ظلت الألبان مصدر الدخل الأساسي لمزارعي قرى مصرية كاملة في رابطة تكافلية قديمة قدم التاريخ المصري ذاته، قبل أن تختل مع ارتفاع تكاليف الإنتاج من الأعلاف وإيجار الأرض، وعدم ارتفاع أسعار المنتجات في الوقت ذاته.
ووفقًا للإحصائيات الرسمية، تنتج مصر 5.088 مليون طن من الألبان منها 51% من الأبقار، و45.8% من الجاموس، لكن تلك الأرقام في تناقص بسبب ذبح إناث المواشي “الحلوبة” من قبل الفلاحين المتضررين من الارتفاع المتتالي في أسعار الأعلاف وتناقص العائد من التربية.
كانت الأسر في الريف المصري تنتظر قدوم فصليّ الربيع والشتاء بفارغ الصبر، فخلالها يزيد الإنتاج بنسبة تتراوح بين 65 و75% من إجمالي الإنتاج السنوي من الألبان، الذي يتركز في الوجه البحري وتمثل محافظاته نحو 58% من إجمالي الإنتاج.
في بعض قرى الغربية، التي تعتمد على الألبان كمصدر للحياة، يشكو المزارعون من ارتفاع الأعلاف المستوردة والأدوية البيطرية، بالتزامن مع غياب التحصينات من الأمراض الوبائية، التي ترفع نسبة النفوق في مواشيهم خاصة خلال الفترات التي تنشط فيها مرض الحمى القلاعية.
يقدم وليد عبدالهادي، إن مستلزمات الإنتاج في ارتفاع مستمر، فقش القمح “التبن” يصل إلى 3200 جنيهًا، وقش الأرز اتقرب من ألفي جنيه، بينما قفز طن الردة لأربعة آلاف جنيه والذرة إلى 4500 جنيه، والكُسب (خليط من الحبوب وبذور القطن) إلى 5600 جنيه.
يضيف أن عربات الألبان التي تمر على القرية تجمع اللبن بسعر 4 جنيهات فقط ويبيعونه في محال التجزئة بـ 13 جنيهًا، وطالب المزارعون أكثر من مرة بمنافذ لتوريد الألبان إليها فالقرى لا يوجد فيها ثلاجات مجهزة للتبريد أو التعامل مع الكميات المنتجة تضطر على بيعه باي سعر للتخلص من الفائض.
يتحدث أصحاب المزارع الصغيرة ومربي الماشية عن مشروع حكومي لتدشين كيان ضخم للإنتاج اللحوم والألبان بالتعاون مع مستثمرين خليجيين بنوع من القلق، خاصة أنه يتحدث عن تطوير الصناعة بمنأى عن المنتجين التقليديين.
وقال هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، أخيرًا، إن 80% من مصادر الألبان مفتتة تعود لأفراد لا يزيد حجم ممتلكاتهم عن خمسة بقرات، وأن السوق تحتاج لمشروع عملاق لتفادي أي أزمة قد تحدث إذا ما قرر الأفراد التخلي عن تربية أبقارهم.
ويصل حجم استهلاك مصر من الألبان إلى 20 مليون طن سنويا، ويجرى تغطية الفجوة بين الإنتاج المحلي والمستورد إلى 15 مليون طن من خلال لبن البودرة الذي تستورده بقيمة تصل إلى مليار دولار.
يقول عبدالهادي إنه بدلاً من البحث وراء أسباب تخلي المزارع عن تربية الأبقار ودعم دخلهم الذي يأتي من الأبقار بزيادة منافذ تجميع الألبان يتم تجاهلهم لصالح مشروعات المستثمرين الكبار.
تتحدث وزارة قطاع الأعمال العام، التي تتولى ملف صناعة الألبان رغم أنه مسئولية وزارتي التجارة والصناعة والزراعة، عن إنشاء مزرعة عملاقة على مساحة 28 ألف فدان في توشكي، لتكون هي المصدر الرئيسي لنحو 1144 مصنعًا لمنتجات الألبان مسجل لدى الغرفة في 2020.
عشوائية فى الصناعة
ووفقًا لغرفة صناعة الألبان، فإن هناك عشوائية في صناعة الألبان لاعتمادها على المزارع الصغيرة والتقليدية التي تفتقر إلى الخبرات الفنية أو العلمية لتطوير منتجها، وتعاني من نقص العمالة في ظل العزوف عن العمل بها لكن الواقع في بعض القرى مغاير تمامًا.
