نشر معهد السلام الأمريكي تقريرًا حديثًا، عن خطورة تطبيع السودان مع إسرائيل في الوقت الراهن تحت غطاء مجلس انتقالي، فرغم أن هذا يخدم مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة، إلا أن من شأنه تفكيك المرحلة الانتقالية في الخرطوم وتوليد دعم متجدد للإسلاميين وداعميهم الأجانب في البلاد.
وتحت عنوان: “تطبيع السودان مع إسرائيل الآن لعبة خطرة”، أوضح التقرير، الذي أعده بايتون نوبف، مستشار كبير بمعهد الولايات المتحدة للسلام، وجيفري فيلتمان، باحث زائر للدبلوماسية الدولية في برنامج السياسية الخارجية بـ”معهد بروكنجز” الأمريكي، أنه بعد انضمام الإمارات، والبحرين إلى مصر، والأردن في اتفاقيات السلام مع إسرائيل، طرح سؤال على الساحة حول “من التالي”؟، إذ توجهت الأنظار مباشرة إلى السودان، لافتًا إلى أن إضافة فصول جديدة إلى اتفاقيات “إبراهام” في مصلحة الولايات المتحدة، ولكنه ليس كذلك بالنسبة للانتقال الديمقراطي الناجح في السودان.
تفويض شعبي
وبحسب الخبراء، فإن حكومة سودانية موحدة بتفويض شعبي ستكون أكثر قدرة على صياغة سلام دائم مع إسرائيل، في حين أن اتفاقًا سودانيًا إسرائيليًا متسرعًا يمكن أن يقوض المرحلة الانتقالية في السودان.
إن جاذبية السودان، الذي كان في يوم من الأيام في قبضة الإسلاميين وما يزال على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، أمر واضح، إذ يظهر في الصفحات الإيجابية لسجل السلام، وبعد إعلان اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والإمارات، كانت هناك موجة من التخمينات حول الدول العربية التي يمكن أن تطبع علاقاتها مع إسرائيل، وكان هناك نشاط دبلوماسي للحث على مثل هذه الخطوة وتحفيزها.
واستمرت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى الخرطوم في 25 أغسطس الماضي، والزيارة اللاحقة التي قام بها رئيس مجلس السيادة السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، إلى أبوظبي في 20 سبتمبر الجاري، في تغذية هذه التكهنات.
لقد تبنى الرئيس الأمريكي التطبيع ليس لأنه يأتي بالسلام بل بالعكس، فإن استمرار الظلم سيؤدي إلى سيادة الحركات المغالية والمتطرفة، ولكنه يسعى لدعم موقفه الانتخابي خصوصًا بعد الأزمات التي تواجهه مؤخرًا.
انتقال هش
ويبدو أن الجدل الدائر بشأن احتمالية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، قد تجاهل هشاشة النظام القائم في السودان في الوقت الراهن، والمخاطر التي قد يشكلها التطبيع المبكر على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات أيضًا.
“لا أحد يريد تكرار اتفاقية السلام الإسرائيلية اللبنانية لعام 1983، التي وقعتها حكومة لبنانية بدون شرعية شعبية، وانهارت في أقل من عام”، بحسب الكاتبان.
على الرغم من وحشية وقمع نظام “البشير”، ظل المجتمع المدني السوداني بما في ذلك النقابات والجمعيات المهنية نشطًا بشكل ملحوظ، حيث كان المشهد السياسي في السودان من أكثر المشاهد تنوعًا وحيوية في العالم العربي، وهو ما ساعد في سقوط نظام استمر 30 عامًا، وإقامة مجلس انتقالي يدير البلاد بشكل مؤقت.
