أن تكون ناشطًا في العراق فأنت في غير مأمن، واحتمالية تصفيتك جسديًا هي الأقرب، تخبرك بهذا حوادث عدة شهدتها بلاد الرافدين مؤخرًا، راح ضحيتها نشطاء ومتفاعلون مع الشأن العام، خاصة مع اندلاع احتجاجات ساحة التحرير بالعاصمة بغداد.

يحدث هذا حتى أصبح كالمعتاد، إلا أن الجريمة التي خصصنا لها السطور التالية، أشد شناعة وأصعب من أن تُتخيل، على رغم تباين الروايات بشأنها، فمن رواية رسمية تتحدث عن جريمة جنائية وضبط متهم وإدلاء باعترافات، إلى رواية مغايرة، كان أبطالها أقارب الضحايا، الذين أكدوا أن الجريمة تمت كون الشابة شيلان دارا ناشطة في المظاهرات، فضلًا عن كونها كردية، وخاصة مع اغتصابها والتمثيل بجسدها.

مسلحون مجهولو الهوية، يدّعون أنهم ممثلين لجهات أمنية، يقتحمون منزل عائلة كردية في حي المنصور ببغداد، أثناء تواجد كل أفراد العائلة، أب وأم وابنة، يغتصبون الابنة قبل قتلها وبتر أطرافها، ثم يُلحقون بها والديها بدم بارد.

رواية الأمن

وبحسب رواية الأمن فقد اعترف قاتل الناشطة الكردية العراقية شيلان دارا رؤوف وعائلتها داخل منزلهم في منطقة المنصور غرب العاصمة بغداد، بتنفيذه لجريمة القتل الصادمة.

وبحسب الاعترافات المصورة للمتهم الثلاثيني الذي يدعى مهدي حسين ناصر، ويعمل في حماية السفارة الروسية، ضمن التشكيلات التابعة لوزارة الداخلية العراقية، فإنه تعرف على والد شيلان بحكم العمل معه، وقبل يومين كان بحاجة إلى أموال، فطلب منه لكنه رفض.

وأكمل خلال اعترافه أنه قد حدثت مشاجرة بينهما، وطعن الأب بسكين وعندما دخلت زوجته طعنها كذلك، ثم سحب الجثتين إلى الحمام لتدخل دخلت ابنتهما شيلان فجأة وتبدأ بالصراخ، مؤكدا على أنه حاول تهدئتها لكنها رفضت، فلطمتها على وجهها، ثم وقتلها.

عقب انتهاءه من تنفيذ الجريمة بدأ المتهم بالبحث عن أموال في المنزل حتى عثر على 10 آلاف دولار، فأخذها وخرج.

 

غضب واسع

الواقعة تسببت في غضب واسع بين الأكراد ساكني المنطقة، وسط اتهامات بتسهيل مقتل الناشطة التي تعمل صيدلانية كونها من الأكراد.

لم يتوقف الأمر عند ذلك بل وفقًا لوسائل إعلام كردية، فقد أكد الطب الشرعي بالبلاد على أنه تم الاعتداء جنسيًا على الابنة، بالإضافة إلى بتر أطرافها، والعائلة مكونة من ثلاثة أفراد “الأب، والأم، والابنة”.

بحسب وكالة “رووداو” الكردية، فقد أكد الطب الشرعي تعرض الابنة للاغتصاب، وبتر أطرافها، وتم فصل رأس الأب عن جسده، وتعرضت الأم لطعنات متفرقة في جسدها.

تكذيب الأمن

وبحسب الوكالة، فإن الأسرة كانت تعيش في السليمانية بإقليم كردستان وانتقلت لتعيش في حي المنصور ببغداد، وأكدت التحقيقات أن القتل كان بهدف السرقة، إلا أن أقارب الضحايا وجيرانهم فندوا تلك الشائعات.

ونشر موقع كردستان 24 تصريحات على لسان إحدى أقارب العائلة التي تعرضت لحادث القتل المأسوي، والذي أحزن الحي بأكمله.

آشنا بابان، إحدى أقارب العائلة المنكوبة، قالت إن خالها دارا رؤوف وزوجته عالية نجمي وابنتهما شيلان قتلوا يوم الثلاثاء الماضي، مؤكدة أن العائلة المذكورة سلفًا كانت تنوي الرحيل إلى السليمانية في إقليم كردستان.

“إقليم كردستان هو إقليم عراقي يقع في شمال البلاد تحده إيران من الشرق وتركيا من الشمال، وسوريا من الغرب وبقية العراق من الجنوب، وعاصمته الإقليمية هي محافظة أربيل”.

“بابان”، أكدت خلال تصريحاتها أن العائلة الكردية كانت قد باعت أغراضها بالفعل، استعدادًا للانتقال إلى السليمانية.

وكشفت أن الابنة شيلان كانت صيدلانية ناشطة وتدعم تظاهرات ساحة التحرير وتداوي جرحى الاحتجاجات المطالبين بتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة، وإجراء انتخابات نزيهة وعادلة.

ميليشيات إيران

واتهم النشطاء الميليشيات العراقية الموالية لإيران، باغتيال الطبيبة الصيدلانية، نظرًا لأنها كانت إحدى نشطاء ساحة التحرير، حيث زادت تلك الحوادث الخاصة بقتل النشطاء مؤخرً، آخرها كان اغتيال المحلل السياسي، هشام الهاشمي.

