حالة من التدهور شهدتها المنظومة الصحية في العراق، خلال الأيام الماضية، إثر الاعتداءات المتكررة من أهالى المرضى على الكوادر الطبية، مع انتشار فيروس كورونا “كوفيد-19”.
الأزمة تفاقمت مع إعلان الأطباء الإضراب عن العمل، الأسبوع الماضي، احتجاجًا على أوضاعهم المتدنية.
وبحسب المواقع الإخبارية العراقية: “مستشفيات الزعفرانية العام، والمشخاب في مدينتي: بغداد والنجف، خرجت عن الخدمة مع غيرها”.
رئيس مجلس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، استقبل وفدًا من الأطباء المضربين عن العمل، لسماع مطالبهم والوقوف على التحديات التي يواجهونها في ظل جائحة كورونا، والظروف القاسية التي تمر بها البلاد.
العراق كان لديه خلال 2017، أكثر من 9 أطباء لكل 10 آلاف نسمة
“الكاظمي”، طالب الأطباء بإنهاء الإضراب، لمساندة زملائهم من الكوادر الطبية والصحية والتمريضية، للعبور من هذه الأزمة الخطيرة.
أسباب تأزم موقف الأطباء
تدهور أحوال المنظمومة الصحية، وعدم وجود حلول واقعية لها، دفع أطباء العراق، 8 سبتمر الجاري، إلى قرار الإضراب عن العمل، إذ وصلت الأحداث داخل المستشفيات إلى حد الاعتداء بالضرب على الكوادر الطبية، وإتلاف المستلزمات الطبية والأدوية.
يُضاف إلى ذلك، غياب الإجراءات الحكومية الخاصة بالحد من انتشار كورونا، ما ينذر بكارثة صحية حال استمرار معدل الإصابات كما هو.
وفي وقت سابق، رفضت وزارة الصحة حصول الأطباء خريجي 2019 على وثائقهم، والانخراط في فرق مكافحة الوباء.
وقالت الطبيبة العراقية، تمارا عباس، عبر صفحتها على “تويتر”:” أنا طبيب مقيم، شغلي كله بالمستشفيات الحكومية، المستشفى الحكومي ليس بها أدوية أو أجهزة، أو تحاليل أقدر اشتغل بيها، ولا ملابس وقاية، أو كمامات، أنا طبيب دون أدوات”.
الطبيب الصيدلاني العراقي، محمد حسان، قال أيضًا عبر صفحته:” حل مشكلة هجرة الأطباء وقلة أعدادهم أن تعطيهم حقوقهم وتنصفهم وتقدر تعبهم، لا يتم تمنع الوثيقة وتستعبدهم”.
وتابع خلال تدوينته: “الحكومات السابقة جنت سياستها الظالمة للطبيب، أما تكون على قدر المسؤولية وعندك نية التغيير أو تكون امتداد لفساد الحكومات السابقة”.
ونشرت الصفحة الرسمية لنقل أحداث “إضراب الأطباء” عبر “تويتر”: “في مستشفيات الموصل يسكن الخفراء في دار أطباء لا يصلح سجنًا، يقدمون العمل في مستشفيات كرفانية، إعاشتهم خجولة جدًا مع القطط والكلاب السائبة، يلقى على كاهلهم غياب الأكسجين وأغلب الأدوية المنقذة”.
مارس العام الماضي، تعرض 57 بالمئة من العاملين في الرعاية الصحية لاعتداءات
وتشمل أزمات الأطباء أيضًا مضاعفة ساعات العمل، التي تصل لأكثر من الساعات الـ8 التي نص عليها قانون العمل، لتصل ما بين 12 حتى 24 ساعة.
اعتداءات حاضرة وإحصاءات غائبة
غابت الإحصاءات الرسمية التي تؤكد عدد الانتهاكات التي تعرض لها الأطباء في العراق.
بحسب القانون العراقي، لا تمنح وثائق التخرج للأطباء إلا بعد مرور 7 سنوات من عام التخرج
وبحسب إحصاءات غير رسمية نشرها فريق الصحة والبيئة التطوعي المسؤول عن مشروع “الرحمة” لحماية الكوادر الطبية في مارس العام الماضي، تعرض 57 بالمئة من العاملين في الرعاية الصحية بالعراق لاعتداءات، منهم 55 بالمئة تعرضوا لإساءات لفظية، و 9 بالمئة لاعتداءات جسدية، و6 بالمئة لاعتداءات عشائرية.
