“أشعر أني أملك العالم”، شعار رفعته بعض الفتيات بمصر في السنوات الماضية، حيث يستقللن الدراجة النارية أو ما يُعرف بـ”السكوتر”، بألوانه الزاهية المبهجة، وينطلقن بين شوارع العاصمة المزدحمة، غير مباليات بنظرة المجتمع أو التعليقات السلبية التي تواجههن، كون وسيلة المواصلات تلك، كانت لسنوات حكرًا على الرجال فقط، لكن شعورهن بالأمان، فضلًا عن أمور أخرى، هو ما يدفعهن للاستمرار.

فمنذ بضعة سنوات، وبعيون مليئة بالتحدي والشغف، قررت بعض الفتيات من محافظات مختلفة اتخاذ الـ”سكوتر” وسيلة المواصلات الخاصة بهن، والتي أصبح مؤخرًا مصدر رزق وعمل بعضهن، إنهن “فتيات السكوتر”، وهذه هي محاولتهن للتغلب علي المضايقات والزحام.

نظرة سلبية

وعلى الرغم من زيادة أعداد الفتيات اللاواتي يستقللن الدراجات النارية بمصر في العاميين الماضيين، ومنهن مشاهير وفنانات، إلا أن الصورة النمطية لم تتغير، فمازال البعض يرى في ممارسات هذه الفتيات خروجًا عن أعراف المجتمع وتقاليده المحافظة.

وبحسب المختصين، يرجع قرار هؤلاء الفتيات وبحثهن عن وسيلة نقل آمنة، إلى ارتفاع معدلات التحرش الجنسي بالبلاد، لاسيما في المواصلات العامة، بالإضافة إلى الاختناق المروي، الذي أصبح السمة الأساسية لشوارع العاصمة.

وقد ظهرت مجموعة من الشركات الناشئة لتشجيع الإناث على “سكوتر” بألوانه المميزة، والترويج لها باعتبارها وسيلة نقل رخيصة مقارنة بالسيارة، وطريقة فعالة لتقليل الازدحام المروري والقضاء على التلوث.

كما ساهمت بعض المجموعات والفرق “للتريض بالدراجات”، والتي وصل عددها خلال العامين الماضيين لـ 15 فريقًا على نشر ثقافة الدراجات والـ”سكوتر”، حيث يشارك فيها مئات الفتيات كل عام.

ومع ذلك ما زالت رؤية فتاة تتجول بين السيارات والمارة بدراجتها مثار دهشة واستغراب وعدم قبول، بل ويصنفها البعض على أنها فتاة “جريئة”.

انتقادات

“زهقتي من زحمة المواصلات، زهقتي من المضايقات اللي موجوده فيها، خايفة من عدوى كورونا، بتروحي الشغل متأخر، الاسكوتر هو الحل”، “سواقه الريس والموتوسيكلات المانيوال مبقتش للرجال فقط”،.. إعلانان ضمن أخرى كثيرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث تشجع هذه المنصات والمجموعات الفتيات على تعلم قيادة الـ”سكوتر” كونه الوسيلة الأسرع والأكثر أمنًا بين شوارع المحروسة.

إلا أن هذه المبادرات والإعلانات التي انطلقت منذ عدة سنوات بغرض التشجيع والتحفيز ثم أخذت شكلًا تجاريًا بعد ذلك، قوبلت بالعديد من الانتقادات والرفض.

وتهدف هذه المنصات كـ مبادرة “دوسي “، بجانب تعليم قيادة الدراجات إلى مساعدة الفتيات اللاتي يرغبن بالعمل في إجازة الجامعة، في توصيل الطلبات للمطاعم والشركات عبر “سكوتر”، حيث تتواجد لديهن مدربات فتيات يتمتعن بخبرة في ركوب الدرجات.

“في البداية تلقينا الكثير من الانتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه ليس من الشائع في مصر رؤية النساء يركبن الدراجات البخارية، ولكن بعد ذلك تلاشى النقد وبدأ الكثيرون في قبول الفكرة، حيث نشهد المزيد من النساء يركبن السكوتر”، بحسب نوران فاروق، مؤسس ” Dosy “.

