تشكو بعض السيدات، من أخريات يعملن بكل جهد لتكريس هيمنة الذكور في المجتمع، فهن يرين أن هؤلاء السيدات يقفن عقبة أمام تعزيز دور المرأة، وعدم البخس من حضورها بفاعلية، كجناح آخر مع الرجل، يقوم عليهما أي تجمع بشري.

“ميقهرش الست إلا الست اللي ذيها”.. مقولة متعارف عليها في المجتمع المصري، ترددها بعض السيدات بفخر أحيانًا، فهن يرين في هذه المقولة انتصارًا لبعض السيدات، لكنهن لا يدركن أن هناك أخريات يرفضن أن تكون السيدات هن العائق الذي يقف أمامهن في الحياة.

وعلى الرغم من أن الأزمات الاجتماعية والثقافية، التي تلاحق جميع السيدات في المجتمع، إلا أن بعضهن استطاع التكيف معها، بينما ترفض أخريات هذا الوضع، كما يرفضن أن تكون السيدات هن العقبة أمام تغير تلك الموروثات لصالح النساء عمومًا.

تأثير في المجتمع

للسيدات أثر كبير في المجتمع، يبدأ من تربية الأطفال.. هكذا ترى “داليا موسى” إحدى المدافعات عن قضايا النساء.

وتضيف: “رأيي أن جزءًا مهمًا في شخصية الذكر المصري مسؤول عنه الوالدة بالطبع، فالأبناء الذين يكونون في نشأتهم متأثرين جدًا بوالدتهم، في الغالب ينشئون لديهم هيمنة ذكورية عالية، كما نرى في الصعيد، فأغلب الرجال يقدسون أمهاتهم، ويعاملونهن أحسن معاملة، في المقابل يعامل زوجته بشكل سيء، من منطلق أنه الرجل وهي الست”.

الأمهات واعادة انتاج الهيمنة الذكورية

وتتابع: “هذا يعود إلى أن أغلب السيدات في الصعيد والأرياف يعتبرن أبنائهن الذكور السند أكثر من الإناث، وبالتالي تنشأ هيمنته الذكورية، واعتقاده بالأفضلية عن البنت، وهذا يشكل صفة أساسية في شخصيته”.

وتنهي “داليا” حديثها قائلة: “بالطبع كل خطوة أو استحقاق أو امتياز تعطيه السيدة لذكر، سواء كان ابنها أو زوجها أو شقيقها أو غيره، هو انتقاص من حق سيدة أخرى”.

تكريس الأوضاع

من جانبها، ترى الناشطة النسوية والقيادية بمؤسسة “المرأة الجديدة” منى عزت، “أن معظم الأمهات يبدأن منذ السنوات الأولى لتربية أطفالهن، في تعليم الفتيات كيف يصبحن نساء في المجتمع، ملتزمات بتقاليده وعاداته ولا يخرج خارج الإطار المجتمعي، وأبرز الأمثلة على ذلك هو تولي معظم الأمهات مهمة سلوك الفتيات وأخلاقهن، واللجوء لرجال العائلة لتقويم ما تراه غير مناسب أو خارج الإطار الذي تريده، والذي يفرضه المجتمع والبيئة المحيطة”.

وتتابع، أنه “بصفة عامة تساعد الأمهات كثيرًا في تكريس الهيمنة الذكورية من خلال التنشئة، وإطلاق سلطات للذكور على الإناث دون اعتبار للسن أو المكانة الاجتماعية”.

وتكمل: “الكثير من السيدات في مجتمعنا يتعايشن مع الواقع المفروض عليهن من قهر وانتهاك للحقوق يقوم بهما الرجل، مما يزيد لديها شعور الدونية، وهذا ما يجعلها تؤمن وتطبق دورها كونها تابع للرجل، تخدمه في البيت، وتطيعه في الحياة، وبالتالي تربي تلك السيدات أطفالهن على نفس النمط الذي تعيشه”.

التكيف مع المجتمع

وتشير الناشطة النسوية، إلى أن هناك نوعًا من السيدات يتكيفن مع المجتمع الموجود بكل عواره الثقافي، بل هناك أيضًا من تعيد إنتاج ما يقوم به المجتمع من هيمنة ذكورية وسلطة أبوية بسبب نشأتهن وتربيتهن، خاصة أنهن لا يرين أن هناك بديلا آخر، وبالتالي هن يُعدن في تربية أبنائهن إنتاج التمييز وعدم المساواة وخسف حق النساء والتهميش”.

وتضيف: “أن هؤلاء السيدات يختلقن بعض الحقائق العلمية التي يحاولن أن يزرعنها في أبنائهن، والتي لا أساس لها من الصحة، مثل أن السيدات بطبيعتهن ضعيفات، وأنه لابد من وجود فروق بين الرجل والمرأة، وبعضهن يستخدمن الدين في تكريس تلك الأفكار”.

وتنهي “عزت” حديثها بالإشارة إلى “أن بعض السيدات يتمردن على أوضاعهن الاجتماعية، لكن لا يستطعن تصحيحها بسبب كم القيود المفروضة عليهن من الأسرة والعائلة والمجتمع، كما أنهن يرغبن في تغيير الواقع الذي يعشن فيه، لكنهن يعجزن عن تقليد غيرهن من السيدات اللاتي يستطعن التمرد باعتبارهن خرجن عن الإطار المتعارف عليه، بل بالعكس من الممكن أن يتضامن مع الرجال من أجل قمع السيدات المتمردات لمجرد أنهن فشلن في تحقيق ذلك”.

إعادة إنتاج الذكورية

أما الطبيبة النفسية سالي توما فترى أن “هناك سيدات يساهمن في إعادة إنتاج الذكورية في المجتمع، وذلك عن طريق الإنكار، تلك الحيلة والطريقة الدفاعية التي يستخدمنها للهروب من الواقع وأزماته، والاستسلام لمجريات الأمور”.

العنف ضد المرأة من الموروثات المجتمعية

وتضيف: “أن هناك بعض السيدات يستخدمن حيلة الإنكار للدفاع عن أنفسهن من الاصطدام بالواقع التي يرى فيه أنفسهن أضعف من أن يقمن بتغيره، هذا بالإضافة الى أن بعض السيدات يقعن تحت طائلة هيمنة الذكور المؤذيين مثل النرجسيين الذين يستطيعون السيطرة على السيدات من منطلق أنها ضعيفة وأنه موجود لحمايتها”.

وتعرف “توما” الإنكار بأنه رفض لاشعوري للاعتراف بالواقع أو الموقف المؤلم المسبب للتوتر أو القلق، ويحدث للحد من القلق وللحماية الشخصية من الحزن الشديد، على سبيل المثال من خلال رفض حقائق معينة تظهر على زميل العمل أو الأخ أو الأب، واللجوء للدفاع عنه بقوة، وهذا متعلق بتقديس تلك الشخصيات للذكور في حياتها.

وتشير الطبية النفسية، إلى “أنه مع الأسف فإن السيدات اللاتي يتواطأن ضد سيدات أخريات يسببن الآلام أكثر من آلام هيمنة الذكور، لأنهن في هذه الحالة يستخدمن بعض الأساليب مثل التنمر وغيرها، لإجبارهن على التكيف مع الوضع والرضوخ لما رضخ له النوع الأول من السيدات”.