قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إن الجزائر ستجري انتخابات تشريعية مبكرة عقب استفتاء على دستور جديد في الأول من نوفمبر المقبل.

وكان تبون، الذي اُنتخب للمنصب في ديسمبر الماضي، تعهد بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية تلبية لمطالب الاحتجاجات الضخمة التي أجبرت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة في أبريل 2019.

واعتبر الرئيس الجزائري أن التعديلات الدستورية هدفها أن يكون التمثيل الشعبي حقيقيا، مشددا على أن الشعب له كامل الحرية في التصويت بنعم أو لا على الدستور.

وشدد تبون على أن الجزائر توفر حرية التعبير لكل أبنائها، وأن الإسلام هو “دين الدولة”، ولا تغيير في ذلك. وأشار إلى أنه لأول مرة تتم “دسترة العمل الجماعي والمجتمع المدني”، وأن الشفافية ستشمل كل الشرائح من القاعدة، وهي المواطن، إلى أعلى الهرم وهو رئيس الجمهورية.

الوثيقة النهائية

صدّق البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، الأسبوع الماضي، على الوثيقة النهائية لمشروع التعديل الدستوري، وفق ما تنص عليه المادة 208 من الدستور الحالي، تمهيداً لآخر مرحلة نحو أول خطوة في الإصلاحات السياسية التي يعتزم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تنفيذها.

شارك في تعديل الوثيقة أكثر من 600 شخصية أكاديمية وسياسية وحزبية وثقافية ومن المجتمع المدني بـ 2500 مقترح تعديل، نشرت الرئاسة الجزائرية محتواها.

وعرضت الرئاسة الوثيقة على أنها “دستور توافقي ويكرس للجمهورية الجديدة”، “يُحدث القطيعة مع ممارسات النظام السابق، ويحد من صلاحيات رئيس البلاد، ويتماشى مع التغيرات السياسية والاقتصادية الداخلية، ويواكب التطورات الحاصلة على الساحة الدولية”.

وأجري على دستور فبراير/شباط 2016 أكثر من “160 تعديلاً” بين جذري أو محدود، يحدد من خلاله طبيعة الحكم، والفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويحسم بعض المسائل الحساسة مثل اللغة الأمازيغية واستقلالية القضاء وإنشاء الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام.

تقليص صلاحيات الرئيس

وتضمن التعديل الدستوري للمرة الأولى “دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 فبراير/شباط 2019” في ديباجته إلى جانب الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي باعتبارهما حدثين مفصليين في تاريخ الجزائر. وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وإعادة توزيعها كما كان معمولاً به قبل 2016 للحكومة والبرلمان والقضاء. ودسترة “المهام الخارجية للجيش” للمرة الأولى في مهام مخصصة لحفظ السلم وبعد انتهاء الحرب بقرار أممي أو أفريقي أو عربي، مع اشتراط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.

وإنشاء محكمة دستورية تراقب قرارات السلطات الثلاث والمعاهدات الدولية التي تصادق عليها الجزائر. وحل الأحزاب والجمعيات وتوقيف نشاط وسائل الإعلام “إلا بقرار قضائي” وإلغاء القرارات الصادرة عن الجهات السياسية أو الأمنية. وتحديد الولاية الرئاسية باثنتين لخمسة أعوام لكل واحدة، مع منع تجديدها لأكثر من ولايتين متتاليتين أو منفصلتين.

واسناد “رئاسة الحكومة” للأغلبية البرلمانية للمرة الأولى وفي حال إفراز صناديق الاقتراع “أغلبية رئاسية” يعين رئيس الجمهورية “وزيراً أول”.

الاستعداد للاستفتاء

اختتمت الأحد الماضي، فترة المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية بالجزائر استعدادا للاستفتاء على التعديلات الدستورية، وتأتي هذه المراجعة الاستثنائية، التي بدأت يوم 20 سبتمبر الجاري، تنفيذا لأحكام المادة 14 من القانون المتعلق بنظام الانتخابات.

