تزامنًا مع الزيادة السنوية الكبيرة لأعدادهم التي بلغت 60 ألف شخص، تعمل الحكومة الإيرانية على دمج المعاقين مجتمعيًا وتعليمًا بجهود توصف بالمضنية من جانبهم، إلا أن ذلك لم يعد كافيًا حسبما ترى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية الذين طالبوا ببذل المزيد من الجهود لرفع المعاناة عن المعاقين الإيرانيين.

تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة ذوي الإعاقة بحوالي 15بالمئة من إجمالي سكان الجمهورية الإيرانية المقدر عددهم بنحو 80 مليون نسمة، أي أن المعاقين في بلاد فارس يبلغ عددهم ما يقرب من 18 مليون نسمة.

جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة بطهران كشفت أن عدد المعاقين يزداد سنويًا بنحو 60 ألف حالة جديدة، وقالت إن ذلك الارتفاع أدى لزيادة نسبة حوادث السير لحد بعيد.

معاناة يومية

يعاني ذوي القدرات الخاصة في حياتهم اليومية من التمييز وعقبات يصعب عليهم تجاوزها، ما جعلتهم مفضلين للعزلة في منازلهم لسنوات عدة، ودعم التعامل مع الأخرين، بسبب نبذهم ورفض الأسوياء التعامل معهم، واعتبراهم أصحاب ذنب يجب على ذويهم التخلص منهم.

مدير مكتب ثقافة المعاقين في إيران “محمد نوري” قال إن في بعض القري الإيرانية والمناطق النائية، تقوم عائلة المعاق بوضعه في الصحراء لتلتهمه الذئاب والنسور، معتقدين أن هؤلاء الأطفال أنجبوا نتيجة ذنوبهم، وبالتالي فالمعاق بنظرهم شخص تسلل إليه الشيطان، ورغم التقدم العلمي لا يزال هذا الاعتقاد متواجد إلى حد بعد داخل المتجمع الفارسي.

ويضيف “نوري” بعض العائلات تترك الأطفال المعاقين في غير أماكن معيشتهم أو يتجهوا لحبسهم دون تعليم أو عمل ويعتبر أهالي القرى أن هؤلاء المعاقين مخلوقات عاطلة.

معاقين إيران
معاقين إيران

مصاعب متعددة

رغم تفاقم الأعداد المرصودة للمعاقين إلا أن ليس من المألوف أن تراهم في شوارع طهران، غير الممهدة لسيرهم أو تنقلهم من مكان لأخر، وكذلك عدم وجود مناطق مخصصة لصعودهم أو هبوطهم في الأبنية والمنشئات الحكومة، ونادرًا ما تجد مصاعد مجهزة تسمح بصعودهم، أو مكان انتظار لسياراتهم، كما لا تتوافر خدمات خاصة للمعاقين بوسائل النقل العامة أو دورات المياه ما يزيد من معاناتهم ويعزز من عزلتهم المنزلية.

رئيس جمعية حماية المعاقين “علي همت محمود” أنتقد هيئة مترو الأنفاق في طهران، لصعوبة استخدام وسائل النقل العامة من قبل المعاقين، وهاجم شركة القطارات الداخلية بسبب عدم توفير مصاعد ومناطق مخصصة لهم، وكذلك عدم خفض أسعار تذاكرهم.

فتاة معاقة إيرانية تدعى “مارجان كالانكي” قالت في تصريحات إعلامية تعرضت لحادث قبل عشر سنوات نتج عنه كسر بعمودي الفقري وأصبحت أعتمد على دراجة القدم متحركة، كانت حياتي أكثر صعوبة في شوارع طهران، كنت أسيقظ لإبداء في التفكير كيف أتجاوز كل الصعوبات التي أقابلها خلال يومي في السير والتنقل، واضطررت للسفر والهجرة إلى لندن لتصبح حياتي أكثر سهولة وأستطيع ان اعيل نفسي، والا أكون عالة على أحد.

 

عاطلون معاقون

انتقدت جمعية المعاقين في ايران الوضع العام لأعضائها، والإهمال الذي تعاني منه هذه الفئة وتهميشها، وقال رئيس الجمعية “محمود كاري” أن المعاقين في إيران سجناء في منازلهم، وان معدل البطالة بينهم أكثر من 65 بالمئة، رغم إعلان الحكومة توفير أكثر من 60ألف فرصة عمل لهم، وأن على مختلف القطاعات تعيين 3% من العاملين فيها من ذوي الهمم، لافتًا إلى أن تصريحات الحكومة وإحصائها لا يتطبق مع أرض الواقع، وأن أوضاع المعاقين في ايران غير مقبولة .

دمج غير مكتمل

يعزز الدمج في التعليم بين الأطفال العاديين وأصحاب الإعاقات، من قدراتهم على الاندماج وتطوير قدراتهم للتعايش مع واقعهم، ويصل بهم حد جعلهم أطفال أسوياء، إذا تمت تلك العملية في مناخ مناسب ومدارس ومعلمين مؤهلين لذلك.

