جائحة “كورونا” تُعد الأزمة الأكبر التي يمر بها العالم خلال القرن الأخير، حيث عانى الجميع من ويلاتها، واكتوت بنيرانها أغلب الدول، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل لأجل بعض الضمانات الخاصة بالصحة، تمت التضحية كليًا بالاقتصادات المحلية مع بداية الشرارة الأولى للأزمة، ولم يدم الأمر طويلاً حتى أدرك العالم خطورة القرار، وبدأ يشعر بالأزمة الاقتصادية التي كان لها أولوية كبرى في القرارات التي اتخذت لاحقًا.
وأصبح التساؤل حول آلية التعامل مع الأزمة يطرح نفسه من باب الضرورة القصوى، فالعالم بات في الاختيار الصعب، أيهما أهم: “صحة الأفراد أم الاقتصاد الذي أصبح على المحك؟”، وهو تساؤل طويل الأمد أيضًا، فالبقاء هنا سيكون للأقوى تأثيرًا على العالم في حضرة “كورونا”.
الصحة أولًا
في البداية، أعلى الجميع من أهمية مراعاة الصحة، واُعتبر أن ضمان أمان الأفراد والشعوب أهم من العوائد الاقتصادية، وهو ما دفع العالم إلى اتخاذ القرار الصعب بسلسلة من الإجراءات الهامة من أجل الوقاية وحماية المواطنين.
وتم بالفعل إيقاف العمل بشكل جزئي، كما تم فرض حظر التجوال، فضلًا عن إجراءات أخرى حدت من سير عجلة الاقتصاد، وقد اختلفت الدول في حجم الحسم في هذه القرارات، ففي الوقت الذي أغلقت فيه دول بشكل كامل حماية لمواطنيها، اضطرت أخرى إلى تجاهل الفيروس في البداية كما حدث في الولايات المتحدة بينما قامت غيرها بالحراك الحذر ومنها ألمانيا.
كل الإجراءات التي حاول العالم إقرارها كانت تُدرس على الصعيد الاقتصادي أولاً، إلا أنه بدا وكأنه شبه اتفاق إجرائي بينها أن الصحة أهم.
بلغت إجمالي الإصابات بفيروس كورونا “كوفيد 19” حول العالم نحو 32.3 مليون حالة، بينما وصل عدد المتعافين لنحو 22.3 مليون، فيما وصل إجمالي الوفيات إلى نحو 984 ألف.
الاقتصاد أعنف تأثيرًا
بعد مرور نحو ثلاثة أشهر من الأزمة والإجراءات الصارمة، شعر العالم بخطورة الأمر على مختلف أوجه الاقتصاد، وتزعم هذا المشهد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، الذي اعتبر أن التعايش وسيلة أمان وحماية من المخاطر الاقتصادية التي سيكون لها تأثير أسوأ على العالم أجمع.
لم يكن الرئيس الأمريكي وحده من تزعم ثوب الرأسمالية وضراوتها، ولكن الكثير من البلدان كان إنقاذ الاقتصاد بالنسبة لها أهم، خاصة أن الأزمة طالت وثبت أنها ستطول لوقت أكبر مما ظن الساعون بمحاصرة الجائحة.
وفي غضون شهر واحد، انطلقت الشرارة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العالم، وكأنها تلبية لنداء الرأسمالية، وبدأت إجراءات التعايش والتي كان على رأسها رفع حظر التجوال، بالإضافة إلى تخفيف الإجراءات التي تم فرضها على المواطنين مع الالتزام بعناصر الحماية والأمان الشخصي للأفراد، والتي لن يكون للحكومات دخل مباشر فيها.
كبيرة الاقتصاديين بالبنك الدولي كارمن راينهارت، قالت إن هناك احتمالية لحدوث انتعاش سريع برفع جميع إجراءات القيود المرتبطة بالعزل الصحي، ومع ذلك التعافي سيستغرق على حد تقديرها نحو 5 سنوات، مؤكدًة أن الركود سيستمر لفترة أطول في بعض البلدان وسيؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، وستكون الدول الفقيرة هي الأكثر تضرراً وفقا لتقديرها.
انتكاسة
مر العالم بعد تخفيف الإجراءات بانتكاسة، وانطلقت منظمة الصحة العالمية لتحذر من مخاطر تخفيف الإجراءات، مؤكدة أن العالم يمر بموجة ثانية من فيروس كورونا المستجد، إلا أن الكثير من الدول لم تُلق بالا لما أعلنته، وواصلت تخفيف الإجراءات وظهر للعالم النموذج الألماني الذي استطاع عبور الأزمة بسلام.
النموذج الألماني دفع الكثير من الدول إلى محاولة تقليده، خاصة أنه لم يعتمد على إجراءات غلق كامل، بل على العكس، خففت الدولة من ساعات العمل وظلت الحياة داخلها أقرب للطبيعي ولم يتأثر اقتصادها بشكل ظاهر ومباشر، واستمرت إجراءات التعايش مع الفيروس في انتصار واضح للاقتصاد.
أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة أكسفورد، بول كوليير، أكد أن ساحة اللعب الاقتصادية لم تكن متساوية على الإطلاق، إلا أن فيروس كورونا ألقى الضوء على قصور النظم الاقتصادية والاجتماعية، معتبرًا أن النظام الرأسمالي سيحتاج الى إعادة ضبط بعد انتهاء أزمة كورونا، وسيبحث عن بدائل في نظمه للتعافي وهو ما يشكل الأهمية الأكبر للرأسمالية العالمية.
استمرار التحذيرات
أطلقت منظمة الصحة العالمية العديد من التحذيرات بشأن المخاطر الناجمة عن التساهل في التعامل مع فيروس كورونا، مؤكدة أن العواقب لن تكون حميدة، خاصة أن هناك موجات متعددة من الانتشار ومرور البعض بانتكاسة في عدد الإصابات، وهو ما يتطلب إجراءات وقائية لحماية الأفراد أكثر صرامة وفقاً لتقديرها.
المتحدثة باسم المنظمة، مارجريت هاريس، قالت إن الفيروس جديد وسلوكه مختلف وهو ما يجب أن يفهمه العالم، داعيًة إلى ضرورة توخي الحذر في تطبيق الإجراءات من أجل إبطاء العدوى، والتي تنتشر في حال توافر ظروف التجمعات الكبيرة داعية إلى ضرورة الاستمرار في فرض إجراءات التباعد الاجتماعي.