وكان محمد شرفي رئيس السلطة المستقلة للانتخابات بالجزائر، قد كشف مؤخرا أن الكتلة الناخبة تبلغ حاليا 24 مليونا و111 ألفا و81 ناخبا، مشيرا إلى إنها ستتغير بعد المراجعة حيث يتوقع ارتفاعها بعد إضافة 500 أو 600 ألف ناخب جديد.

وأشار إلى إتاحة فرصة للناخبين الجدد لتسجيل أنفسهم إلكترونيا وهو ما من شأنه تحفيز الشباب على تسجيل أنفسهم في القوائم الانتخابية، معربًا عن ارتياحه لإقبال المواطنين على تسجيل أنفسهم إلكترونيا بمجرد انطلاق العملية.

وأوضح أن عملية الشطب من القوائم الانتخابية تتم بصفة آلية، مشيرا إلى أن عملية التسجيل كانت تسودها سابقا تعقيدات كثيرة، أما الآن فالأمر في غاية السهولة ومن شأن ذلك التحكم في البطاقة الوطنية للانتخابات. وشدد شرفي على أهمية “التحلي بروح المسؤولية والتفاني في العمل من أجل بناء الجزائر الجديدة وإرساء دعائم دولة تكون فيها الكلمة للشعب.

خلافات فى الشارع السياسي

وشهد الشارع الجزائري انقساما بين من يراه “تكريساً فعلياً للجزائر الجديدة والوعود الانتخابية للرئيس تبون، وقطيعة مع إرث نظام بوتفليقة ويجسد الديمقراطية التشاركية التي طالب بها الحراك الشعبي”.

وأعلنت “حركة مجتمع السلم”، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، أنها ستشارك في الاستفتاء على تعديل الدستور في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، داعية الى التصويت بـ”لا”.

وتُعدّ “حركة مجتمع السلم” أكبر أحزاب المعارضة والذراع السياسية الأبرز للإخوان المسلمين، ولديها كتلة من 34 نائبا من أصل 462، وهي منذ العام 2004 ضمن “التحالف الرئاسي الجزائري” الذي دعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي انتخب رئيسا للمرة الأولى في العام 1999 واستقال في نيسان/أبريل 2019. وخرجت الحركة من التحالف في العام 2012.

واعتبرت الحركة أن “الدستور المعروض للاستفتاء ليس دستورا توافقيا” وأن “ما انتهى إليه المشروع التمهيدي لم يراع الاقتراحات الأساسية للفاعلين السياسيين والاجتماعيين”.

وأعرب رئيس الحزب عبد الرزاق مقري عن أسفه لأنه “لم تتم الاستجابة إلى أغلب اقتراحاتنا الأساسية في الحركة”. وطالبت الحركة بتغيير “طبيعة النظام السياسي وتعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز الأول في الانتخابات التشريعية”. كما طالبت بـ”منع استعمال اللغة الفرنسية في المؤسسات والوثائق الرسمية”.

وأعلن الحزب رفضه عددا من مواد مشروع تعديل الدستور بينها المادة 51 المتعلقة بحماية الدولة لدور العبادة من التأثير السياسي والإيديولوجي، معتبرا أنها تجعل المسجد “مؤسسة علمانية تمنع من التدخل في المجالات السياسية وحتى الفكرية الجامعة التي يقرها الإسلام”.

كذلك رفض الحزب الإسلامي المادة 40 المتعلقة بحماية المرأة من العنف بكل أشكاله سواء في الأماكن العامة أو في المجال المهني أو في الحياة الخاصة واعتبر أنها “تهدد الفضاء الأسري الخاص”.

ورفض الحزب أيضا المادة 67 المتعلقة بضمان تكافؤ فرص تولي الوظائف العامة للمواطنين ولمزدوجي الجنسية، معتبرا أن هذه المادة “وحدها تلغي صلاحية هذا الدستور وتسقطه أخلاقيا وقانونيا وتجعل منه مسخرة على المستوى الدولي وتفتح باب التدخل السياسي الأجنبي”.