مرت رحلة الغاز المصري بمحطات عدة، كما كان هو نفسه مثار جدل في أكثر من مرة، فبعد أن كانت القاهرة تستورده سنويًا بمليارات الدولارات، باتت تستهدف الآن أن تصبح مركزًا للطاقة خلال السنوات المقبلة.

يأتي هذا تزامنًا مع تحركات على المستوى الإقليمي، تؤذن على ما يبدو بتغير في مستقبل هذا الملف الشائك والحيوي، كان آخر هذه التحركات ما تم الإعلان عنه من تأسيس “المنظمة الإقليمية لغاز شرق المتوسط” ومقرها مصر.

المنظمة التي أنشأتها 6 دول تنتمي إلى منطقة شرق البحر المتوسط وهي (مصر واليونان وإسرائيل وقبرص وإيطاليا والأردن) وستنضم إليها لاحقًا السلطة الفلسطينية، والتي تضم منتجين ومستهلكين ودول المرور، تهدف إلى بلورة رؤية مشتركة لاستثمار موارد الطاقة في شرق المتوسط وترشيد تكلفة الإنتاج عبر مشاركة البنية التحتية في الدول الأعضاء، وتعظيم فرص المنافسة في السوق العالمية للطاقة.

الغاز في مصر.. وفاتورة الاستيراد

دخلت مصر عصر اكتشافات الغاز الطبيعي سنة 1967 في منطقة أبو ماضي في دلتا النيل، حيث كشفت عنه شركة “بترول بلاعيم” المصرية.

وتمتلك مصر حاليًا 3 مناطق رئيسية تحتوي أغلب الاحتياطي المصري من الغاز الطبيعي، أهمها وأكبرها منطقة البحر المتوسط وتضم 62% من احتياطيات الغاز المصرية وتشمل حقول “ظهر” و “أتول” و “النورس الكبرى”، ومنطقة الدلتا وبها 19% من احتياطيات الغاز المصري وتضم حقول “دسوق” و “نيدكو” وحقل “النورس”، بينما تمثل منطقة الصحراء الغربية نسبة 18% من احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي وتشمل حقول “أبي الغراديق” و “الأبيض” و “القصر” و “مطروح”.

وكانت فاتورة مصر من استيراد الغاز الطبيعي تبلغ 4 مليارات دولار سنويا في 2018.

حجم النشاط

وخلال السنوات الست الأخيرة أضافت الاكتشافات الجديدة 38 تريليون قدم مكعب من الغاز إلى الاحتياطي المصري، كما بلغ إنتاج مصر خلال 2019 أكثر من 7.2 مليارات قدم مكعب يوميًا بإجمالي 243 مليون طن تعادل 65 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا.

وبلغ عدد المنازل التي تعمل بالغاز الطبيعي في مصر 11 مليون وحدة سكنية يسكنها 45 مليون مواطن، ومستهدف الانتهاء من التوصيل لكل المنازل في مصر خلال أربع سنوات للحلول مكان غاز البوتاجاز الذي تستورده مصر من الخارج.

أبرز الحقول

ويعد حقل “أبو قير” أول كشف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط عام 1969، بينما يعد بئر “بشروش” وتبلغ احتياطاته 250 مليار قدم مكعب اخر اكتشافات الغاز الطبيعي في مصر، وبينهما الكثير من الاكتشافات أهمها:

حقل “ظهر” العملاق

أكبر حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، وكشفت عنه شركة “ايني” الإيطالية عام 2015 على بعد 160 كيلومتر شمال شرق بورسعيد، وتبلغ احتياطاته المؤكدة 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويبلغ انتاجه 3 مليارات قدم مكعب يوميا بما يمثل 40% من إجمالي إنتاج مصر البالغ 7 مليارات قدم مكعب يوميا.

حقل “أتول”

ثاني أكبر حقول الغاز الطبيعي في مصر، واكتشف عام 2015، في البحر المتوسط على بعد 90 كيلومتر شمال مدينة دمياط بواسطة شركة “بريتش بتروليوم” البريطانية، و تبلغ احتياطاته 5 تريليون قدم مكعب، وينتج 320 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا.

حقل “النورس الكبري”

كشفت عنه شركة “ايني” الإيطالية بالشراكة مع “بريتش بتروليوم” البريطانية في سبتمبر الجاري في منطقة النورس الكبرى المواجهة لدلتا النيل في البحر المتوسط، وتقدر احتياطيات الكشف الجديد بـ 4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويتوقع ان يدخل مرحلة الإنتاج في العام القادم.

