حمل الكاميرا وتغطية الحدث هو فعل طبيعي، يقع ضمن صميم عمل الصحفي، كون مهمته نقل ما يجري، متسلحًا بما يُنهي مهمته على أكمل وجه، لا يعنيه بعد ذلك اتهام نيته، أو سوء تفسير ما ينشر.

واقعة القبض على الصحفي إسلام الكلحي، أثناء تغطية حادث وفاة شاب في منطقة المنيب بمحافظة الجيزة، أثارت التساؤل حول المباح تناوله في الإعلام المصري، بما لا يهدد حرية الصحفي أو الإعلامي ويدفع به إلى السجن، محملًا بالعديد من الاتهامات.

وفي تصنيف حرية الصحافة لعام 2020، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” المعنية برصد واقع الصحافة والإعلام في العالم، احتلت مصر المرتبة 166 من أصل 180 دولة، متخلفة 5 مراكز عن تصنيف 2018.

ضبط “الكلحي”

ومطلع الشهر الجاري، ألقت قوات الأمن القبض على الزميل إسلام الكلحي، الصحفي بموقع “درب” الإخباري، وعضو نقابة الصحفيين، خلال تغطيته حادث وفاة شاب في منطقة المنيب بالجيزة، وقررت نيابة أمن الدولة العليا، حبسه 15 يومًا على ذمة اتهامه في القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.

وبهذه التهمة انضم “الكلحي” إلى عدد من الصحفيين والمحامين والسياسيين في ذات القضية، بينهم سولافة مجدي وإسراء عبد الفتاح ومحمد الباقر وماهينور المصري ومحمد صلاح وآخرين.

ويواجه الكلحي تهم “الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي”.

وكان “الكلحي” قد تم ضبطه خلال إعداده تقريرًا عن حادثة وفاة شاب داخل مركز شرطة المنيب، تظاهر بسببها العشرات من الأهالي أمام نقطة الشرطة، مشيرين إلى أن الشاب “قُتل بسبب الاعتداء عليه داخل القسم”، والتي قررت فيه النيابة العامة حبس 4 أمناء شرطة، وإخلاء سبيل ضابط بكفالة 5000 جنيه على ذمة التحقيقات.

تغطية الحادث في الإعلام المصري

وجاءت التغطية الإعلامية لواقعة وفاة شاب المنيب، على استحياء في المواقع والصحف والقنوات المحلية، ولم يتم تناولها سوى عبر تصريحات نُقلت على لسان مصدر أمني “مجهل”، تفيد بأن الشاب توفي خلال مشاجرة مع آخرين خارج نقطة الشرطة، قبل أن تعاود نفس الصحف وتنشر قرار النيابة الذي ينفي القصة الأولى، فيما لم ترد أي أخبار عن تظاهر الأهالي، والذي استمر ساعات، كما لم يتم تناول أي تصريحات لأسرة الضحية.

بدورها أصدرت لجنة حماية الصحفيين بيانًا طالبت خلاله بالإفراج الفوري عن “الكلحي”، داعية السلطات المصرية إلى التوقف عن القبض على الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات، والسماح للصحافة بالعمل دون خوف من السجن، مشيرة إلى أنها أرسلت بريدًا إلكترونيًا إلى وزارة الداخلية للتعليق على الواقعة ولكنها لم تتلق ردًا فوريًا.

الخوف من الانتقام

وقالت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها في مايو الماضي، إنه يجب على السلطات المصرية وضع حد للتضييق المتواصل على وسائل الإعلام، وضمان التدفق الحر للمعلومات، مشيرة إلى أنه تم احتجاز عشرات الصحفيين بشكل تعسفي بتهم باطلة متعلقة بـ”الإرهاب”، أو تم مداهمة أماكن عملهم.

وذكر فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية أنه “منذ 2016، أخضعت السلطات في مصر عشرات الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام الآخرين إلى مجموعة من الانتهاكات لمجرد قيامهم بعملهم أو التعبير عن آرائهم، فقد تم احتجاز عشرات الصحفيين بشكل تعسفي بتهم باطلة متعلقة بـ(الإرهاب)، أو تم مداهمة أماكن عملهم”.

