يقاتل تنظيم الإخوان، للعودة للمشهد السياسي في العديد من البلدان التي لفظته وتخلصت منه، مستخدمًا كافة الوسائل لتحقيق هذا الهدف.

ورغم الضربات التي تعرض لها التنظيم، سواء سقوطه في مصر والقبض على أعداد ضخمة من المنتمين له، ورغم حالات الانقسام والخلافات التي يتعرض لها، واتهامات الفساد التي طالت كبار قادته، إلا أن الجماعة لاتزال متواجدة وقادرة على إشعال الفوضى وبث سمومها بين الشباب.

ويعتبر الاقتصاد هو كلمة السر في بقاء الجماعة حتى الآن، فهو الدرع الواقي الذي يحمى الكيان من الاختفاء، وهو الذي يجعلها قادرة على التواجد والمشاركة في كل مشهد، خاصة وأن التنظيم الدولي له كيان اقتصادي متشعب في أكثر من 80 دولة

إمبراطورية اقتصادية

منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها حسن البنا تشكيل جماعة الإخوان، وضع نصب عينيه الاقتصاد كركيزة تُمكنه من مواجهة أي عائق ونجاح أي كيان، فقرر تكوين كيان اقتصادي قوي يضمن نجاح مشروعه من جهة، ويساعد على تحقيق أهدافه واستمراره من جهة أخرى.

وبدأ “البنا” في بناء الإمبراطورية الاقتصادية للإخوان، من خلال تكوين شركة “المعاملات المالية” عام 1936، التي تعد النواة الأولى للقوة الاقتصادية للتنظيم، ولأنه يدرك أهمية الشعار الديني في جذب الناس، غلف شركته بالأيديولوجية الإخوانية، ما جعلها تحقق مكاسب كبيرة في فترة بسيطة.

وخلال 3 أعوام، انتقلت الشركة من رأسمال أربعة آلاف جنيه، إلى 20 ألف، وتوالت عملية مضاعفة رأس المال، وتوسع نشاط الشركة، ليكون تحت مظلتها أكثر من 16 شركة تعمل في مجالات متعددة، منها النقل والتجارة والطباعة والغزل والنسيج والإعلانات والهندسة والتوكيلات، ولكن سرعان ما انهدم الصرح الاقتصادي للإخوان، مع إعلان حل الجماعة ومصادرة أموالها.

بعد مرور عدة سنوات، وعودة الإخوان للساحة من جديد، بدأت في السير على خطى “البنا”، من خلال تكوين كيان اقتصادي، ولكن بصورة أكثر حرصًا، من خلال توسيع مصادر الدخل للجماعة، وتفريعها، حتى يصعب حصرها في حال الملاحقات الأمنية.

وقامت الجماعة بوضع أسس إمبراطورتيها الاقتصادية، التي قامت أولًا على فرض اشتراكات شهرية يلتزم بدفعها الأعضاء، كل حسب دخله.

كما استعانت برجال الأعمال المنضمين إليها، ودعمهم ماليًا، ومساعدتهم في إدارة المشروعات المربحة، وتحصل الجماعة على نصيبها من هؤلاء الأشخاص، عبر التبرع وذلك للتحايل على جهات الرقابة وتصعيب المهمة على جهات حصر الأموال.

الأمر الآخر الذي لجأت إليه، هو دخول أعضائها في شراكات اقتصادية مع رجال أعمال غير إخوان، ما يضمن زيادة مصادر تمويل الجماعة وصعوبة السيطرة عليها أو وقفها، وهو الأمر الذي نجحت في تحقيقه منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى سقوط حكمها في مصر، رغم محاولات الأمن تتبع الاقتصاد الإخواني، والذي كان من ضمنه قضية سلسبيل الشهيرة.

