مع التجربة الديمقراطية في الانتقال السلمي للسلطة في تنزانيا، منذ الاستقلال والوحدة بين إقليم تنجانيقا وزنجبار في عام 1964، وتعاقب الرؤساء في انتخابات رئاسية لا تتجاوز فترتين رئاسيتين، حيث استطاعت خلال العقود الثلاثة الماضية، تقديم نموذج جيد للديمقراطية الصاعدة في شرق إفريقيا، بدأت البلاد مارثون الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر المقبل وسط تخوفات وتحذيرات محلية ودولية من تراجع الحريات وممارسة السلطة لانتهاكات في ملف حقوق الإنسان وقمع حرية الرأي والتعبيير.
وكانت اللجنة العليا للانتخابات التنزانية قد حددت يوم 28 أكتوبر موعدًا للانتخابات الرئاسية، والتي سيصوت فيها ما يقرب من 30 مليون ناخب كانوا قد سجلوا بياناتهم في الفترة من يوليو 2019 حتى فبراير 2020، حيث بدأت الحملة الانتخابية من 26 أغسطس حتى 27 أكتوبر، كما ستجرى الانتخابات النيابية وانتخابات المستشارين المحليين في نفس اليوم ، بينما أصدر مرشحون معارضون للرئيس التنزاني وأحزاب معارضة حملات عبرت فيها عن مخاوفها من إجراء الانتخابات في جو من العنف والترهيب في ظل استمرار القوانين الصارمة التي لا تسمح بأي تجمعات سلمية رغم تعهدات الرئيس التنزاني بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
مرشحو للرئاسة
في مقدمة المتنافسين على منصب الرئيس، الرئيس الحالي جون ماجوفولي ممثلاً للحزب الحاكم تشاما تشا مابندوزي CCM الذي تولى الرئاسة لفترة رئاسية واحدة في 2015، ويسمح الدستور بتولي الرئاسة لفترتين رئاسيتين فقط، حيث يمكنه الاحتفاظ بالحكم حتى عام 2025 .
وفقًا لمجلس الانتخابات التنزاني يتنافس على منصب الرئيس 14 مرشحًا، ومن أهم المرشحين المعارضين نائب رئيس مجلس النواب توندو ليسو عن حزب تشاديما المعارض، الذي كان يعيش في بلجيكا والتي تلقى فيها العلاج بما يقرب من 20 عملية جراحية بعد إطلاق النار عليه خارج منزله في عام 2017، في العاصمة دودوما، وعاد إلى تنزانيا لأول مرة منذ الحادث كمرشح رئاسي، وهو ما وصفه المراقبون بالمنافس الأقوى لماجوفولي، خاصة بعد تصريحات له عقب عودته أكد فيها أنه سيقاتل من أجل الرئاسة، مؤكداً أن السنوات الخمس الماضية في عهد “ماجوفولي” كانت صعبة بالنسبة للمعارضة بما شهدته من الاعتداءات على الزعماء السياسيين، والاختطاف والاختفاء والتعذيب، والملاحقة غير القانونية لقادة المعارضة.
في أغسطس الماضي أعلن حزب تشاديما في مؤتمر عام تقديم 7 مرشحين للتنافس على الانتخابات الرئاسية، من بينهم توندو ليسو، ولازارو نيالاندو وعيسى تشارلز الذي شغل منصب عمدة دار السلام، فيما أعلن اتحاد التغيير والشفافية المعارض اختيار وزير الخارجية الأسبق، برنارد ميمبي لخوض الانتخابات الرئاسية، بعد أن كان قد تم استبعاده وطرده من الحزب الحاكم بداية العام الجاري.
وأعلن فريمان مبوي، وهو زعيم آخر من حزب تشاديما، والذي كان قد أصيب بكسر في ساقه نتيجة تعرضه للضرب في هجوم قال حزبه إنه بدوافع سياسية نتيجة نيته الترشح، خوضه الانتخابات.
