أثارت قضية “اليوتيوبر” أحمد حسن وزوجته “زينب”، قضية سحب الأطفال من الوالدين استنادًا على ما تقوم به معظم دول الاتحاد الأوروبي مجددًا.

وكانت النيابة العامة قد أمرت بتسليم ابنتهما “إيلين” إلى جدتها والدة أبيها، مع التعهد بحسن رعايتها، قبل أن تعدل عن قرارها وتعيد لهما الطفلة مع تعهدهما بحسن رعايتها أيضًا، وتكليف المجلس القومي للطفولة والأمومة بمتابعة حالتها باستمرار.

وتساءل الكثيرون من متابعي القضية عن مصير الطفلة حال سحبها من والديها في ظل غياب هذه الثقافة في مصر.

شرطان لسحب الطفل

بعض الرافضين لسحب الحضانة من “أحمد حسن” و”زينب”، أشاروا إلى الأزمات التي تخرج للنور بين وقت وآخر وتبرز الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال داخل بعض بيوت الرعاية كونها أماكن في معظمها غير مؤهلة.

وكانت آخر تلك الانتهاكات، ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي في أغسطس الماضي، بتعرض طفلة 11 عامًا، لواقعة اعتداء جنسي على يد طباخ الدار.

وكشفت تحقيقات النيابة عقب القبض على “الطباخ”، أن المتهم استغل براءة الطفلة، وبات يعتدي عليها جنسيًا داخل دورة مياه الرجال، ويعطيها “5 جنيهات” مقابل شراء سكوتها.

وفي يناير الماضي أيضًا، انتشر فيديو لمشرفة بجمعية “نهر الحياة”، بمدينة العاشر من رمضان، أثناء تعديها بالضرب على إحدى فتيات الدار، وسط صراخ باقي الفتيات ومحاولة استعطافها لترك الطفلة.

وتداول رواد “فيس بوك” الفيديو، مطالبين بغلق الدار، وعقب ذلك ألقت الأجهزة الأمنية، بقسم أول العاشر من رمضان، القبض على المشرفة بتهمة التعدي على الفتاة بالضرب المبرح.

واقعة أخرى تم نشرها خلال عام 2019، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأحد الأطفال وهو يتعرض للضرب والتعنيف الوحشيين، داخل إحدى دور الأيتام بمنطقة روض الفرج، تحت عنوان “اعتداء المشرفين بالضرب المروع بالشوم على الأطفال لإجبارهم على النوم”.

يرى المحامي أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين أن القانون يتيح سحب الأطفال من والديهما في حالة استغلالهم وسوء معاملتهم وفقًا لقانون الطفل المصري، واتفاقية حقوق الطفل الموقعة عليها مصر.

ويضيف أن “النيابة العامة موكل لها سحب الطفل من الوالدين، في حالة إثبات أن الأطفال تعرضوا بالفعل لسوء معاملة من جانبهما، مثل زواج القاصرات في بعض القرى والمناطق المهمشة، أو استخدام الأطفال في التسول، أو تكرار وقائع تعذيبهم، أو استخدامهم في أمور مخالفة للقانون، وهذا ما أقره قانون الطفل”.

ويتابع:” لكن لكي يحدث هذا لابد من توافر شرطين، الأول هو وجود تحذير مسبق من قبل النيابة العامة مرة واثنين بما يخص تعاملهما مع الطفل، بالإضافة إلى وجود تقرير من خبير اجتماعي منتدب من المحكمة يفيد بارتكاب جريمة والاستمرار فيها من قبل الوالدين ضد الطفل”.

ويكمل:” إذا توافر الشرطان، في هذه الحالة يحق للدولة سحب الطفل من الوالدين، لكن دور الرعاية لم تكن أولى محطات النيابة، ففي بداية الأمر تحاول توفير مكان أكثر أمانًا للطفل عن طريق أسرة بديلة إما من أقارب الأب أو الأم أو حتى الجيران، لكن هذا لم يحدث إلا بعد أن تقوم النيابة بإجراء التحريات التي تؤكد أن المكان آمن للطفل وسيحسنون معاملته”.

