“أريد أن أصبح وكيلة نفسي في عقد الزواج ياشيخنا”.. كان هذا طلب فتاة عشرينية تستفسر من فتاوى الأزهر، معللة أنها لا تريد أن يكون لها وكيل من أفراد عائلتها بعد وفاة والدها، نظرًا لخلافاتها معهم، وهو الطلب الذي أيدته عشرات التعليقات من فتيات أخريات، أردن التحرر من ولاية الأهل عليهن بعد بلوغهن سن الرشد.

يُعد القانون هو المظلة التي يلجأ إليها الفرد للحصول على حقه، ولكن في عدة مجتمعات يكون العرف والمكانة الأدبية هما السائدان في هذا الإطار.

رأي الإفتاء

في أحد مقاطع فيديو “دار الإفتاء” على “فيس بوك” للرد على استفسارات المتابعين، رد محمد عبد السميع أمين الفتوى، على سؤال امرأة تريد أن تصبح وكيلة نفسها أثناء عقد قرانها.

وأكد “عبد السميع” أن القانون المصري أجاز زواج المرأة دون ولي وأخذ برأي المذهب الحنفي، موضحًا أنه إذا كانت المرأة بالغًا راشدًا فزوجت نفسها بدون ولي فزواجها صحيح.

وتابع: “لكن لا ننصح بأن تذهب المرأة لوحدها لتزوج نفسها بدون ولي، فنفتي بما اختاره القانون طالما وقع الزواج، لكن ينصح من أرادت أن تتزوج ابتداءً أن تسير على رأي جمهور الفقهاء بأن يكون لها ولي”.

وعلل “عبد السميع” ذلك بسبب ما يحدث في الواقع من مشاكل للبنات والسيدات إن تزوجن بغير ولي عندما يحدث خلاف مع الأزواج، فلا تجد سندًا أو معينًا.

واستكمل أن “الرجل هو الذي يفهم شخصية الرجل ويستطيع أن يتكلم معه ويحصل لابنته أو شقيقته أو أمه على حقها إن جار عليها الزوج ونحو ذلك”.

حالات نادرة

وفي ذات السياق يقول “نصر بدران” مأذون مركز منية النصر بمحافظة الشرقية، إن القانون أباح للمرأة أن تزوج نفسها تبعًا للمذهب الحنفي، إلا أنه لا يرضى بإتمام زيجة تكون المرأة ولية أمرها إلا في حالات نادرة.

وعن تلك الحالات، يشير “بدران” إلى “أنه يكون في حالة زواج المرأة المطلقة أو الأرملة، حال خلافها مع أهلها أو تكون علاقتها مقطوعة بهم، فهنا الضرورة تُقدر بقدرها”.

وعن الحالة الثانية لإتمام الزواج دون ولي أو وكيل للمرأة، يوضح مأذون “منية النصر” أنه في حالة وجوب أن يتم الزواج بحدوث “تصادق”، موضحًا “أي أن تأتي المرأة لتوثق زواجها سواء كان عرفيًا أو كانت في علاقة غير موثقة شرعًا وقانونًا ومعها شريكها، قائلا: “هنا يجب أن يكون أيضًا أبوها أو زوجها شاهدًا”.

وبسؤاله ماذا لو كانت امرأة بلغت سن الرشد وتريد أن تكون وكيلة نفسها دون ولي، أو كانت على خلاف مع أهلها، أجاب “بدران” بأنه أدبيًا واحترامًا لأهلها يتم إعلامهم وتحضر وليًا منهم بالتراضي، على الرغم من إتاحة القانون زواجها دون ولي مع إتمام سن واحد وعشرين عامًا.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

تم النص في المادة 93 من الدستور، على أن “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة”.

وتنص المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 بباريس والموقعة عليه مصر على:

(1) للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.

(2) لا يعقد الزواج إلاَ برضى الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملًا لا إكراه فيه.

(3) الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

ماذا يقول القانون المصري؟

المادة التاسعة والعشرون من قانون الأسرة، تنص على أن إنهاء الوصاية أو الولاية عن القاصر يكون ببلوغه إحدى وعشرين سنة ميلادية.

ورأى مذهب الإمام أبو حنيفة – وهو ما نتبعه في الزواج بمصر- أن المرأة البالغة الرشيدة لا ولاية لأحد عليها، وعليه فلها أن تزوج نفسها بأن تباشر عقد نكاحها بكرًا كانت أم ثيبًا، أما المذاهب الفقهية الثلاثة الأخرى وهي المالكي والحنبلي والشافعي، فأيدت وجود ولي أو وكيل للمرأة عند عقد قرانها.

وحصر الحنفية الولاية الحقيقية في الصغيرة غير البالغة، وجعلوا الولاية على البالغة الرشيدة وكالة وليست ولاية.

رجال القانون

الأمر لا يختلف كثيرًا مع رجال القانون الذين لا يحبذون أن تتزوج المرأة دون ولي.

يقول المحامي شعبان سعيد، إن القانون أباح للمرأة أن تكون وكيلة نفسها، ولكن أدبيًا جرت العادة على أن يكون وليها العم أو الخال حال غياب أو وفاة الأب، متابعًا “ولكن لو ذهبت سيدة لعقد قرانها بمفردها لا يشترط ولا يفرض عليها وجود وكيل”.

الزواج المدني

هناك حل قد تلجأ له النساء بعيدًا عن سلطة الأهل ورجال الدين، وهو “الزواج المدني”، ولكن هذا الحل أيضًا غير متوافر بمصر وغير معترف به قانونيًا إلا بشروط، ويُطبق فقط في تونس، كما أنه صعب التنفيذ أيضًا في لبنان ذي المذاهب المختلفة.

ويتابع “شعبان” أن الزواج الرسمي يكون عند المأذون بين امرأة ورجل مسلم، ويكون عند القس المسؤول عن ذلك بين امرأة ورجل مسيحيين، موضحًا أنه بالنسبة للأجانب أو المسلم الذي يرغب في الزواج من مسيحية يكون بالشهر العقاري لوزارة العدل بالمكتب المختص بذلك، وذلك هو الزواج المدني الوحيد المعترف به.

مظهر اجتماعي

وتقول انتصار السعيد، المحامية ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، إن مأذون المنطقة يعتبر وجود ولي للمرأة “شكل اجتماعي”، موضحة أن القانون حسمها بأنه لا ولي على المرأة الراشدة التي أتمت واحد وعشرين عامًا.

وتوضح أن الفتاة التي لم يسبق لها الزواج، تتعرض لمضايقات عديدة في إتمام زواجها حال كونها وكيلة نفسها، على عكس لو كانت مطلقة أو أرملة وهذا أمر له علاقة بالعادات والتقاليد التي لم يغيرها المجتمع.

وتضيف أن وثيقة الزواج تعتبر مدنية رسمية لأن من يقوم بإقرار العقد رجل مدني، مشيرة إلى أن هناك تعنت تواجهه المرأة أيضًا، موضحة “فقانونيًا وشرعيًا يجوز لها أن تكتب عددًا من الشروط في وثيقة زواجها مثل أن تكون العصمة في يدها، إلا أن هذا عادة لا يتم إلا بعد اتفاق مع المأذون قبل عقد القران بوقت كبير”.