مركز حقوق الإنسان في إيران قال إن التمييز للمعاقين يلاحق الأطفال منهم، إذ يواجهوا عقبات كبيرة وحواجز في الحصول على حقهم في التعليم في الجمهورية الإسلامية، وكشف تقرير للمركز أن الكشف الطبي الخاص للالتحاق بالمدارس تعسفي للغاية، ويعتمد على ذكاء الطفل وقدراته، وهو ما يمنع الأطفال ذو الإعاقة العقلية –الأقل ذكاء والقابلين للتطور- مستبعدين من دخول تلك المدارس، حتى وإن كانت هناك أمال في تحسنهم وعودتهم لحياتهم الطبيعية، فيتم ترحليهم إلى مدارس خاصة وأحيانًا يستبعدوا من دخول المدارس أساسًا.

ولافت التقرير إلى تردي أوضاع الأبنية التعليمية وأنها غير مؤهلة لاستقبال ذوي الإعاقة الجسدية، بسبب ارتفاع المباني وعدم إنشاء ممرات لتسهل عملية انتقالهم وحركتهم، بدلًا من ضرورة توفير مرافق لكل طفل معاق يعينه على التحرك والتنقل صعودًا وهبوطًا أثناء اليوم الدراسي ما يعتبر عبئ على أولياء الأمور يجبرهم في كثيرًا من الأحيان على إخراج أبناءهم من النظام التعليمي بالكامل.

وشدد المركز على ضرورة تدريب المدرسين على أساليب شاملة وتأهيلهم تربويا للتعامل مع الأطفال ذوي القدرات الخاصة وأصحاب الإعاقة الجسدية، إذا أردت الدولة بالفعل دمج هؤلاء الطلاب واستثمار قدراتهم وطاقتهم.

العقبات السابقة أسفرت عن تراجع نسبة الطلاب المعاقين بالمدارس العامة بسبب تعنت الكشف الطبي، وانتقالهم لمدارس خاصة بهم، أو الأطفال ذوي التقييمات الأقل في معدلات الذكاء فمحرومين كليًا من التعلم وهو ما يفشل منظومة الدمج هناك.

تقارير إعلامية كشفت أن العام المنصرم كان من المفترض ضم نحو مليون ونصف معاق لنظام التعليمي في إيران إلا أن من تمكنوا من دخول المدارس بلغت عددهم 150 ألف معاق فقط، من بينهم 80 ألف دارس في المدارس الخاصة للمعاقين وليست العامة.

انتقادات حقوقية

تنتقد المنظمات الإيرانية الحقوقية غير الحكومية، موقف النظام الملالي من تعليم الأطفال أصحاب القدرات الخاصة، وطالبتهم بتوفير الدعم الكامل لهم وتوفير ما يحتاجونه في الفصول والمبني والأجهزة المساعدة داخل المدارس العادية مثل أجهزة “سمع” لدعم المكفوفين.

وأكد المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران “هادي غنيمي” أن منع الأطفال ذوي الإعاقة من الوصول إلى التعليم في بيئة شاملة يعد وصمة عار اجتماعية ولابد من إنهائها فورًا.

أما نائبة مدير حقوق المعاقين في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، “جين بوكانان”، فقالت إن طريقة الحكومة الإيرانية في تعليم الأطفال ذوي الإعاقة تجعلهم مهمشين داخل المجتمع الإيراني، وأن على الحكومة إنهاء اعتمادها على التقييمات الطبية التي تحرم أصحاب الإعاقة من الانخراط داخل المدارس العادية، مع أقرانهم لتحسين مستواهم وقدراتهم.

جهود حكومية

خلال السنوات الأخيرة بذلت الحكومة الإيرانية العديد من الجهود لتحسين أوضاع ذوي الإعاقة بصورة عامة، إذ وقعت طهران على توصيات تقرير الأمم المتحدة الخاص بأحكام الإعاقة عام 2014، إذ يشمل التقرير دعم أفضل من الدولة وإعلان مسؤوليتها الكاملة لتوفير حياه أفضل للمعاقين وتحسسين سبل حياتهم، وتوفير المزيد من الدعم والدمج، وهو ما قبول بسعادة كبيرة من النشطاء الحقوقيين أمليين في تقدم وتوفير خدمات أكبر للمعاقين.

وتعمل الحكومة الإيرانية عبر وزارة التربية والتعليم على تحسين أوضاع ذوي الإعاقة وزيادة نسبتهم عبر رفع ميزانية التعليم لهم لتوفر احتياجاتهم الخاصة، ووفرت العديد من الأساليب الشاملة في المدارس العادية حتى يتمكن الطالب المعاق من الالتحاق بتلك المدارس، كتوفير أجهزه صوتية لشرح المعلومات، وتعليم المدرسيين طريقة “برايل” في الشرح.

مسؤول إيراني رفيع المستوى كشف في تصريحات للتلفزيون الفارسي أن الحكومة تخصص أكثر من 90 بالمئة من رسوم التعليم الجامعي لصالح المعاقين.

فمع زيادة اعداد المعاقين في إيران سواء عبر الحوادث أو عن طريق الإعاقات الخلقية، تزداد أحوالهم سوءًا كان ذلك في صعوبة السير والحركة، أو نظرة المجتمع لهم، أو دمجهم في التعليم، رغم المحاولات التي تجريها الحكومة مؤخرًا للعلاج تلك العقبات كما تضع في اعتبارها الاثار السلبية لعدم دمج ذوي الإعاقة والعمل على تحسين أوضاعهم وخلق بيئة مناسبة لتعايشهم وسط أقرانهم من الأصحاء.