ويضيف: “في حالة فشل وجود أسرة بديلة تحتضن الطفل، يتم تحويله إلى دور رعاية مؤهلة، وفي الأغلب تكون من الدور التي أسست خلال الفترة الأخيرة، ورغم كل ذلك لا يتم قطع التواصل بين الطفل والوالدين، فسحب الطفل لا يعني أبدًا منعهما من رؤيته”.

ويشير رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحاميين، إلى أن ضرورة تطوير دور الرعاية في مصر، وخصوصًا مع وجود العديد منها تقع فيها بعض الانتهاكات، مثل التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات القليلة الماضية.

ويرى أيضا “أن دور الرعاية في مصر لابد أن تدار بعقلية القطاع الخاص، بمعنى المراقبة وتأهيل العاملين فيها ومعاقبة المقصرين”.

ألمانيا نموذجًا

تُعد ألمانيا من الدول التي يشتهر بها سحب الأطفال من الوالدين في حال إثبات حدوث أي انتهاكات في حقهم، حيث يتمتع الطفل بحقوق أساسية وفقا لمعاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل الموقعة عليها ألمانيا.

وتعتبر ألمانيا إحدى الدول الـ 139 الموقعة على المعاهدة، التي تضم 53 بنداً، يتوجب احترامها من قبل أفراد المجتمع وليس فقط الأبوين.

ووفقا للاتفاقية المذكورة، فإن هناك أربعة أعمدة أساسية تضم حقوق الطفل وهي:” حق الطفل في الحياة، الحق في التطور، الحق في التعلم، والحق في التعبير”.

على سبيل المثال، يُجّرم الدستور الألماني الذي نص عليه عام 2000 والاتفاقية الدولية أي شخص يتعامل مع الطفل بطريقة عنصرية لاختلاف لونه أو انتمائه الديني، ويلزم الآباء مراعاة وقت اللعب للطفل وتوفير ما يلزمه لتطوره العقلي والجسدي، فهو يجب أن يعامل معاملة طفل ويحرم استغلاله لأي غرض آخر.

كما أنه يتوجب على الأبوين والجميع التعامل مع الطفل وأخذ رأيه بما يرغب فيه، وذلك لتنمية مبادئ الديمقراطية، وتأهيله للمشاركة السياسية والميدانية المبنية على الحكم الصحيح.

جريمة

ووفقًا للدستور الألماني أيضًا، لا يقتصر سحب الأطفال من الوالدين إذا حدث عنف ضده سواء لفظيًا أو جسديًا أو نفسيًا، وإنما يمتد في حال استفحل الخلاف بين الوالدين ووصل إلى الصراخ والعنف اللفظي، أيضًا تكون رفاهية الطفل في خطر، وشهدت الكثير من الأسر الألمانية على فقد أبنائها نتيجة الإهمال، وخاصة مدمني المخدرات.

وأوضحت بعض التقارير الحقوقية أن عدد حالات تدخل السلطات الألمانية لرعاية أطفال ما بين الأعوام 2004-2006 بلغ ما يقارب 25 ألف حالة سنويا، لتتضاعف هذه الأرقام وتصل إلى أكثر من 77 ألف حالة في عام 2015، وأكثر من 84 ألف حالة في العام التالي 2016.

ووفقًا للقانون الألماني، فإن الأطفال الذين يتم سحبهم من الوالدين يتم اصطحابهم في بداية الأمر إلى دار الحضانة، وفي حالات قليلة يسلم الطفل إلى (أسرة بديلة) عائلة ترعاه؛ ولابد من شروط معينة يصفها متخصصون بالصعبة يجب أن تتوفر في هذه العائلة، وهناك عائلات تتخذ من رعايا الطفل مهنة لها وتسمى Pflegefamilie.