وتعتبر قرية أبشواي الملق في مركز قطور بالغربية نموذجًا على إمكانية تطوير الريف ليصبح منتجا رئيسيًا للألبان فالقرية التي تعتمد على المزارع الصغيرة والتربية المنزلية نجحت في الوصول بحجم إنتاجها إلى 25% من إنتاج مصر بالكامل من الألبان الطبيعية.
نجحت القرية بالجهود الذاتية لأهلها في توفير معامل ألبان مجهزة واستقطبت إليها العديد من الشركات المحلية والأجنبية العاملة في صناعة الألبان بمصر لفتح مراكز لجمع الألبان أو سيارات مجهزة لنقلها لكنها تظل نموذجًا غير متكرر في القرى المصرية.
تعتبر تجربة القرية شبيهة بسياسات انتهجتها كثير من الدول لحل مشاكل تسويق الألبان ودعم مزارعيها بتفعيل دور التعاونيات التي يوجد معادل لها في الجمعيات الزراعية، وذلك النموذج موجود بدول مثل النرويج السويد أمريكا والهند.
التوسع في صناعة الأعلاف
يقول المركز المصري للدراسات الاقتصادية، في دارسة له، إن حل مشكلات الألبان تتطلب التوسع في صناعة الأعلاف بمصر بحيث يتم التقليل من الأعلاف المستوردة، ووضع نموذج مختلف لتطوير مراكز تجميع الألبان على شاكلة النموذج الهولندي بزيادة الاستفادة من الألبان السائلة من خلال تحسين جودتها وتوافقها مع المواصفات المطلوبة لصناعات منتجات الألبان.
لا يوجد تعارض بين الخطط الحكومية لتطوير صناعة الألبان بإنشاء المزارع الضخمة مع إمكانية استحداث خطط موازية بالاهتمام بالصناعة القائمة حتى لو كانت تقليدية، وإدخال سلالات جديدة من الأبقار للقرى لزيادة الإنتاج.
ويشكو أصحاب المزارع بإبشواي الملق من عدم دخول أي سلالة جديدة للقرية منذ قرابة الربع قرن، ولا يزالون يعتمدون على السلالات الهجينة من البلدية والمجرية التي مع مرور الزمن تنخفض إنتاجية البقرة الواحدة فيها كثيرا عن الخارج.
ذبح الإناث
وحذر المهندس عمرو أبو داود، عضو شعبة منتجي الألبان، من لجوء صغار المربين خلال العام الأخير إلى ذبح الإناث والتخلص منها نظرًا لارتفاع سعر الأعلاف ما يضعف المردود الاقتصادي لتربية الماشية أو العائد من بيع الألبان.
وأكد أن المربين يبقون على الذكور لتسمينها وبيعها إلى محلات الجزارة، ما أثر بشكل كبير على سعر الحليب الخام، وتبعه زيادة أسعار منتجات الألبان الطبيعية في الأسواق، واعتماد معظم الشركات الكبرى العاملة في المجال على لبن البودرة المجفف التي يبلغ سعر الكيلو منه قرابة 50.4 جنيه.
ويشكو محمود السيد، صاحب مزرعة صغيرة، أيضًا من غياب دور البنك الزراعي الذي لا يمارس دوره في تمويل توسعات المزارع أو الحصول على قرض لشراء رؤوس ماشية جديدة، رغم وجود مشروع البتلو القومي الذي يتضمن فائدة بسيطة 5% فقط، مضيفًا أن البديل في القروض التقليدية مرتفعة الفائدة.
تتضمن الحلول لمشكلة الألبان في مصر في استيراد أنواع أبقار حلوبة والاستثمار في البحث العلمي لتطوير أعلاف منتجة أكبر للألبان، وتوفير أعلاف بسعر مناسب لأن دي أزمة رئيسية، ودعم الإنتاج برضه ممكن عن طريق زيادة القروض الصغيرة الموجهة لشراء الأبقار والجاموس بالتالي تقل نسب الفقر الريفي مع الوقت، دعم صغار المزارعين لإنتاج الألبان هي استراتيجية عالمية متبنياها الفاو تطبق في أكثر من دولة في العالم.