“فاروق” تضيف: “لقد قمنا حتى الآن بتدريب 1000 امرأة وفتاة، ونستهدف 13 مليون امرأة وفتاة مصرية في جميع أنحاء مصر”، بحسب “المونيتور”.

عقبات وعراقيل

وتواجه هؤلاء الفتيات وأصحاب المبادرات الكثير من التحديات، منها عدم وجود ممرات آمنة مخصصة لركوب السكوتر، ونظرة المجتمع السلبية لهن، بجانب المضايقات وتحرش البعض، حيث تتعرض أغلب الفتيات في البداية للتحرش إلا أن الأمر أصبح أقل بكثير مؤخرًا.

ويقول حسن الخولي، أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، إن المجتمعات العربية تصنف وسيلة المواصلات والتنقل على أساس الجنس أيضًا، فالموتوسكيلات والدراجات النارية حكر على الرجال واستقلال النساء لها يعتبر أمرًا غير مقبول وشاذًا اجتماعيًا، كما يعتبر شراء الفتاة لسكوتر أو دراجة هو تخطي للخطوط الحمراء”.

ويوضح “الخولي” “أن ركوب الفتيات للسكوتر وما يشبهه في السنوات الأخيرة دافعه ليس التحرش أو المضايقات والازدحام المروري فحسب، بل الأمر في باطنه يرجع للحداثة والعولمة الاجتماعية، فالمبادرات النسائية التي طافت البلدان العربية في الأعوام الماضية ساهمت في تقبل المجتمع ولو بشكل نسبي هذه الوسيلة”.

ديلفيري وأوبر

ويبدو أن الأمر لم يقتصر على كون “سكوتر” وسيلة نقل خاصة، بل أصبح مصدر رزق وعمل لبعض الفتيات.

ففي أواخر العام الماضي، تصدرت “إيمان أسامة” أول سائقة سكوتر أجرة بمصر، عناوين الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث قررت خريجة السياحة والفنادق والأولى على دفعتها، شراء “سكوتر” والعمل عليها من خلال توصيل الفتيات من أمام الجامعة أو أي مكان إلى منازلهن.

وعلى غرار “إيمان”، قررت سمر محمد عبد الفتاح، التي تبلغ من العمر 22 عامًا، العمل كأول فتاة ديلفري بمحافظة السويس، حيث قررت توصيل الطلبات من فتاة لأخرى، أو توصيل الفتيات بالمحافظة.

تحدي العرف

وفي السياق ذاته، أظهرت بعض النساء العربيات من مختلف الشرائح والفئات العمرية تحديًا للأعراف والتقاليد في مجتمعاتهن، حيث أطلقن في الشوارع على متن دراجاتهن الهوائية، وفرضن على مجتمعاتهن قبول ذلك.

وفي السعودية، تجولت فتاة تُدعى مريم المعل في شوارع المنطقة الشرقية في المملكة على متن دراجتها النارية، لتكون بذلك أول شابة تكسر ما تفرضه العادات الاجتماعية من قيود في المنطقة الشرقية.

وهؤلاء الفتيات لا يُعتبرن استثناًء، ففي اليمن، أثارت بعض النساء والفتيات عام 2015، جدلاً واسعًا، وذلك من خلال تحديهن نقص الوقود بالاستغناء عن السيارة واستبدالها بالدراجة، حيث لم يعتد مجتمع اليمن على مثل هذه الممارسات.

وتعد الباكستانية طيابة طارق، مثالًا حيًا أيضًا للمرأة التي تحدت أزمة الازدحام المروري الخانقة في بلادها في عام 2016 عبر تجولها في شوارع مدينة لاهور في شرق باكستان على متن دراجتها النارية، لتكون واحدة من جيل جديد من الشابات الراغبات في كسر ما تفرضه عليهن العادات الاجتماعية من قيود.

يشير أستاذ علم الاجتماع، إلى أن هذه المبادرات والتحديات السابقة، فرضت على المجتمع العربي تقبل مثل هذه الممارسات، ولكن لم يقابل ذلك تغير ملحوظ بالنسبة لنظرة المجتمع الذكورية لقيادة الفتيات “سكوتر”.

ويكمل: “ما زلنا نحتاج إلى الكثير من المبادرات وزيادة الوعي والخطاب الإعلامي لتقبل أكثر وتغير نظرة المجتمع”.