“طلقني.. الحياة معاك أصبحت لا تُطاق”، تقولها ندى (29 عامًا) لزوجها أحمد (30 عامًا) بعد مشادة بينهما نتج عنها ترك الزوج لمنزل الزوجية، وتغيبه عن الأسرة أسبوعًا كاملًا، ثم العودة إليه مرة أخرى بتدخل من الأهل لدى الطرفين.
خلال أسبوع الخصام بين الزوجين ومع تدخل أطراف عدة لمحاولة حل الأزمة تبين أن الأسرة تعيش في بركان زوجي مليء بالحمم الساخنة، وقد مر على زواجهما 10 سنوات، لكن المشكلات زادت بينهما خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وانتهت بالانفصال الرسمي، فلم تكن المرة الأولى التي يتشاجرا خلالها، ما سهل قرار الطلاق نظرًا لعدم وجود أطفال .
وقائع وأرقام
سجلت دائرة الإحصاء المركزية الألمانية أعلى نسب طلاق للأزواج، والتي حددت أنها تكون في هذه الفترة بداية من السنة السابعة للزواج، وتصل نسبتها إلى 30% تقريبًا، من إجمالي نسبة المتزوجين عام 2011، وقد أخذت النسبة في الزيادة سنة تلو الأخرى وهو ما تبرزه الإحصائيات السنوية لمعدلات الطلاق عالميًا.
اتفق مع تلك الإحصائية مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، وتحول الأمر إلى ظاهرة مجتمعية نمت بذرتها الأولى في المجتمعات الغربية من قديم الأزل، وهو ما دفع المخرج الأمريكي بيلى وايلدر لإخراج فيلم يحمل اسم “هرشة السنة السابعة”، من بطولة النجمة العالمية مارلين مونرو، عام 1955، والذي تدور أحداثه بشأن زوج مر على زواجه سبعة أعوام ووصل لذروة الملل مع زوجته ويتعرض لإغراءات جارته أثناء سفر زوجته وأبنائه، ويعرض الفيلم طوال العرض قصصًا، لخلافات ومشاحنات تقع بين عدد من الأزواج، في الفترة سالفة الذكر، والتي تبدأ بقوة مع نهاية السنة السابعة للزواج.
أزمة عالمية
على الرغم من أن مفهوم “أزمة منتصف الزواج”، بدأ من الغرب، إلا أن الأمر لم يختلف كثيرًا في مختلف الدول العربية، حيث عانت العديد من الأسر من تلك الأزمة، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات زيارات المحاكم الأسرية، والانفصال مؤخرًا.
تقول إيناس سعيد أخصائية علم نفس الأسرة وخبير الاستشارات الأسرية، إنه من خلال تردد حالات كثيرة أمامها لطلب المشورات فيما يتعلق بالمشكلات النفسية والزوجية، تبين أن فكرة وجود مشكلات في حد ذاتها أصبحت سمة تميز الحياة الزوجية عمومًا، إلا أنها تأخذ في الازدهار وتنبرز ما بين العامين السابع والخامس عشر بعد الزواج، وهو ما يهدد عرش المنظومة الأسرية في منتصفها تقريبًا.
ليست هي
صدمة صعقت أمير حيدر مهندس بإحدى شركات الاتصالات في السنة السابعة من زواجه، عندما بدأ يشعر بأن السيدة التي يعيش معها في منزل واحد ليست هي من اختارها، يقولها بجدية وغضب شديد، “أنا اخترت بنت جميلة رقيقة، من معي الآن هي رجل متنكر، لم تعد تهتم بنفسها كما كانت في البداية، ولم يعد صوتها منخفضًا، اختفت معالم أنوثتها، وتبدلت بعراك دائم معي أو مع الأطفال”.
أنجب “حيدر” من زواجه طفلين توأم، هما الآن في الصف الأول الابتدائي، رفض الطرفان بعدها تكرار محاولة الإنجاب مرة أخرى، بسبب كثرة المشكلات بينهما والتي تأججت مؤخرًا ووصلت إلى حد تدخل أحد الجيران لتهدئة الوضع بعد أن ارتفع صوت الزوجان خلال شجارهما بشكل مبالغ فيه”.
على صعيد متصل توافقه الرأي “نعيمة سيد” وهي متزوجة منذ 12 عامًا، تقول: “كنت متزوجة من شاب رومانسي، حسن المظهر يشعر بي دائمًا، ويقدر كل ما أفعله وإن كان مجهودًا بسيطًا، الآن أنا أعيش مع رجل يتدلى منه كرش كبير، لا يعترف بكل ما أقوم به من مجهود مع الأبناء أو معه”.