لكن بعد مرور عام على الفترة الانتقالية، تفاقمت الأزمات الأمنية والاقتصادية، إذ انهار الجنية السوداني بشكل متسارع خلال الشهر الجاري، كما يعاني أكثر من نصف البلاد من انعدام الأمن الغذائي، وعلى الرغم من تعهدات الدعم، فشل المجتمع الدولي في توفير الموارد بما يتناسب مع الفرصة التاريخية للمرحلة الانتقالية، وتزايد الاستياء العام من الحكومة الانتقالية، واتسعت رقعة الانقسامات ليس بين الجهات الأمنية والمدنية فحسب، ولكن بداخلها أيضًا.
يجب أولًا وقبل كل شيء النظر في أي خطوات نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان في هذا السياق، لأن النظام القائم حالياً في السودان الآن فيه هشاشة، وفعل غير ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من تصدع المرحلة الانتقالية والدولة نفسها.
ثورة السودان وشرعية الانتقال
على جانب آخر، نوه الكاتبان بأن من أهم النقاط الغامضة في الإعلان الدستوري الذي تشكلت على صدده الحكومة الانتقالية يتمثل فيما إذا كان المجلس السيادي أو مجلس الوزراء أو المجلس التشريعي هو صاحب المسئولية الأولية في السياسة الخارجية.
فبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي للخرطوم، أكد “حمدوك” أن الحكومة ليس لديها تفويض لاتخاذ مثل هذا القرار المهم، بينما هناك مزاعم تفيد بأن “البرهان” عبر عن مزيد من الانفتاح، أما المجلس التشريعي، الذي يفترض أنه مفوض بتحديد الاتجاه السياسي لفترة الانتقال، فلم يشكل بعد.
كانت ثورة السودان مدفوعة بتطلعات واسعة النطاق بين السودانيين ليكون لهم رأي في حكمهم، ولا تزال العلاقة مع إسرائيل قضية مثيرة للجدل، على سبيل المثال، أثار لقاء “البرهان” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في أوغندا في فبراير الماضي موجة من الغضب ليس فقط بين الإسلاميين، ولكن بين العديد من القوى الليبرالية والعلمانية التي كانت في طليعة الثورة وملتزمة بالتعددية، لذا لا يمكن أن يكون قرار التطبيع تاريخيًا وغير منطقي في آن واحد.
واتخاذ حكومة لتصريف الأعمال قرارًا أحادي الجانب يعني أن التحرك يفتقر إلى الشرعية، وكذلك الاستمرارية والاستدامة، التي يمكن أن تضفيها عليها جمعية تشريعية أو حكومة منتخبة.
فرصة لا تتكرر
ومع ذلك، إذا نُظر إلى التطبيع على أنه ناتج عن استغلال يأس السودان الاقتصادي والإنساني، فسيكون أكثر استقطابًا بين الجمهور، وسيعجل بتآكل الدعم للمرحلة الانتقالية، ويعرض رئيس الوزراء لمكائد أولئك الموجودين داخل السودان، الذين يعارضون الإصلاح، بل من الأطراف الإقليمية ذاتها التي تعدها إسرائيل والإمارات خصوما أساسيين، بحسب المعهد.
وأكد التقرير أن الانتقال في السودان فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل للبلاد لكي ترسم مسارًا للخروج من الاستبداد والعنف نحو الديمقراطية والاستقرار، الأمر الذي من شأنه أن يرسل إشارات إيجابية عبر المنطقة المضطربة منذ مدة طويلة.
وينبغي أن تكون ليبيا “عبرة” و”تحذير” في هذا الصدد، وبالنظر إلى أن عدد سكان السودان يقارب ستة أضعاف عدد سكان ليبيا، فإن انهيار الدولة سيكون أكثر كارثية – ليس فقط لمواطنيها، ولكن لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في أوروبا والشرق الأوسط.
ويجب أن تتمثل الأولوية الأولى لواشنطن في قيادة مرحلة انتقالية ناجحة في السودان، وتشكيل حكومة موحَّدة تتمتع بشرعية شعبية قادرة على اتخاذ قرار تاريخي مثل اتفاق السلام الإسرائيلي السوداني.