تؤثر الحالة النفسية للأم المصابة بالاكتئاب سلبيًا على صحة جنينها، حيث يمتد هذا التأثير على صحة الطفل لاحقًا خاصة في السنوات الخمس الأولى من حياته.
وخلال فترة الحمل يتعرض دماغ الطفل النامي للآثار السلبية نتيجة اكتئاب الأمهات، أما عن تأثيره على التطور المبكر للدماغ فيظل غامضًا وغير مؤكد حتى وقتنا الحالي.
تأثر الأطفال باكتئاب الأمهات
نشرت دراسة من مانيتوبا، في عدد سبتمبر 2020 من طب الأطفال، خاصة بتأثر الأطفال باكتئاب الأمهات خلال مراحل حياتهم الأولى، ولفتت انتباه العالم الأكاديمي وما جعلها متميزة عن الدراسات المماثلة لها هو استخدام مجموعة كبيرة من المرضى، ودراستهم حيث شملت الدراسة 52103 طفل.
وجد الباحثون خلال إجراء دراستهم أن هناك مجموعة كبيرة من الأطفال بين الولادة وخمس سنوات تم تشخيص أمهاتهم بالاكتئاب، معرضون للخطر وبلغ عددهم 9،938 طفلًا.
“تعاني 15٪ و23٪ من النساء في جميع أنحاء العالم من القلق أثناء الحمل”
وحدد علماء النفس القائمون على الدراسة خمسة مجالات في الحياة للطفل لتحديد الأكثر ضعفًا بفعل التأثر، ووجد أن أقوى ارتباط بين اكتئاب الأمهات والنتائج العصبية السيئة كان في مجالات التنمية الاجتماعية والعاطفية، وأكدت الدراسة أن الأطفال في وقت دخولهم المدرسة معرضون بشكل خاص للخطر نتيجة تعرضهم لاكتئاب الأمهات.
خبراء الصحة العامة، وفقًا للدراسة وصفوا اكتئاب الأمهات بأنه أزمة صحية عامة، وكانت قد خضعت معظم الأمهات لأبحاث اكتئاب قبل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث زادت الإصابة بالاكتئاب نتيجة ضغوط الصحة العقلية التي يسببها الوباء.
معدل حدوث اكتئاب الأمهات يختلف بشكل كبير حسب الحالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئة المحيطة بها، وفي أغلب الحالات لا يتم تشخيص العديد من الأمهات المصابات بالاكتئاب بسرعة، على الرغم من الجهود المبذولة لإزالة وصمة العار عن المرض العقلي، ولا يزال هناك ممانعة لبعض الأمهات للاعتراف بأنهن بالفعل مكتئبات وبحاجة إلى رعاية مناسبة.
وأكدت الدراسة أن اكتئاب ما قبل الولادة أكثر شيوعًا من اكتئاب ما بعد الولادة، ويبدو أن تعرض الدماغ النامي للطفل، الذي لا يزال في الرحم، لهرمونات التوتر وتأثيره على المسالك العصبية التي تظهر في وقت مبكر من الحياة، يمهد الطريق لنتائج نمو ضعيفة في وقت لاحق من الحياة.
البداية من الرحم
أجريت دراسات عدة في مجال الصحة النفسية للأطفال، منها دراسة أجراها باحثون بجامعة بريستول، تؤكد أن الأمهات اللاتي يبدأن العلاج الطبي خلال فترة الحمل قد يقللن من مخاطر التعرض لمشكلات الصحة النفسية في المستقبل لدى الطفل.
كبيرة الباحثين ريبيكا بيرسون، قالت في تصريحات لـ”بي بي سي” إن الاكتئاب في فترة الحمل يجب أن يؤخذ بجدية، ويتم علاجه خلال تلك الفترة لأنه هناك مخاطر طويلة الأجل بالنسبة للأطفال.
كارمين باريانت من معهد الطب النفسي بجامعة كينجز كوليدج في لندن قالت إن تطور الصحة النفسية للشخص لا يبدأ عند الولادة، ولكن داخل الرحم، مؤكدة أن مساعدة النساء المصابات بالاكتئاب في فترة الحمل لن يخفف من معاناتهن فقط، بل سيخفف من معاناة الجيل القادم.
وفقًا للباحثين في دورية “الاكتئاب والقلق”، بحسب ما نشرته “رويترز” فإن الأطفال المولودين لأمهات يعانين من الاكتئاب ينتهي بهم المطاف بالإصابة بخلل في رد الفعل المناعي بأجسامهم.
عجز في اللغة
نشرت مجلة “JAMA Pediatrics” دراسة تربط بين اكتئاب الأم خلال الحمل بعجز الطفل في اللغة، والنمو المعرفي والحركي خلال مرحلته المبكرة.
وأنه هناك عوامل عدة تؤثر على الأم، وتجعلها أكثر عرضة لاكتئاب الحمل، منها ضغوطات الحياة ونقص الدعم الاجتماعي، وأكدت على أن النتائج في ظل انتشار وباء كورونا أصبحت مقلقة بشكل كبير.
وأشارت الدراسة التي نشرتها “سي إن إن بالعربية” إلى أن أولئك الأطفال المتأثرين باكتئاب أمهاتهم أكثر عرضة لإظهار مشاعر سلبية.
وحول آلية تأثر الطفل فقد أوضحت الدراسة أن القلق والاكتئاب يزيدان من تركيزات هرمون الإجهاد الكورتيزول”، ما يجعل الطفل أكثر عرضة له، ما يتسبب في تغيرات بوظائف المخ، من تدفق الدم، والأكسجين للطفل.
“روشتة” نفسية للأمهات
ووضعت كبيرة مؤلفي الدراسة، ديلسي هاتشينسون، روشتة نفسية للأمهات اللواتي يشعرن بالاكتئاب والقلق أثناء الحمل وكذا ينتابهن القلق بشأن مزاجهن.
وأكدت أنه من الضروري أن يطلبن المساعدة من طبيبهن أو من أخصائي نفسي، وألا يتم التغاضي عن صعوبات الحمل والولادة.
“هاتشينسون”، أكدت على أن أغلب النساء يعتقدن الشعور بالإحباط أو التعب أو القلق هو أمر طبيعي خلال فترة الحمل، ويرفضن طلب المساعدة بسبب قلقهن من وصمة العار المتعلقة بالصحة العقلية.
“هاتشينسون” أوضحت أن أهمية البقاء على اتصال مع العائلة والأصدقاء والمواظبة على الأنشطة التي تبعث مشاعر السعادة، ومنها المشي، أمر مهم يجب فعله بانتظام.