المنطقة التي قُتلت فيها العائلة الكردية عرفت بانتهاك حقوق الأكراد، من قبل الميليشيات المسلحة التي أكد السياسيون أنها تابعة للحكومة العراقية، وعانوا من انتشار عبارات مثل “ارحلوا إلى دولتكم” و”لن ينفعكم مسعود واستفتاؤه”، وكذا إطلاق عبارات عنصرية ضد الأكراد المتواجدين فيها.

ففي 25 سبتمبر من عام 2017 جرى استفتاء في كردستان عن انفصالها عن العراق وجاء نتائجه تصويت 92 بالمائة بـ “نعم” للانفصال”.

وحذر زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، من فتنة سياسية تستهدف الأكراد من سكان العاصمة العراقية بغداد.

تهديدات متتالية

عقب إجراء الاستفتاء في شهر سبتمبر من عام 2017، بدأت الأزمات بين إقليم كردستان وحكومته، وبين الحكومة العراقية.

واشتكى عقب ذلك سكان العاصمة العراقية من الأكراد من التهديدات المتتالية التي كانوا يتلقونها، ما زاد من معاناة “الكرد الفيليين” شيعيي المذهب، حيث طُلب منهم ترك بغداد من قبل جماعات مسلحة.

“الكرد الفيليون” وفقًا لياقوت الحموي في معجم البلدان، كانوا يقطنون المناطق الجبلية المرتفعة الواقعة بين إيران والعراق وتتسم أجسامهم بالضخامة كأجسام الأفيال، وعددهم داخل العراق أكثر من ثلاثة ملايين نسمة

هجرة الأكراد

علي حسين فيلي العضو السابق ببرلمان كردستان العراق، ورئيس مؤسسة شفق الإعلامية، أكد خلال تصريحات متلفزة أن عشرات العائلات الكردية تركت منازلها ببغداد، وتوجهت إلى مدن السليمانية وأربيل وكلار بسبب التهديدات التي تتلقاها، وذلك على الرغم من طمأنة رئيس الوزراء العراقي والقيادات الأمنية للأهالي.

وأرجع بعض المحللين سبب تهديد الأكراد في بغداد إلى الخوف من النسبة الموجودة في العاصمة العراقية من أن يكنوا بمثابة “القنبلة الموقوتة”، خاصة في ظل تصاعد الصدام بين أربيل وبغداد.

كما توقعوا انتشار حوادث استهداف الأسر الكردية في بغداد، وأن المدنيين المسالمين سيتحولون إلى أهداف مباشرة، في خضم ما يعانيه أولئك الأكراد من أزمة الهوية لكونهم من الأكراد الشيعة، حيث هجر الآلاف منهم قبل ذلك.

“في عام 1980 أصدر وزير الداخلية العراقي قرارًا ينص على تسفير الأكراد الإيرانيين الموجودين في القطر نظرًا لكونهم من غير حاملي الجنسية العراقية”.

المادة 140 من الدستور العراقي تُعد من أكبر نقاط الخلاف بين أربيل وبغداد، كونها تعتبر كركوك وعدة أراضٍ في محافظات نينوي وديالي وصلاح الدين مناطق “متنازع” عليها ولحل الخلاف كان يجب إجراء استفتاء قبل نهاية عام 2007، لكن لم يتم تنظيمه ما أثار مزيداً من الجدل، لذا اعتبر رئيس إقليم كردستان العراق السابق، مسعود برزاني، أن المادة انتهت.

كما أنه لا سيطرة للأكراد في العراق على أي من منافذه البرية والجوية، ويتم تسليم مستخرجاته النفطية للحكومة الاتحادية، كما ترفض الحكومة العراقية مشاركته في إدارة المناطق المتنازع عليها، والتزامه بسياسة العراق الخارجية.

كما تم قطع حصة الإقليم الكردي من الميزانية الاتحادية، وقد تساءل سكان الإقليم عن مصير أموال إيرادات النفط المرتفعة، وتسبب ذلك في حدوث تأخر في سداد رواتب الموظفين، واستمرار معاناة الحكومة المحلية من العجز المالي.

وبسبب ذلك الحصار، خسر أكثر من مليون و200 ألف نازح داخل كردستان الكثير من المساعدات كما فرضت الحومة العراقية حظر طيران في عدم القدرة على نقل المساعدات.

محاولات ترهيب

الدكتور جرجيس كوليزادة، المحلل السياسي، يرى أن ما يحدث خلال الفترة الماضية ما هو إلا محاولات ترهيب للأكراد المتواجدين في العراق، وأن أمنية المواطن الكردي في بغداد والوسط والجنوب والشمال غير مضمونة وغير أمينة وغير مكفولة بالحماية من قبل السلطات التنفيذية الحاكمة.

كما اعتبر ذلك ترهيبًا وخرقًا للدستور والقوانين المرعية بحق المواطنة لكرد العراق، خاصة مع في ظل صدور قرار ادخار الرواتب الخاصة بالأكراد لسنوات وقطع نسبة منها وتوزيعها كل شهرين مرة تقريبًا، وكذلك وضع المواطنين في ضائقات معيشية واقتصادية وصعوبات صحية وحياتية خطيرة بتعمد.