توسيع النشاط

توسع النشاط الإخواني، على المستوى الداخلي والخارجي، أيضًا، بعد أن قررت الجماعة الاستثمار في السوق المصرفي، وبدأت المضاربات في البورصة الأمريكية والبريطانية، كما عملت على فتح شركات للصرافة، والدخول في الاستثمار العقارى، ومجال البنوك، ومنها بنك التقوى الذي يملكه رجل الأعمال يوسف ندا.

توسع الاقتصاد الإخواني بصورة كبيرة ما ساهم في توسيع نشاط التنظيم على المستوى الداخلى والخارجى، فقامت الجماعة بفتح المشروعات الخيرية، وتقديم المساعدات المالية، ما ضمن لها تشكيل قاعدة شعبية كبيرة، كما عملت على بناء المدارس، وتقديم الدعم لطلبة الجامعات، وتقديم رواتب لأعضائها، تراوحت ما بين 5 لـ 20 ألف جنيه شهريًا.

كذلك، توسعت الجماعة في إنشاء دور الطباعة التي وصلت إلى أكثر من 350 دارًا، وأكثر من 500 دار نشر، خصصت لنشر الأعمال الموجهة لفكر الجماعة والمناصرة له، بخلاف الجمعيات الأهلية التي وصلت لأكثر من 1200 جمعية، والمستوصفات وبناء المساجد، ودور التحفيظ، ومجال الاتصالات والأجهزة الذكية.

هذا بخلاف فتح العديد من الأفرع للجماعة بالداخل والخارج، وتوسيع نشاطها في العديد من الدول، حتى وصل تواجد الجماعة إلى 80 دولة عربية وإفريقية، وأوروبية أيضًا.

زاد نفوذ الجماعة بزيادة قوتها الاقتصادية، فوفقًا لدراسة أعدها الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، فإن الجماعة كانت تحقق سنويًا ملايين الأرباح، نتيجة لتعدد مصادر دخلها، فبالنسبة للمصدر الرئيسي للجماعة، وهو اشتراكات الأعضاء، كانت تصل قيمته السنوية إلى ما يقارب 190 مليون جنيه، وتبرعات الأعضاء 604 ملايين، وتبرعات رجال الأعمال تصل إلى 500 مليون.

أما أموال الزكاة التي كانت تقدم للجماعة سواء من الداخل أو الخارج، فكانت تصل قيمتها على 5 مليارات جنيه سنويًا، فيما تصل أموال ما يسمى بـ”الإغاثة” والتي كانت تتلقاها الجماعة من دول ورجال أعمال لتوجيهها لإغاثة المسلمين حول العالم، كانت تتخطى 100 مليون جنيه استرليني سنويًا، وأموال “الجهاد” كانت تتراوح بين 50 لـ100 مليون سنويًا، أما أموال المشروعات الخارجية فكانت تُدر دخلًا للجماعة يصل إلى 5 مليارات جنيه سنويًا.

خلافات واتهامات متبادلة

ظل الملف الاقتصادي، واحدًا من أهم الملفات الإخوانية السرية التي لا يطلع عليها سوى عدد قليل من مكتب الإرشاد، ووحده الملم بتفاصيل هذا الملف كان يحصل على المنصب القيادي بالجماعة.

ومؤخرًا تبادل أعضاء التنظيم الاتهامات حول وجود فساد مالي وسرقات لأموال الجماعة، ومنها ما كشفه التسريب الصوتي للإخواني أمير بسام الذي اتهم فيه القيادي بالجماعة محمود حسين بالفساد المالي وسرقة أموال التبرعات.

وكذلك اتهام شباب الجماعة للقادة الهاربين إلى تركيا بالاستيلاء على الأموال وتركهم في الشوارع دون مأوى أو عمل.

وفى الوقت الحالي يعمل إبراهيم منير على السيطرة على الشئون المالية الخاصة بالجماعة، رغم التشكيك في نزاهته، وذلك بعد أن نصب نفسه قائمًا بأعمال مرشد الجماعة، وقام بإلغاء منصب الأمين العام، وترك الأمر كله في يده.

كما قرر تولي إدارة الملف الاقتصادي، مع تشكيل لجنة “صورية” لمعاونته.

