بتاريخ 9 سبتمبر الجاري، صدر مرسوم رئاسي في سوريا، يقضي بتطبيق حكم الإعدام لأول مرة في وسائل الإعلام على الشابين اللذين اغتصبا امرأة أمام زوجها وقتلها هي وأطفالها الثلاثة، والشروع في اغتصاب الطفلة ذات التسع سنوات في بيت سحم بريف العاصمة دمشق.
وصدر القرار عن المحكمة العسكرية الأولى بدمشق، ونشرته وزارة العدل السورية على حسابها الرسمي في “فيس بوك”.
سيف العادات
العديد من جرائم الاغتصاب لا تظهر إعلاميًا، حيث من الضحايا من يتأثر بتفكير المجتمع الشرقي خوفاً من الفضيحة، وهناك من يجبر الفتاة “الضحية” على الزواج من المغتصب أو بما يسمى باللغة الشعبية “لملمة الشرف الضائع”، والنتيجة جريمة تنهي حياة فتاة جنى عليها وحش، وعائلة تحمي شرفها خوفًا من العادات والتقاليد.
العقوبات
جريمة الاغتصاب لم تظهر حديثًا، لكنها من الطبيعي أن تستشري في بلد يعاني من حرب استنزف وضعها الأمني واستبيحت قيمها الأخلاقية، لكن القانون السوري كان حازماً أمام هذا الفعل الوحشي، ففي الباب السابع منه المخصّص لبحث الجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العامة، قام بتحديد عقوبات على هذه الجريمة وفق عدّة مواد منها المادتان 489 -490
وتنص المادة 489 على:
1-من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عُوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل.
2-ولا تنقص العقوبة من إحدى وعشرين سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشر من عمره.
أما المادة 490 فتنص:
يُعاقب بالأشغال الشاقة تسع سنوات من جامع شخصاً غير زوجه لا يستطيع المقاومة بسبب نقصٍ جسدي أو نفسي أو بسبب ما استُعمل نحوه من ضروب الخداع.
-وإذا ما طبقنا أركان الجريمة وفق القانونيين الدولي والسوري على ما يحصل داخل السجون نرى أن هناك انطباقًا على جرائم الاغتصاب التي تحدث في السجون لكن ما يزال مرتكبو هذه الجرائم دون ملاحقة أو عقاب بسبب الاستمرارية بالعمل على المادة 16 من القانون 14 لعام 1969 والتي تعطي شرعنة وحصانة في حال ارتكابهم أي جريمة استناداً لهذا المرسوم.
حقوق المغتصبة
تقول البرلمانية الحقوقية الدكتورة لوسي اسكه نيان، إن من حق المرأة المغتصبة رفع دعوى جزائية على الجاني، بالإضافة إلى حقها في طلب التعويض عن الضرر الذي لحق بها من جراء هذا الاعتداء، مشيرة إلى أن رفع الدعوى القضائية هو حق المرأة المغتصبة وحدها أما ذويها، فهم يحق لهم الادعاء نيابة عنها في حالة واحدة، وهي اذا كانت المغتصبة قاصر.
وتضيف: “كي لا ننسى أن الحرب السورية خلال أعوامها العشر أثرت على انتشار جريمة الاغتصاب خاصة في المناطق التي سيطر عليها المسلحون، وربما هم لا يعتبرونها اغتصابًا، حيث أرغمت الكثير من النساء على الزواج بقادة المجموعات الإرهابية الأجانب تحت تهديد السلاح والإكراه، ومن لم تقبل الرضوخ فمصيرها إما التعذيب أو القتل، لذلك فإن هذه الحالة أيضًا تندرح تحت بند الاغتصاب، فهو انتهاك لجسد الضحية الذي يتم تحت القهر والإجبار باستخدام المغتصب القوة”.
وفي هذا السياق، تقول جمعيات حقوقية، إن سوريات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة، تعرضن للاغتصاب على يد عصابات “جبهة النصرة” و”جيش الإسلام”.
وتذكر “نيان” أن قائد إحدى هذه العصابات، أمر الزوجة أن تتعرى أمام زوجها وأبنائها ليغتصبها أمامهم، فركعت الزوجة على حذاء ذاك المسمى قائد تقبله وتلثمه بفمها متوسلة إليه راجية أن يتوارى بها في غرفة أخرى فرفض ذلك الطلب.
وتكمل: “بعد سيطرة الجيش السوري على المناطق التي كانت تحت سيطرة المسلحين، نرى أنه لم يعد هناك تلك الأعداد الكبيرة التي تتعرض للاغتصاب، لكن ذلك لا يمنع أن العنف الجنسي والجنساني الموجه ضد النساء والفتيات والرجال والأطفال، من بين سمات النزاع المدمرة والمستشرية، ويجب أن تنتهي هذه الظاهرة عاجلا أم آجلا”.
مضطرب سلوكيًا
وتوضح “اسكه نيان” أن “الخلل في التربية يؤثر على أفعال أي انسان، وبالتالي يعد الاغتصاب نتيجة للخلل الحاصل في نشأة وتكوين الإنسان، هذا بالاضافة إلى الميول غير السوية لمن يرتكب مثل هذا الجرم”.
وتتابع “لذا اعتبرته منظمة الصحة العالمية منذ 1992 اضطرابًا سلوكيًا وليس مرضًا نفسيًا، كما وصفت المغتصب بأنه شخصية سيكوباتية تتصف بالإجرام واللامبالاة، فعادة ما يتصرف مثل الحيوانات فهو غير قادر على التحكّم بغرائزه ومستعدّ للتحرش بأي كان وفي أي مكان”.
إلغاء العذر المخفف
وتقول “اسكه نيان” إنه “في 12 من مارس من العام الحالي، أقر مجلس الشعب السوري مشروع القانون المتضمن إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته والنصوص القانونية التي حلت محلها والمتعلقة بمنح العذر المخفف بـ جرائم الشرف وأصبح قانونا”.
وتكمل “أن العذر المخفف في جرائم الشرف يتعلق بالاعتداء الصادر من أحد ذوي الفتاة التي أقامت علاقة غير مشروعة، فيبادرون إلى قتلها حفاظًا على شرفهم وفق مفهومهم، أما فيما يتعلق بجرائم الاغتصاب والتي يكون فيها الجاني من الغير ويعتدي على المرأة بإقامة علاقة معها رغمًا عنها ودون موافقتها، فهناك نصوص قانونية تجرم هذه المسألة”.