وأكد أنه يجب على السلطات المصرية السماح للصحفيين بالقيام بعملهم دون شعور بخوف من الانتقام، والإفراج فورًا، ودون قيد أو شرط، عن جميع الصحفيين المحتجزين لمجرد قيامهم بعملهم، أو ممارسة حقهم في حرية التعبير، والتحقيق في جميع ادعاءات الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة للصحفيين”.

المنظمة استشهدت، بالقبض على صحفي لم تسمه في مارس الماضي لتشكيكه في إحصائيات رسمية تتعلق بانتشار وباء فيروس كورونا على صفحته الشخصية على فيس بوك، لافتة إلى أنه احتُجز في مكان لم يُكشف عنه بمعزل عن العالم الخارجي لمدة شهر تقريبًا، قبل مثوله أمام النيابة العامة لمواجهة تهم “بنشر أخبار كاذبة” و”الانضمام إلى منظمة إرهابية”.

وبينت أن السجون المصرية تضم بين ما لا يقل عن 37 صحفيًا بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، 20 منهم بشكل مباشر فيما يتعلق بعملهم الصحفي، لافتة إلى تسارع السلطات في وصف أي انتقاد للسلطات بأنه “إساءة” لاستخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وأي معلومات تتعارض مع رواية الدولة على أنها “أخبار كاذبة”.

وشدد فيليب لوثر، على ضرورة قيام السلطات بوضع حد لجميع أشكال الرقابة والمضايقة والترهيب ضد الصحفيين، وتخفيف الخناق على وصول الجمهور إلى المعلومات.

وتابع: “أوضحت السلطات المصرية أن أي شخص يشكك في الرواية الرسمية سيعاقب بشدة، فيجب عليها وضع حد لجميع أشكال الرقابة والمضايقة والترهيب ضد الصحفيين، وتخفيف الخناق على وصول الجمهور إلى المعلومات”.

المباح في الإعلام

عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل، قال إن هناك سيطرة كاملة على كافة وسائل الإعلام في مصر من السلطات، مضيفًا أنه لا توجد حرية إعلام نهائيا.

وتابع: “الوضع وصل إلى أنه لا يمكن انتقاد أداء وكيل وزارة الآن، وليس وزيرًا”.

وأكمل: “المباح تناوله الآن في وسائل الإعلام المصرية، أصبحت البيانات الصحفية المرسلة من قبل أجهزة الدولة فقط لا غير، فالتغطية الميدانية لأي حدث خطر تضر الصحفيين كما حدث في واقعة الكلحي، فضلًا عن أن هناك وقائع اعتداء تصل إلى النقابة من بعض الزملاء بشأن تعدي مواطنين عليهم خلال تغطيتهم”.

تهديد الأمن القومي

وأضاف عضو مجلس نقابة الصحفيين، أن الوضع الحالي خلق إعلامًا بديلًا، تمثل في مواقع التواصل التي تنشر أحيانًا أخبارًا مغلوطة، فضلًا عن لجوء المواطن إلى القنوات الموجودة في تركيا، مشيرًا إلى أنه في حالة إجراء دراسة حول متابعة المصريين في القرى والنجوع لمعرفة مدى متابعتهم لتلك القنوات، سيكتشف المسؤول عن ملف الإعلام في السلطة كارثة حقيقية.”

وتابع “كامل”، أنه يجب على المسؤول عن ملف الإعلام في السلطة، فهم أن الوضع الحالي ليس خطرًا على الإعلام فقط، ولكنه خطر على الأمن القومي، مضيفًا “في ظل فقدان المواطن الثقة في الإعلام، فإذا احتاجت الدولة إلى إرسال رسالة بأي قضية تهدد الأمن القومي، لن يستجيب لها المواطن، وسيشكك في صحتها”.

وأكمل: “المستقبل بالنسبة لمهنة الصحافة يبدو أسوا مما هو عليه، ففي آخر شهر فقط تم القبض على 4 صحفيين نقابيين، حتى أصبحنا الآن نتمنى أن تعود حرية الصحافة إلى الوضع الذي كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، رغم المعاناة التي كانت موجودة حينها”.