القضاء على “الإخوان” يبدأ من الاقتصاد

تعد الإمبراطورية الاقتصادية للإخوان هي السبب الرئيسي في استمرار الجماعة، وتنفيذها لمخططات الفوضى في العديد من الدول، رغم كل محاولات مواجهتها أو الحد من مخاطرها.

فمن خلال هذا الكيان الاقتصادي القوى، تستطيع الجماعة تمويل عملياتها، وضمان ولاء قاعدتها الشعبية، والإنفاق على المحبوسين وأسرهم، والإبقاء على تواجد مكتب الإرشاد.

يقول الباحث في شأن الجماعات الإسلامية وليد البرش، إن القضاء على جماعة الإخوان يكون عبر استهداف اقتصادها، الذي يجعلها متواجدة في حتى الآن، ومشاركة في أي فاعلية، انتظارًا للحظة التي يمكن استغلالها للعودة من جديد.

ويضيف “أن هدم اقتصاد الجماعة، هو الوسيلة الوحيدة لمواجهتها، ففي مصر قامت الجماعة بتمويل عناصر الصف الثالث والرابع والخامس، ليكونوا جاهزين لأي تحرك ممكن في أي لحظة، مع القيام بمهمة نشر الفوضى والأكاذيب وإثارة الشارع وتوجيه الرأي العام حيال الأهداف الإخوانية، وفى حال تتبع الأمن عناصر الإخوان في القرى والنجوع سيجد مظاهر الثراء وقد بدت عليهم بوضوح”.

ويستطرد “أن قطع التمويل على هؤلاء الأشخاص يعنى نهاية علاقتهم بالجماعة، حيث يرتبطون بها لأنها توفر لهم المورد المالي، وفى حال توقف هذا المورد سوف نشاهد عمليات انشقاق وخلافات كالتي ظهرت بين القيادات الهاربة بالخارج”.

حماية دولية

من جانيه يؤكد ياسر فراويلة، الباحث في الجماعات المتطرفة، أن الفساد الذي تم الكشف عنه بين أعضاء الجماعة الموكلين بقيادتها من الخارج، يُظهر حجم الإمبراطورية الاقتصادية التي أنشأها الإخوان طوال 90 عامًا.

ويشير إلى “أن الإخوان اعتمدوا على توسيع نشاطهم الاقتصادي في أكثر من مجال، منها البورصة والذهب والمعادن والتعليم والمطاعم وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة الذكية، ولا يزال هذا الاقتصاد قوى ومنتشر في العديد من الدول، ليس هذا فحسب بل استطاعت الجماعة الدخول في علاقات استثمارية مع جماعات أخرى”.

ويكمل أن “هذا بجانب المشروعات الكبيرة التي يديرها الإخوان والتي تقدر بملايين الجنيهات، هناك أيضًا دولة قطر التي تمد الجماعة بالتمويل الذي ترغب فيه، ما يجعل محاصرة اقتصادها صعبًا، خاصة مع توسع دائرة الاستثمار في دول عدة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وماليزيا وأندونيسيا وسنغافورة وتايلاند” .

ويتابع “فراويلة” أن “تلك الشبكة الاقتصادية ساهمت في عدم إدراج جماعة الإخوان كجماعة إرهابية في العديد من الدول، فقد ساهمت العلاقات الاقتصادية بين الجماعة ورجال الأعمال في الغرب في تعدد المطالبات بخروج الإخوان من السجون، ومعارضة ملاحقتهم الأمنية، لأنها تعنى توقف النشاط الاقتصادي للعديد من رجال الأعمال المشاركين معهم في الاستثمارات”.

ويقول إنها “ساهمت كذلك في تكوين رأى عام خارجى يدعم قضية الإخوان، ويتغاضى عن ممارساتها في مصر، لأن لغة الاقتصاد هي اللغة الأقوى، وهذا ما أدركه الإخوان ممن بداية نشأتهم وحتى الآن”.