يعتبرها البعض نموذجا للمؤسسة الفاشلة، رغم كونها كيان مؤسسي يجمع دول الوطن العربي، لكنها فشلت في تحقيق أي تقدم يذكر فيما تأسست من أجله، ولم تستطع المنظمة الإقليمية الكبرى عبر تاريخها تحقيق أي مكتسبات أو نصر سياسي أو دبلوماسي على المستوى العربي والإقليمي، ما جعل وجودها أشبه بـ “خيال مآته” تآكل هيكله ولم يعد يجدي.

غابت “الجامعة العربية” طويلا عن المشهد السياسي في المنطقة، وكانت دوما متأخرة خطوات، ورد فعل لما يحدث، واستجابتها بطيئة ولا تليق بالدور المنوط بها، في توحيد الدول العربية في منظمة واحدة، ودعم استقلالها تجاه المستعمرين، وكل حصيلتها تنديد وشجب واجتماعات طارئة، وتوصيات تنسى بمجرد انتهاء المسؤولون من احتساء قهوتهم والعودة إلى دولهم.

“بداية المنظمة”

كانت فكرة منظمة الدول العربية أطروحة يتداولها الساسة والمفكرين العرب، منذ بداية القرن العشرين، والذي تزامن مع نشوء الوعي الوطني، وتوغل فكرة العروب، ليعلن رئيس الوزراء البريطاني إيدن، في 29 مايو 1941، تأييد حكومة المملكة المتحدة لآمال الوحدة العربية، مبديا استعداد دولته لدعم العرب ومساعدتهم في تحقيق ذلك.

البيان البريطاني كان شرارة التحرك الأولى للسياسيين، الذين بدأوا في مناقشة فكرة إنشاء كيان مؤسسي يهدف إلى الوحدة العربية، ليصدر إيدن بيانا آخر في فبراير 1942، يكرر فيه عرض بلاده المساعدة في إنشاء الجامعة العربية، واجتمع رئيس الوزراء المصري آنذاك مصطفى النحاس، مع جميل مردم رئيس الوزراء السوري، وبشارة الخوري رئيس الكتلة الوطنية في لبنان، والذي أصبح بعد ذلك رئيسا للجمهورية اللبنانية، بهدف بحث إنشاء جامعة تحتضن الدول العربية.

أكتوبر عام 1944 كان بداية التحرك الحقيقي، إذ تم توقيع بروتوكول الإسكندرية، من قبل رؤساء حكومات مصر ولبنان وشرق الأردن وسوريا والعراق، والذي تضمن مجموعة من المبادئ التي تتناول إنشاء وتسيير أعمال المنظمة التي ستجمع الدول العربية المستقلة، لتأسس الجامعة فعليا قبل نكبة فلسطين بثلاث سنوات.

الجامعة العربية تأسست رسميا في 22 مارس 1945، وتم صياغة ميثاق جامعة الدول العربية استنادا إلى بروتوكول الإسكندرية، ووقع على الصيغة النهائية للميثاق، رؤساء حكومات لبنان ومصر والعراق وشرق الأردن وسوريا، ثم وقعت السعودية فيما بعد، وأصبح عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة حتى عام 1952، وكانت البداية بـ 6 دول، والمقر في القاهرة، ويبلغ عدد الدول المشاركة في عضويتها حاليا 22 عضوا، مع سوريا التي علقت عضويتها عام 2011، بعد اندلاع الثورة فيها.

“الفشل الكبير”

كانت حرب فلسطين عام 1984، والتي انتهت باحتلال الكيان الصهيوني، لفلسطين أول تحدي على أرض الواقع للمؤسسة الوليدة، وبالفعل أرسلت الجيوش العربية، وفي مقدمتها الجيش المصري للمشاركة في الدفاع عن فلسطين، وانتهى الأمر بالنكبة التي استمرت طوال 72 عاما، وفشلت الجامعة في القيام بأي دور لمنع كارثة تقسيم فلسطين.

منظمة التحرير الفلسطينية

ودشنت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، لتصبح الممثل الشرعي والرسمي للشعب الفلسطيني، في مؤتمر القمة العربية بالقاهرة بنفس العام، لتصبح فلسطين دولة تتمتع بالعضوية الكاملة، وتعاقبت بعدها القرارات التي لا تثمن ولا تغن من جوع لمساندة الرباعي المحتل من إسرائيل “مصر وفلسطين والأردن وسوريا”.

ومع توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية السلام في 26 مارس 1979، أعلنت الدول العربية عدا الإمارات قطع العلاقات مع مصر، وبناء عليه أصدرت الجامعة العربية آنذاك قرارا بتعليق عضوية مصر، واعتبار تونس هي المقر الرسمي للجامعة العربية وتعيين الشاذلي القليبي، أمينا عاما للجامعة الذي ظل يشغل المنصب حتى عام 1990، وسط هجوم بين الجانبين.

تكاد تكون تلك الخطوة هي الوحيدة التي اتخذتها الجامعة العربية ضد أول دولة توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، لتستمر المقاطعة 10 سنوات كاملة، لكن مع توقيع الأردن اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني في أكتوبر عام 1994 كان الموقف مختلفا تماما، فلم تشأ أن تتأخذ موقفا، في ظل المصافحة التاريخية التي ضمت الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، والتوقيع على إعلان مبادئ عرف باسم اتفاقية أوسلو.

“المبادرة العربية للسلام”

قامت الجامعة بتبني المبادرة العربية للسلام، في قمة بيروت مارس 2002، والتي قامت السعودية بإطلاقها بهدف إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 ومجموعة من الشروط أهمها: عودة اللاجئين والانسحاب من الجولان المحتل، وفي المقابل تقوم الدول العربية بتطبيع علاقتها مع إسرائيل.