وقال عبد الأمير محسن، نقيب الأطباء، في تصريحات صحفية سابقة، إن الدولة “غير جادة بحل المشكلة”.
وبلغت حالات قتل الأطباء 330 حالة، بعد احتلال العراق في العام 2003، فيما وصلت حالات الخطف إلى 300″.
هجرة الأطباء
بحسب القانون العراقي، فإن وزارة التعليم العالي لا تمنح وثائق التخرج للأطباء إلا بعد مرور 7 سنوات من عام التخرج، أو دفع مبلغ 22.500 دولارًا تعويضًا عن سنوات الدراسة، مرجعةً ذلك إلى جهودها لمنع تزايد هجرة الأطباء العراقيين إلى الخارج.
لكن رغم ذلك شهد العراق حالة من هجرة الأطباء بشكل متزايد خلال السنوات الماضية، مع تردي الأوضاع السياسي، ما أدى لتدهور المنظومة الصحية.
وكانت المتحدثة باسم الصليب الأحمر، سحر توفيق، حذرت من خطورة استمرار الاعتداءات على الكوادر الطبية، في ظل انتشار جائحة كورونا، مما يتسبب انهيارًا في القطاع الصحي الذي يعاني ضعفًا بالأساس.
تطبيق القانون هو الرادع لهذه الظاهرة.. مجلس القضاء الأعلى
وأوضحت “توفيق”، أن منظمة الصليب الأحمر، أجرت استبيانًا للأطباء، خلال عام ٢٠١٨، أظهرت نتائجه رغبة ٧٠٪ منهم بمغادرة البلاد، نتيجة الأوضاع السيئة للقطاع الطبي، والتهديدات المتكررة التي تواجههم.
أغسطس الماضي، أكد عبد الأمير محسن، نقيب الأطباء، أن “عدد الأطباء العراقيين المهاجرين بلغ أكثر من 20 ألفًا، توزعوا في دول عدة، أبرزها: بريطانيا، والولايات المتحدة، والسويد، والإمارات، والدنمارك، والأردن، وتركيا، وقطر”.
ووفقا للإحصاءات التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية، فإن العراق كان لديه خلال 2017، أكثر من 9 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، أي أقل بـ3 مرات من دولة الكويت المجاورة، وحتى أقل بضعفين من ليبيا.
وأشارت نقابة الأطباء إلى تعرض أعضائها بعد انهيار الدولة عام 2003 لموجة اعتداءات تمثلت في القتل والخطف، والتهديد العشائري والاعتداءات الجسدية واللفظية، الأمر الذي ساهم في هجرة الأطباء..
تطبيق العقوبات هو الحل
أكد مجلس القضاء الأعلى، على حماية الكوادر الطبية والصحية من الاعتداءات التي تطولهم، مشددًا على العقوبات التي فرضها المشرع العراقي لمكافحة هذه الظاهرة.
ورأى المجلس أن تطبيق القانون هو الرادع لهذه الظاهرة.
وفي تصريحات صحفية لصحف عراقية، قال القاضي علي كمال، رئيس محكمة الرصافة، إن “العقوبات الواردة سواء في قانون العقوبات العراقي أو قانون حماية الأطباء كافية وتحقق الردع مع ما تنص عليه العقوبة، والتي واكبت مع ما صدره مجلس القضاء الأعلى من تعميم بهذا الخصوص”.
عدد الأطباء العراقيين المهاجرين بلغ أكثر من 20 ألفًا
ويرجع أسباب ارتكاب تلك الجرائم بحق الأطباء إلى قلة الوعي، وعدم الدراية بأهمية ودور هذه الفئة المهمة من فئات المجتمع، وأهمية دورهم ومجهودهم هو ما قدمته الكوادر الطبية خلال تصديهم لجائحة كورونا بكل طاقاتهم وإمكانياتهم.
وأشار إلى ضرورة توعية المجتمع بأهمية دور الأطباء وتضحياتهم من خلال عملهم ولاعتبارهم خط الصد الأول، ووجوب التثقيف بقانون حماية الأطباء.