وبحسب متخصصين أيضًا، فلا يتم سحب الأطفال من الوالدين بسهولة، بل يتم الاجتماع مع الأهل عدة مرات ويتم نصحهم لتعديل سلوكهم تجاه أطفالهم، ولكن في حال وجود ظروف خاصة، تستوجب الإسراع في أخذ الأطفال، تقوم “دائرة الخدمات الاجتماعية” بمساعدة الشرطة الألمانية، بأخذ الأطفال لحين بت المحكمة بالقضية.

السويد.. قوانين رادعة

يعتبر القانون السويدي أيضًا، من أقوى القوانين التي تنتصر لتحقيق بيئة آمنة للطفل، سواء كان الطفل يحمل الجنسية السويدية أم لا، وتعتبر الخدمة الاجتماعية، أو دائرة الشؤون الاجتماعية، أو “السوسيال” في السويد، هي السلطة المسؤولة قانونياً عن ضمان تنشئة الطفل في بيئة آمنة.

وتقوم تلك المؤسسة بالتدخل في حال شكت بوجود خطر على حالة الطفل الصحية أو النفسية، حيث يحق لها أخذ الطفل بقوة القانون ووضعه عند عائلة أخرى “مضيفة”.

وفي حالة إثبات وجود أية انتهاكات تحدث في حق الطفل تنتقل الحالة القانونية بموجب قرار صادر عن المحكمة الإدارية في كل بلدية، من الوالدين إلى دائرة الخدمات الاجتماعية.

وعقب سحب الطفل من الوالدين، ينتقل من وصاية والديه ليكون نزيلاً لدى إحدى المؤسسات الاجتماعية التي يشرف عليها موظفون، حتى يختاروا له عائلة تقبله، ويتم نقله من بلدية إلى أخرى يجهلها الأهل، ومن دون التصريح عن مكان إقامته ومع من يعيش.

ووفقا للقانون تحصل العائلة المستضيفة على راتب ما بين 20 ألف كرون (2300 دولار) و40 ألف كرون (4600 دولار) شهرياً من دون أن تدفع ضرائب.

يأتي هذا في إطار ما تشير إليه الفقرة الثانية، من قواعد القانون رقم 1990:52 الخاصة المتعلقة برعاية القصر (تحت الـ 18 سنة)، إلى أنه يتم فرض الرعاية (على الطفل) بناء على سوء المعاملة النفسية أو الجسدية، والاستغلال غير المناسب، وغياب الرعاية الصحية أو أي ظرف آخر في منزل الحاضنين، يمكن أن ينعكس على سلامة الطفل وصحته.

وبحسب الفقرة الثالثة، يتم اتخاذ القرار بشأن الرعاية “إذا تعرضت صحة الطفل إلى خطر أو إيذاء، بسبب تعاطي مواد الإدمان أو الأنشطة الإجرامية أو أي سلوك اجتماعي مهين آخر”.

العنف ضد الأطفال

وأشارت إحصائيات نشرت في تقرير خاص للتلفزيون السويدي، إلى وجود أخطاء في دائرة الشؤون الاجتماعية، تلحق الأذى بمئات الأطفال المسحوبين من عائلاتهم.

كما أشار التقرير إلى أن حوالي 150 طفلاً من الأطفال الذين تم سحبهم من عائلاتهم في السويد خلال 2016 -2018 أصيبوا بأمراض وحوادث خطيرة بسبب الإهمال وسوء الرعاية.

بالإضافة إلى ظهور أكثر من حالة وفاة بين الأطفال، والسبب أن الخدمات الاجتماعية السويدية كانت مخطئة، هذا لأنهم يفتقرون إلى الموارد الصحيحة أو الروتينية أو المهارات اللازمة لسحب الأطفال من عائلاتهم.

وأوضح التقرير الصعوبات التي يواجهها الأهالي في استعادة أطفالهم، إلا أن هناك أهالي تمكنوا من استعادتهم أطفالهم بعد معاناة.

والجدير بالذكر أن أغلب الدول تتعامل بموجب اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها 193 دولة حول العالم عام 1989، ووفقا للمادة الأولى من الاتفاقية:” يعتبر الإنسان طفلاً ما لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، وما لم يبلغ سن الرشد وفقاً للقانون الذي يُطبق عليه في دولته”.