تسأل “نعيمة” نفسها بشكل يومي عن السبب في تحول زوجها، وهل هو تحول بالفعل، أم أن هذه هي حقيقته من البداية ولم تكن تعرفها جيدًا، وهي من أساءت الاختيار؟.
فتور جنسي
بالرغم من أن معظم الزيجات في العصر الحديث، تكون عن قصص حب، إلا أن الفتور أصبح سمة منتشرة، في العلاقات بين الأزواج على مختلف الأصعدة، تقول “منة الله مجدي”، (35 عامًا) ومتزوجة منذ 13 عامًا، وقد كانت حينها في الثانية والعشرين من عمرها.
هي الآن تعد منفصلة عن زوجها، ولكن بشكل غير معلن، حيث اتخذا قرار الانفصال السري بعد المرور بعدد من الأزمات بسبب فتور الزوجة في العلاقة الخاصة مع زوجها، لكنهما لم يفصحا عن حالتهما بالانفصال خوفًا على طفلتهما الوحيدة “كارمن” التي تبلغ من العمر 10 سنوات، حيث تفسر لها الأم غياب الأب الدائم بحجة أن لديه أعمال كثيرة تجعله لا يستطيع التواجد المستمر في المنزل.
من جانبه، اعتبر الزوج في بداية الأمر أن حالة زوجته ورفضها للعلاقة الجنسية بينهما على أنها حالة عارضة، وسرعان ما ستختفي، إلا أن تفاقمت، لدرجة شعرت معها أنه شخص غير مرغوب به، ولا تتقبله زوجته، وهو ما ساعد في قرارهما بالبعد الصامت.
عبء جديد
أثبتت دراسة أجراها مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، أن الشعور بالملل والانزعاج من الروتين والرغبة في الهروب من مسئوليات الأطفال والأعباء الزوجية يتسبب في 70% من حالات الطلاق بشكل عام.
تقع الأعباء الاقتصادية والضغوط المادية على قمة هرم هذه الأعباء، خاصة مع إنجاب الأطفال، اتفق هذا كلياً مع رأي “منى إبراهيم” وهي متزوجة منذ 15 عامًا بعد قصة حب عنيفة على حد وصفها.
الزوج صديق الطفولة والجار الذي شاركها أهم تفاصيل حياتها، ولم تكن تتوقع يومًا أن تقف أمامه في المحكمة لطلب الطلاق بعد المرور بخلافات شديدة، طوال 15 عامًا من الزواج.
تقول “منى”: “كرهت الزواج ولن أفكر في التجربة مرة أخرى”، مؤكدة أن أعباء الحياة في ظل وجود طفلين لهما عجلا بالانهيار، وهي الآن تعمل وتنفق على أبنائها ويساهم الأب مساهمة ليست كبيرة في المصاريف الدراسية فحسب، لكنها تشعر براحة أكبر مما كانت تشعر به وقت أن كانا يعيشان في منزل واحد.
أزمة منتصف الزواج
يُعرّف المختصون أزمة منتصف الزواج بأنها “عنق الزجاجة” للعلاقات الزوجية، وهي الأصعب والأخطر، وتستمد خطورتها من طوال المدة التي تتواجد بها لدى الأزواج.
تقول “عزة شكل” أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، إن هناك أسباب كثيرة تقف وراء هذه الأزمة، يرجع معظمها إلى الأعباء والضغوط الاقتصادية التي يمر بها الجميع في المجتمع المصري، لكن لا ينبغي أن نعتبر الضغوط هي السبب الأوحد، فهناك أسباب أخرى تتمثل في الاختيار الخاطئ من البداية بين الطرفين، أو الفتور وعدم التجديد، فمع مرور الوقت يحتاج كل طرف إلى التجديد في شكل وهيئة الشخص الآخر مع الحفاظ على حد أدنى من اهتمام كل طرف بالآخر .
عواقب وخيمة
تضيف “شكل” أنه “على الرغم من كل الأسباب سالفة الذكر والتي تؤدي في نهاية الأمر للانفصال بين الزوجين سواء بشكل فعلي ورسمي، أو بشكل عاطفي، ففي كلا الحالتين هناك ضحايا يتمثلون في الأطفال فتعد الخلافات الزوجية والمشاحنات عاملًا مؤثرًا بشكل سلبي على نفسية الأبناء، وهو ما يجب مراعاته جيداً من وقت لآخر بين الزوج والزوجة فلا يوجد حياة خالية من المشكلات وعليهما فقط أن يقررا الحد والدرجة المقبولة لدى كل منهما من تقبل عيوب الطرف الآخر من وجهة نظره، وتجنب أن يدفع الأبناء فاتورة اختيارات الآباء تحت أي ظرف “.