حقل “سلامات”

كشفت عنه شركة “بريتش بتروليوم البريطانية عام 2013 في البحر المتوسط شمال مدينة دمياط، ويبلغ إجمالي الاحتياطات به 2 تريليون قدم مكعب من الغاز.

التحول إلى التصدير

ويبلغ استهلاك مصر من الغاز الطبيعي 36.8 مليون طن سنويًا، بزيادة تقترب من 50% منذ العام 2002.

وحققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي عام 2018، وبدأت في تصدير فائض إنتاجها للخارج.

وبلغ إجمالي صادرات الغاز المسال 3.5 مليون طن أو 4.5 مليار متر مكعب عام 2019 بقيمة 1.2 مليار دولار، بعد أن كانت 1.4 مليون طن فقط عام 2018.

ويعد الاتحاد الأوروبي هو المستورد الرئيسي للغاز المصري بنسبة تقترب من 30% بينما تعد باكستان وسنغافورة من أهم مستوردي الغاز المصري في العالم.

تعامل الدولة مع الملف

وضخت مصر استثمارات تقارب تريليون جنيه في قطاع البترول والغاز منها 35 مليار دولار استثمارات اجنبية، كما تمتلك مصر محطتين لإنتاج الغاز المسال في كل من إدكو ودمياط.

وتملك في مصنع ادكو ممثلة في الهيئة العامة للبترول والشركة المصرية للغازات الطبيعية نسبة 24% بالمشاركة مع شركة “شل” العالمية بنسبة 35% وشركة “بتروناس” الماليزية بنسبة 35% وشركة “إنجي” الفرنسية بنسبة 5%.

بينما تملك مصر حصة 20% من مصنع دمياط لإسالة الغاز، بالمشاركة مع شركة “يونيون فينوسا جاس” الاسبانية بنسبة 40% وشركة “ايني” الإيطالية بنسبة 40%، وتبلغ طاقته الإنتاجية 5 ملايين طن سنويا وقادر على إسالة 770 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا.

كما تشارك مصر في إنشاء خط انابيب للغاز مع قبرص لنقل الغاز القبرصي إلى مصانع إسالة الغاز المصرية وإعادة تصديره.

كما أن توصيل الغاز الطبيعي للمنازل قد وفر ما يقرب 8 مليارات جنيه من فاتورة إحلال وصيانة إسطوانات الغاز، بالإضافة إلى توفير ما يقارب 90 مليار جنيه دعم كانت تتحمله الدولة فرق تكلفة بين سعر استيراد البوتاجاز وسعر توفيره للمستهلك.

كذلك بلغ عدد السيارات العاملة بالغاز الطبيعي في مصر 322 ألف سيارة.

الاستثمارات الأجنبية

نجحت مصر في جعل الغاز المصري جاذبًا للاستثمارات الأجنبية خلال السنوات الأخيرة عبر عقود امتياز الكشف والتنقيب والتي جذبت الشركات العالمية للطاقة خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة ما يزيد على 45 مليار دولار منذ عام 2012 حسب بيانات البنك المركزي المصري.

وشملت الاستثمارات الأجنبية بالإضافة إلى التنقيب عن الغاز المشاركة في إنشاء مصانع إسالة الغاز الطبيعي والتي بدأت بمحطتي إدكو ودمياط، وخط أنابيب شرق المتوسط والذي أنشأت شركة ايني المرحلة الأولى منه من العريش وحتى عسقلان الإسرائيلية على ساحل المتوسط، ومخطط أن يمتد الى أوروبا بسعة 15 مليار متر مكعب سنويًا.

وتعد شركة إيني الإيطالية أكبر المستثمرين في قطاع الغاز المصري وتملك حصة تبلغ 40% من حقل ظهر للغاز، كما تملك حصة 40% في مصنع دمياط لإسالة الغاز.

كذلك ضخت شركة “بريتش بتروليوم البريطانية استثمارات كبيرة في قطاع الغاز المصري وكشفت عن ثاني أكبر بئر غاز مصري وهو حقل “أتول”، بالإضافة إلى شركة “توتال” الفرنسية الشهيرة في قطاع الطاقة العالمي، مع العديد من الشركات الاسبانية والماليزية الشهيرة في مجال صناعة الطاقة العالمية.