“ماجوفولي” والحريات السياسية
جون ماجوفولي، الرئيس التنزاني ذو الخلفية العلمية حيث كان أستاذاَ للكمياء قبل دخوله الحياة السياسية، وكان قد فاز في الانتخابات الرئاسية 2015 ممثلاً عن حزب تشا تشاما، وبدأ بحملة انتخابية قوية توعد فيها الفاسدين وشن حربًا وطنية ضد الفساد في تنزانيا.
استطاع “ماجوفولي” في العامين الأولين من حكمه، تسجيل عدة مواقف زادت من شعبيته حيث بدأ بإقالة عدد من المسؤولين، بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد ورئيس مصلحة الظرائب ومسئولين في هيئة الموانئ والسكك الحديدية ووزارة الصحة بعد حملات وزيارات مفاجئة لتفقد الأوضاع.
بلغ عدد الموظفين المفصولين في عهد “ماجوفولي” نتيجة تهم الفساد والتزوير، حسب تقديرات صحف محلية إلى عشرة آلاف موظف، حيث كانت أشهر قضايا الفساد التي تصدى لها تزوير الشهادات العلمية لشغل المناصب الحكومية.
كما قرر وقف الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال والاستفادة من تكاليفها لمقاومة الفقر ووباء الكوليرا، فضلاً عن خفض عدد الوزراء من ثلاثين وزيرًا إلى تسعة عشر، مع مطالبتهم بالكشف عن ممتلكاتهم وأرصدتهم من خلال التوقيع على ما سمي بـ”تعهد النزاهة” خلال حلفهم اليمين الدستورية.
وأطلق “ماجوفولي” عدة إجراءات لخفض التكاليف وحماية المال العام، تضمنت منع جميع سفريات الوزراء إلى أوروبا إلا بعد تصريح مباشر منه واقتصار المهام الخارجية على سفراء تنزانيا في الخارج، ومنع مسؤولي الحكومة من السفر في الدرجة الأولى، كما منع إقامة الفعاليات الحكومية في الفنادق الفاخرة، وخفض ميزانية حفل افتتاح البرلمان الجديد.
القمع والعنف
مع سياسات “ماجوفولي” التي بدت في معظمها إصلاحية لمواجهة الفساد والنهوض بالاقتصاد التنزاني، بدت سيطرته على السلطة قوية مع عدد من القرارات والقوانين الصارمة التي رفضتها المعارضة ووصفتها بالقمعية.
كان في مقدمتها فرض قانون إنفاذ الحقوق والواجبات الأساسية، الذي منع المنظمات الحقوقية من رفع القضايا نيابة عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن منع القانون حرية التجمّع السلمي وتكوين الجمعيات المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان وتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير.
كما سجلت الأعوام الأربعة الماضية طوال حكم “ماجوفولي”، التضييق على حرية الصحافة وممارسة سياسات قمعية، حيث وضع عدة قوانين تحت مسمى الجرائم الإلكترونية لملاحقة منتقديه ومعارضيه على وسائل التواصل الإجتماعي، وهو ما دفع أحزاب المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات المحلية والتي فاز فيها الحزب الحاكم بـ99% من المقاعد.
كما تكررت حملات استهداف الخصوم السياسيين، وكان أشهرها تعرض النائب المعارض توندو ليسو لحادث إطلاق نار أثناء خروجه من منزله وهو ما كان سبباً لهجرته والإقامة في بلجيكا، وقيام الشرطة بملاحقة رموز المعارضة وعلى رأسهم فريمان مبوي الذي أعلن ترشحه للانتخابات المقبلة والذي تعرض للضرب والهجوم من قبل مجهولين، وهو ما يعزز التخوفات من انحدار مستوى الديمقراطية رغم السياسات الإصلاحية التي يتبناها “ماجوفولي”.
وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية، شهدت تنزانيا عددًا من أحداث العنف في إقليم زنجبار بعد الانتخابات المحلية، حيث أصيب ما يقرب من 100 شخص من أعضاء الجبهة المدنية المتحدة بعد احتجاجات إثر إلغاء نتائج الانتخابات، وهو ما دفع الرئيس بحظر جميع التجمعات إلى 2020 ردّاً على الدعوة التي أطلقتها أحزاب المعارضة تحت شعار “بوكونا” وهو ما يعني التحالف ضد الدكتاتورية، بينما لم يستطع النظام احتواء المعارضة ومواجهتها بالعنف والقوة.
