“يا ولاد محارب.. حوحه.. نصبولكم قارب.. حوحه.. والقارب طينة.. حوحه.. عدى ونينة.. حوحه.. ونينة تكاكي.. حوحه..  و تقول يا وراكي.. حوحه.. يا وراك الشوم.. حوحه.. عدى الفيوم .. حوحه”.

مرثية حزينة غنتها النائحات، منذ آلاف السنين، على ضفاف “طينة” إحدى قرى سوهاج القديمة، أثناء تشييع “حوحه” أو الإله “حورس” محمولًا على قاربه المزخرف، في قلب النيل العظيم، ليمر من تحت قناطر الفيوم بوابة الإقليم الفرعوني.

بلد المواويل

مرثيات حزينة أطلقتها للمرة الأولى منذ 5 آلاف عام، “إيزيس” أولى النائحات في التاريخ، و”أم الموال” وهي تندب أخيها وحبيبها وزوجها “أوزوريس”، مقطوعات شجية استمد منها السوهاجيون، وأسسو عليها مواويلهم التي نسجوها من آلامهم، عبر أجيال طويلة، لتصبح أرضهم “سوهاج بلد المواويل”.

ينطلق صوت المطربة العالمية “داليدا” بعد آلاف السنين، في شهادة تعيد الموال إلى منبعه وتحفظ لأرض سوهاج حقها، فتغني من كلمات صلاح جاهين: “أدينا بندردش.. ورانا ايه.. ورانا ايه.. بنحكى و نفرفش .. ورانا ايه.. نحب نتعرف.. ورانا إيه.. نحب نتشرف.. ورانا إيه.. ومنين يا بلدينا .. وبلدكوا إيه.. أحسن ناس.. سوهاج بلد المواويل.. سوهاج.. برج الزغاليل.. سوهاج.. يا حبيبى .. يا حبيبى.. سوهاج.. دى عروسة النيل.. سوهاج”.

أشكال متنوعة من فنون الموال والغناء، صيغت مع مرور الزمن مستمدة فروعها من جذر عتيق نبت في أرض “سوهاج” يوم ناحت “إيزيس”، لتلهم الآلاف من الفنانين والرواة والحكائين.

العاصمة الأولى وموطن الملوك

في “أبيدوس” إحدى المدن القديمة والتي تقع الآن في “البلينا” بسوهاج تكونت العاصمة الأولى لمصر قبل عصر الأسرات منذ  5 آلاف سنة على بعد 11 كيلو متر من نهر النيل،  وفيها كان المركز الرئيسي  لعبادة الإله أوزوريس، إله البعث والحساب ورئيس محكمة الموتى.

وعلى جدران معبد “أبيدوس”  بسوهاج، والذي بناه الملك سيتي الأول أبو رمسيس الثاني،  رسومات جدارية تصور  تجميع إيزيس لجسد أوزيريس، ثم العملية الجنسية بينهما وحملها بالإله حورس الذي يأخذ الثأر لأبيه من عمه “ست”.

وكانت “طينة” إحدى قرى جرجا، موطن ومقر حكم العظيم الملك مينا، موحد القطرين ومؤسس الأسرة الفرعونية الأولى، قبل أن ينقل عاصمته إلى منف.

ومن سوهاج خرج الفرعون الأعظم رمسيس الثاني، وهو الفرعون الذي كانت مدة حكمه الأطول بين جميع الملوك الفراعنة حيث حكم مصر 62 سنة، وقاد الحملات العسكرية إلى النوبة، وبلاد الشام وأعاد سيطرة مصر على كنعان،  وهو صاحب أقدم معاهدة سلام في التاريخ.

وبنى العديد من المدن والمعابد، فأتم المعبد الذي بدأه أبوه الملك سيتي، في “أبيدوس” بسوهاج، وفي الكرنك أكمل أعمال المعبد الذي شرع في بنائه جده رمسيس الأول، وأقام المعبد الجنائزي في طيبة، ومعبدي أبو سمبل، المعبد الكبير والموضوع أمامه أربعة تماثيل ضخمة له وهو جالس يحرس المعبد، والمعبد الصغير لزوجته نفرتاري، وكان يعبد فيه الإلهة حتحور إلهة الحب.

