يُعتبر الناتج المحلي الإجمالي، أهم الملفات الاقتصادية التي تتقاطع كثيرًا مع حياة المواطنين، فهو الرقم الذي يتم خلاله قياس جميع المؤشرات الاقتصادية الأساسية، والذي يوضع في الحسبان دائًما عند اتخاذ الحكومات والمستثمرين أي قرارات مالية أو استثمارية.
الناتج المحلي الإجمالي، الذي يرمز له اختصارًا بـ ” “GDP، ببساطة هو قيمة إجمالي السلع والخدمات التي تنتج في بلد ما خلال مدة زمنية محددة في الغالب سنة، ويتضمن السلع أو الخدمات الموجهة للبيع مضافًا إليها، منتجات تقدمها الحكومات مجانًا مثل التعليم والخدمات الصحية.
الفرق بين الناتجين المحلي والقومي
الفرق بين الناتج المحلي والقومي يرتبط بفكرة حدود الإنتاج الجغرافية، فالناتج المحلي يمثل إجمالي السلع والخدمات على أرض دولة معينة وبينها الأجانب المقيمين على أراضيها، أما “القومي” فيرتبط بجنسية المنتجين، فعلى سبيل المثال فإن الناتج القومي لمصر يتضمن إجمالي ما ينتجه المصريون في الداخل والخارج، أما الناتج المحلي فيمثل إجمالي ما ينتج على أرض مصر.
يصعب قياسه بدقة
يصعب كثيرًا حساب الناتج المحلي بدقة، لأنه يصعب حصر العناصر التي يمكن إدخالها ضمنه، فلا يمكن حصر كمية الحبوب التي يخزنها المزارع لصالح استهلاكه الشخصي، أو أنشطة المرأة المنزلية، كتربية الطيور والماشية لصالح استهلاك الأسرة، والأعمال التطوعية بجانب أنشطة الظل كالسوق السوداء والأنشطة الصناعية غير الرسمية “الاقتصاد الخفي”.
طرق القياس إجمالًا
يمكن قياس الناتج المحلي من خلال الإنتاج، عبر حساب الفارق بين إجمالي المبيعات للسلع والخدمات المنتجة وقيمة المدخلات الوسيطة في عملية الإنتاج.
الطريقة الثانية عبر “الإنفاق”، ويكون بجمع نفقات الاستهلاك النهائي للأسر والشركات والقطاع الحكومي بالإضافة إلى نفقات الاستثمار بجانب الفرق بين الصادرات والواردات، وصافي التعامل (الإنفاق) الخارجي.
أما الطريقة الثالثة فتكون عبر الدخل بجمع الدخل الناتج من الإنتاج كأجور الموظفين وأرباح الشركات والضرائب.
الناتج المحلي الإجمالي (بسعر السوق)
يقاس الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لطريقة الأسعار الجارية بضرب السلع والخدمات في سعرها ويسمى ذلك بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ويتأثر كثيرًا بالتضخم الذي يرفع قيمته، وبالتالي من غير المستحب الاعتماد عليه لقياس مدى تقدم الاقتصاد.
الناتج المحلي والمواطن
لا يعتبر ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي دليلًا على رفاهية المواطنين التي تقاس بمستوى المعيشة، وهو أعم بكثير من الناتج المحلي، فهو يتضمن كل عناصر الدخل وجودة الوظائف ومستوى الفقر وجودة المساكن، ونسبة التضخم، وتوفر التعليم ومتوسط العمر وجودة البيئة والحياة.
والناتج المحلي الإجمالي معني بقياس الناتج المادي بغض النظر عن حالة الرفاهية العامة للمواطنين، لأنه في حد ذاته لا يمكن أن يقيس معدل التنمية الاقتصادية للدولة أو رفاهية المواطنين، فهناك دول يشهد الناتج المحلي الإجمالي لها نموًا كبيرًا، ولكن هناك العديد من المؤثرات البيئية أو ارتفاع معدلات الفقر إذا كانت ثمار النمو يجنيها الأثرياء فقط.
صافي الناتج المحلي
يحتاج إنتاج السلع والخدمات الداخلة في الناتج المحلي، إلى تكاليف مثل المعدات والمباني التي تتهالك مع الزمن، وبعد خصم تلك المبالغ نحصل على صافي الناتج المحلي.
معدل النمو
يمثل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الزيادة المئوية في الناتج المحلي الإجمالي، ويتم قياسها بصورة فصلية (كل ثلاثة أشهر)، ويكشف عن كيفية تسارع أو تباطؤ اقتصاد الدولة خلال فترة زمنية محددة، ويعتبر أهم مؤشر في عرف المؤسسات الدولية للحكم على اقتصاد دولة معينة.
الناتج المحلي مضلل
يقول بعض الخبراء الاقتصاديين، إن الناتج المحلي الإجمالي قد يكون مؤشراً مخادعًا، فهو النهاية يتعامل مع الأرقام المجردة فقط، فالدول قد تنفق على الأنشطة التي تولد التلوث مثل أنشطة صناعة الإسمنت أو العلاجات الطبية غير المجدية ويتم حسابها داخله، رغم أنها لا تعكس أي تحسن في رفاهية المواطن.
يمتد التضليل عند مقارنة ناتج محلي لدولة بأخرى دون معرفة كيفية حسابه داخل كل منهما وعوامل مثل عدد السكان، ولذلك يعتبر البعض بيانات الناتج المحلي الإجمالي للدولة “اسمية” ويجرون تعديلات عليها لتصبح “الناتج المحلي الحقيقي” عبر مقارنة الناتج الاقتصادي من عام لآخر لاستبعاد أثر التضخم.
أهمية الناتج المحلي
تعتمد الشركات على بيانات الناتج المحلي عند وضع استراتيجية أعمالهم، وتستخدمه الحكومات لتحديد السياسات النقدية الواجب تطبيقها، كما يقوم المستثمرون بمتابعة معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتحديد الدول المناسبة للاستثمار.
اتجاهات جديدة
استحدثت نيوزلندا نموذجًا جديدًا لتحويل التركيز من الناتج المحلي الإجمالي إلى “رفاهية الأشخاص” معتبرة أن الناتج المحلي نظام قديم يعود إلى العصر الصناعي وتضمن العديد من الطرق غير المفيدة.
وبدأ مصطلح الناتج المحلي في الظهور في ثلاثينيات القرن الماضي في أمريكا بفضل مهاجر روسي يدعى “سيمون كوزنتس” نجح في إعداد أول تقدير حقيقي للناتج المحلي للبلاد وتم تقديمه إلى الكونجرس عام 1934، لكن البعض يقول إن نشأته تعود للبريطانيين والفرنسيين في أواخر القرن السادس عشر الذين حاولوا وضع نماذج لخطط اقتصادية تتضمن حصرًا بالناتج المحلي.