، وقد تحدث تشوهات في الرحم، ونمو غير طبيعي للمشيمة، وحمل خارج الرحم، وموت الجنين، والولادة المبكرة، خلال مرات الحمل التالية للولادة القيصرية، مشددة على أنها تزداد كلما تكررت عملية القيصرية.

وأضافت “هناك مخاطر صحية ذات صلة بالهرمونات، والبكتيريا، والحالة البدنية، والإجراءات الطبية المتبعة في الولادة القيصرية، وأن النقص في عدد الممرضات أحد أهم أسباب اللجوء لها، بالإضافة إلى الحوافز المالية التي يتم صرفها للأطباء والمستشفيات لحدوث الولادات في تواريخ محددة.

حلول مقترحة

الدكتورة هناء أبو القاسم ترى أنه يمكن تنفيذ حلقات خاصة للسيدات الحوامل، لتعتمد الأم على معلومات علمية مؤكدة، وتستند لتجارب أخريات، وضع أسس وسياسات من وزارة الصحة تفعل لحكم أسباب إجراء الولادة القيصرية، ومن يخالفها من الأطباء يتعرض للمسألة.

هناء

استشاري النساء والتوليد أكدت على أنه من الضروري أن تكون تكلفة الولادة الطبيعية أعلى من القيصرية، نظرًا لأنها أصعب ويبذل فيها وقت ومجهود أكبر، بالإضافة إلى توفير كل الوسائل الداعمة للولادة الطبيعية في العيادات الخاصة والمستشفيات، وتوفير تدريبات للأطباء على الولادة الطبيعية.

الدكتور محمد فؤاد، عضو مجلس النواب، كان قد تقدم بطلب إحاطة إلى الدكتور على عبد العال رئيس البرلمان، عقب احتلال مصر مركزًا متقدمًا في قائمة الأعلى عالمياً في إجراء عمليات الوالدة القيصرية.

وبحسب “فؤاد” فإن نسبتها قد وصلت إلى 63% تقريبًا من إجمالي عمليات الولادة في مصر.

كما تقدمت وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، الدكتورة إيناس عبد الحليم، باقتراح لوضع ضوابط لجوء الطبيب إلى الولادة القيصرية، وأن يكتب الطبيب تقريرًا يحتوي على أسباب اللجوء إلى الولادة القيصرية، مرفقا معه المستندات والأدلة.