الآثار

إن إقليم يحظى بهذه المكانة التاريخية، التي حظي بها إقليم سوهاج، لا بد وأن يضم العديد من المناطق والمعابد الأثرية التي تشهد على عراقته خلال فترات مختلفة من تاريخه القديم.

ففي  مدينة أبيدوس يوجد معبد الملك سيتي الأول، كما عثر على عدد كبير من مقابر حكام تلك المنطقة في مرحلة ما قبل الأسرات، ومنذ عشرين عامًا عثر على أقدم مراكب مصرية مدفونة تحت الرمال ترجع إلى نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، تعود إلى الأسرة الثانية.

وفي منطقة “كوم السلطان” توجد آثار لحفريات ومستعمرة للصناع والحرفيين القدامى ومعبد أوزوريس، وجميعها ترجع لعهد ما قبل الأسرات.

ويوجد في مدينة أبيدوس تمثال من سن الفيل للملك خوفو صاحب الهرم الأكبر بالجيزة، كما بني الملك العظيم  أحمس بعد نصره على الهكسوس مقبرة وهرم له ولجدته “تيتي شري” ولزوجته الملكة  “نفرتاري”.

وفي أخميم يوجد معبد رمسيس الثاني وبه مجموعة من التماثيل من أشهرها تمثال الأميرة “ميريت آمون”، كما يوجد بأخميم 800 مقبرة فيما يعرف بمقابر الحواويش يعهود بعضها للدولة القديمة وبعضها الآخر للعهد الروماني واليوناني.

وغرب مدينة سوهاج بـ7 كيلو مترات، توجد منطقة آثار أتريبس، وبها  آثار نجع الشيخ حمد، وهي عبارة عن أطلال أثرية على مساحة 30 فدانًا تضم معبد أثري من عهد بطليموس العاشر، ومقابر محفورة في الجبل.

الزراعة

قصب السكر من المحاصيل الرئيسية في سوهاج، وتحتل المحافظة المركز الثاني في إنتاجه، بعد قنا، حيث يتم زراعة نحو 50 ألف فدان، يورد جميع إنتاجها لمصنع جرجا للسكر.

وتبلغ المساحة المنزرعة من القمح نحو 200 ألف فدان، تنتج نحو 140 ألف طن سنويًا، كما تنتج سوهاج العديد من المحاصيل الزراعية مثل القطن والذرة والبصل، والنباتات الطبية والعطرية.

الصناعات اليدوية

لمحافظة سوهاج تاريخ طويل في الصناعات اليدوية، حيث اكتسبت المحافظة شهرة واسعة في صناعات المنسوجات والحرير خاصة في مركز أخميم، وهناك قرى تعمل بكاملها في المنسوجات مثل قرية “النوالين”، لكن حرفيي القرية يمرون بظروف صعبة نتيجة غلاء أسعار الخامات وضعف التسويق، في الوقت الذي يؤكد مسؤولو المحافظة في مناسبات كثيرة دعمهم للحرفة، لكنها تبدو جميعها تصريحات للاستهلاك الإعلامي.

كما تصارع صناعة الفخار في سوهاج من أجل البقاء في ظل ظروف صعبة، معاناة كبيرة يعيشها الحرفيون في عدد من القرى التي اشتهرت بصناعة الفخار مثل قرية المدمر بمركز طما، والتي هجر عدد كبير من الحرفيين بها الصنعة، فتم هدم أفران ترجع لثلاثة قرون، نتيجة لفشلهم في توزيع المنتجات في ظل الظروف الحالية وعجز الدولة عن تقديم أي دعم لهم.

ثاني المحافظات فقرًا

رغم ما تمتلكه سوهاج من إمكانيات سياحية وأثرية، وزراعية وصناعية يمكن أن تدفعها خطوات في طريق التنمية، فقد فشل المسؤولون خلال سنوات طويلة، من استغلال إمكانات المحافظة، فقد أظهر آخر تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن محافظة سوهاج تحتل المركز الثاني بين المحافظات الأكثر فقرًا بعد محافظة أسيوط حيث يعاني 59.6% من السكان من الفقر الشديد.

بينما تسجل سوهاج  النسب الأعلى بين أفقر 1000 قرية في مصر، حيث تعاني 236 قرية في سوهاج من الفقر، وهي نسبة بلغت 87 في المئة من قرى المحافظة.