بسبب ما وصف بالتطورات الديمقراطية السلبية قررت عدد من الدول من بينها السويد خفض مساعدتها لتنزانيا من أجل الضغط على النظام الحاكم بفرض مزيد من الحريات، حيث قالت سفارة السويد بتنزانيا في فبراير الماضي إنها ستحول دعمها لحماية المجموعات المهمّشة والمدافعين عن الديمقراطية.
مع ارتفاع التخوفات من عدم نزاهة الانتخابات دعت الأحزاب المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان ومراقبون دوليون وعدد من سفارات الدول الغربية في تنزانيا، إلى مراجعة تسجيل الناخبين وتشكيل لجان انتخابية مستقلة ومنح تصاريح مبكرة بعيدة وقصيرة الأمد لمراقبين على الصعيدين الوطني والدولي لضمان إجراء العملية الانتخابية في مناخ آمن وحر، وعدم الاستمرار في سيطرة الحزب الواحد.
كورونا والانتخابات
تسبب انتشار جائحة كورونا في إفريقيا، في زيادة انتقاد المعارضة لسياسات “ماجوفولي” بعد تجاهل الحكومة التنزانية للجائحة والتقليل من آثارها ومنع نشر أي معلومات عن وضع الفيروس في البلاد ورفض إجراء المسحات، وهو ما انتقدته منظمة الصحة العالمية في عدم التعاون معها للوقوف على الوضع الصحي في البلاد، وتصاعد التخوفات على الصحة العامة والحياة اليومية للمواطنين مع تجاهل الإجراءات الاحترازية.
يرى مراقبون أن تنزانيا ضمن دول إفريقية أخرى تجاهلت جائحة كورونا من أجل تمرير الانتخابات الوطنية حتى يتثنى للحزب الحاكم الهيمنة على السلطة السياسية، وحرمان قوى المعارضة من فرص الانتشار والمشاركة في الحكم، في ظل انشغال دول العالم والمؤسسات الدولية بمواجهة الوباء وتراجع الاهتمام بمسألة الديمقراطية والحكم والرشيد في إفريقيا.
كان الرئيس التنزاني قد أكد أن بلاده أصبحت خالية من فيروس كورونا، وأن المرض قد قُضي عليه، حيث أعلنت الحكومة رسميًا رفع القيود المفروضة على البلاد في 29 يونيو الماضي، وعودة المدارس وإقامة الفعاليات الكبرى، كما أوقفت تنزانيا تسجيل الحالات المصابة بفروس منذ نهاية أبريل 2020، إلا أن مؤسسات دولية أكدت تضليل المواطنين والرأي العام المحلي حول وضع البلاد.
رؤساء تنزانيا
رغم التدوال السلمي للسلطة بين الرؤساء واحترام دستور 1977 الذي يمنع الرئيس من الترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين، إلا أن حزب تشاما تشا مابيندوزي ظل المسيطر على السلطة.
وفيما يلي نستعرض الرؤساء المتعاقبين على تنزانيا منذ الاستقلال والوحدة بين زنجبار وتنجانيقا وتشكيل الدولة التنزانية.
- جوليوس نيريري؛ من تنجانيقا (مسيحي) وهو ما سمي بمؤسس تنزانيا، وتولي من 1964 حتى 1984
- علي حسن مويتي (مسلم) ، وتولي لفترتين رئاسينين من 1985 حتى 1990 ، ومن 1990 حتى 1995
- بنجامين ويليام مكابا (مسيحي)، وتولي لفترة رئاسية واحدة من 1995 حتى 2005.
- ميريشو جاكايا كيكوتي (مسلم) تولي لفترة رئاسية واحدة من 2005 حتى 2015
- جون ماكوفولي ( مسيحي) من 2015 حتى 2020.