وفي وسط تلك السنوات حافظت الجامعة على عهدها بعقد اجتماعاتها الدورية وقممها العاجلة، بدون أن تتمكن من تحقيق أي تأثير لصالح القضية، وبعد 5 سنوات من الجمود، قامت الجامعة بمحاولة لإحياء المبادرة العربية للسلام في قمة الرياض عام 2007، وتبنى وزراء خارجية مصر والكيان الصهيوني، الترويج للمبادرة، بحكم العلاقة الدبلوماسية التي تربطهما منذ معاهدة السلام عام 1979.

مدن وعواصم عربية مختلفة، شهدت مؤتمرات القمة العربية، في الرباط وتونس والخرطوم وشرم الشيخ وسرت الليبية، وغيرها، ولم يفلح أي منها في تقديم حل حاسم للقضية الفلسطينية، وحتى الزعماء العرب بمرور العقود، لم يفلحوا بأموال النفط، أو جهود الخبرة الدبلوماسية في حسم الأمر، أو حتى تحريك الجمود، وبدى أن الجامعة بلا أجندة أو أولويات موحدة، وبالتالي ليس هناك هدف واحد يجمع الدول الأعضاء باستثناء المصلحة الخاصة والفردية لكل دولة على حدة.

كانت مصر ربما الفاعل الوحيد في القضية، حيث لعبت على تعاقب رؤسائها دور الوسيط بين أمريكا والكيان الصهيوني وفلسطين، لكن لم يبد أي نظام لأي رئيس منهم أي رغبة أو اتجاه لإلغاء معاهدة السلام.

“لا جدوى منها”

المطالع لكل مبادرات السلام التي خرجت عبر تاريخ الصراع الدائر، سيجد أن كافة مؤتمرات ومبادرات السلام لم تكن المنظمة الأم بالنسبة للعرب صاحبة مبادرة بها، أو حتى مشاركة في تقديم رؤية أعضائها، فلم يحدث ذلك في مؤتمر مدريد 1991 الذي رعته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وأفضى معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية.

وتوالت المؤتمرات والمبادرات والاتفاقيات لاحقا، ولم يكن للمنظمة الإقليمية وجود، سواء في “اتفاقية أوسلو 1993، أو كامب ديفيد 2000، أو طابا 2001، أو خطة السلام السعودية 2002، أو خارطة الطريق 2003، أو اتفاق جنيف 2003، أو أنابوليس 2007″، وغيرهم، لتظهر مرة واحدة بإجراء تعديل على مبادرة السعودية للسلام، يسمح بتبادل الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وبمرور الوقت لم تعد القضية الفلسطينية أولوية أولى على المستوى العربي، كما كانت في الماضي، وفشلت الجامعة في إقرار وتنفيذ بنود شبكة الأمان المالية العربية والالتزام بدعم موازنة دولة فلسطين بمبلغ 100 مليون دولار وفقاً لمقررات قمة تونس، وظل الكثير من قراراتها مجرد حبر على ورق، لكنها بقيت متمسكة براية المقاطعة الصارمة للكيان الصهيوني، حتى قبل شهر واحد تقريبا.

“صمت التطبيع”

الراية الأخيرة للجامعة العربية، لم تمكث هي الأخرى، لتسقط في إعقاب إعلان دولة الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فلم تنتطق الجامعة عبر أمينها العام أحمد أبو الغيط، بكلمة تدين الموقف المخالف للقرارات العربية، لتسجل موقفا آخر يبدو أكثر دليلا على سقوط الراية، إذ رفض داخل الجامعة قرارا يرفض تطبيع الإمارات، رغم تخفيف القيادة الفلسطينية من انتقادها للإمارات جراء اتفاق 13 أغسطس.

قالت الجامعة العربية، إن الاجتماع الوزاري لمجلس الجامعة لم يتوصل لتوافق حول مشروع القرار الفلسطيني لرفض الاتفاق على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.

وأضاف حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة في مؤتمر صحفي تناول البيان الختامي للاجتماع: “الموضوع المشار إليه الخاص بالتطور المتعلق بالبيان المشترك للولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل فى كان موضع حديث جاد وشامل، والجانب الفلسطيني قدم مشروع قرار حصلت عليه بعض التعديلات وتعديلات مقابلة”، مكملا: “كانت هناك بعض المطالب الفلسطينية التي لم تتحقق، والجانب الفلسطيني فضل ألا يخرج القرار منقوصا من المفاهيم التي حددها، وبذلك لم يصدر قرار في هذا الموضوع تحديدا”.

وأكد الأمين العام، أحمد أبو الغيط، في كلمته خلال اجتماع الدورة العادية الـ 154 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، مطلع الشهر الجاري، حق الدول العربية في رسم السياسة الخارجية التي تناسبها، مؤكدا أنه لا خلاف على أن الهدف الأساسي لأي من دول الجامعة فيما يخص النزاع العربي – الإسرائيلي هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، مردفا: “نحن نؤكد في نفس الوقت على الثوابت محل الإجماع، والتي لا تنال منها متغيرات سياسية أو قرارات سيادية”.

ليعي الجميع الرسالة الجديدة، وعدم جدوى المنظمة التي تخلت عن قضيتها الأزلية، ليصبح الرائج الآن هو الترويج لإقامة تعاون إقليمي بين الدول العربية والكيان الصهيوني، بهدف تدشين شرق أوسط جديد بمعادلة جديدة، وإلقاء القضية الفلسطينية ليلتقمها النسيان.