قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن جائحة كوفيد -19 “كارثة” ولكنها أيضا “فرصة للأجيال لتشكيل مستقبلنا نحو الأفضل”. جاء ذلك خلال كلمته في اجتماع رؤساء الدول والحكومات بشأن تمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في عصر COVID-19 وما بعده، على هامش اجتماعات الجمعية العامة في الأمم المتحدة، عبر الفيديو كونفرنس أمس الثلاثاء.

وأوضح أنطونيو غوتيريش أن العواقب الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد-19 “سيئة كما كنا نخشاها”، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك الآن إذا كان يريد تجنب الركود العالمي، الذي يمكن أن يمحو عقودا من مكاسب التنمية. وأوضح الأمين العام أن العالم يعاني أكبر انكماش اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. إذ انخفض الدخل العالمي بأكثر من 10 بالمائة في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، وفقا لمنظمة العمل الدولية. وفي البلدان ذات الدخل المتوسط، يصل الرقم إلى 15 في المئة:

“تتحمل النساء والعاملون في القطاع غير الرسمي أثقل الأعباء. وأزمة الجوع العالمية تنتقل إلى مرحلة جديدة وخطيرة. في العديد من حالات الأزمات الإنسانية، يلوح خطر المجاعة في الأفق”.

وتسببت جائحة كـوفيد-19 وتدابير الطوارئ المتبعة للسيطرة عليها، مثل الإغلاق والقيود المفروضة على السفر، في تعريض أنظمة الصحة العامة للضغط وفقدان مئات ملايين العاملين حول العالم مصادر دخلهم بين عشية وضحاها.

عواقب اقتصادية

كما شهد العالم عواقب اقتصادية جمّة على الصعيد المالي بسبب ارتفاع النفقات الحكومية وانخفاض قواعد المساهمات الضريبية وانهيار تدفق النقد الأجنبي – والذي يؤثر على البلدان المعتمدة على مدخولات السياحة وتصدير السلع الأساسية. ويهدد هذا الوضع قدرة العديد من البلدان النامية على الالتزام بدفعات مستحقة على ديونها الخارجية، ويثير احتمال حدوث موجة من التخلف عن سداد الديون السيادية. كما أن الوضع يفرض مخاطر كبيرة تتهدد تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إن الجائحة لم تنفك تتواصل وتثير الاضطرابات في المنظومة الاقتصادية. إذ إن حوالي مليون شخص قد قضوا نحبهم بسبب كوفيد-19. وذكر أن كندا تمرّ الآن في بداية الموجة الثانية من تفشي المرض، داعيا إلى مضاعفة الجهود للتصدي الأزمة.

وقال إن بلاده لا تدخر وسعا من أجل إتاحة كل المعلومات لأبناء شعبها من أجل حماية أنفسهم. والأهم من ذلك، تعمل حكومته على إعادة تنشيط اقتصادها في ظل المحافظة على صحة الكنديين. ولكنه أشار إلى أن الأشهر الستة الماضية كشفت عن فجوات أساسية وعدم مساواة فيما بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد. “وكما هو الحال مع تغير المناخ الذي تسببت به ثلة من البلدان، فإن الجائحة تؤثر أكثر على أولئك الذين يملكون القليل”.

الدول النامية

وذكر ترودو أنه حتى الدول النامية التي لم تتأثر بشدة بالفيروس تواجه الآن صعوبات مالية بسبب فقدان عائدات التصدير والسياحة، مشيرا إلى أن العديد من بلدان الكاريبي ليس لديها إمكانية الوصول إلى الموارد المالية اللازمة لمساعدة سكانها.

وقال إن “الوقت قد حان أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ تدابير جريئة. وهذه الأزمة هي فرصة لنا للنظر في جميع الخيارات حتى تلك التي تم وضعها جانبا في الماضي لأنها كانت تعتبر طموحة للغاية”.

وعن جزر الكاريبي، التي تعتمد بشدة على الصناعات الخدماتية، ولا سيما السياحة، قال رئيس وزراء جامايكا إنها كانت من بين أكثر الجزر تأثراً. إذ كان الفقراء والضعفاء والنساء الضحايا الأساسيين.

وأضاف: “من الواضح أن نطاق هذه الجائحة المتفشية يتطلب إدارة عالمية استثنائية، شاملة ومستدامة لعملية التعافي. يحتاج العالم إلى خطة عالمية مبتكرة وطموحة ومؤثرة مثل خطة مارشال (التي وضعت) لتعافي أوروبا بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية”. وشدد على أن الاستخدام المتزايد للمنصات الافتراضية كبديل للمشاركة الحية المعتادة في عمليات التنمية البشرية واستمرارية الأعمال، يجعل من الضروري أن تصل جميع البلدان إلى التكنولوجيا الرقمية والاتصالات الفعالة. وقال: “لذلك، يجب أن يكون هذا أحد مجالات الدعم ذات الأولوية للبلدان النامية”.

وتحدث رئيس وزراء جامايكا أندرو هولنس قائلا: “نحن مقتنعون بأن حجم الأزمة يتطلب جهدا دوليا منسقا واسع النطاق”. وأضاف أن “الأمم المتحدة هي المنظمة العالمية الأنسب لقيادة هذه المبادرة، بدعم من المؤسسات ذات الآليات القائمة التي يمكن الاستفادة منها بسرعة لتحقيق النتائج التي يحتاجها العالم بشكل عاجل وخاصة العالم النامي”. وأعلن عن استثمار بلاده مبلغ 400 مليون دولار أمريكي إضافي في التمويل الإنساني والإنمائي لمكافحة كوفيد-19.

قال رئيس وزراء كندا إنه “بدءا من ضمان الوصول العادل للقاحات إلى توفير المزيد من الوقت للبلدان المنكوبة لتسديد مدفوعات الديون الثنائية، بما في ذلك منطقة البحر الكاريبي والدول الجزرية الصغيرة، نحن نعمل على إجراءات ملموسة من شأنها بناء عالم أكثر مرونة على المدى القصير والمتوسط والطويل”. وأضاف: “يجب على المجتمع العالمي ألا يتخلى عن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة. في الواقع، يجب أن ننتهز هذه الفرصة لفعل المزيد”.

مصر.. تخفيف أعباء ديون الدول النامية

وقال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، إن جائحة كورونا كشفت قصوراً في قدرات الدول والمؤسسات الدولية والإقليمية في التعامل الفعال لمواجهة الأزمة، وتحقيق التوازن المأمول بين اعتبارات الحفاظ على حياة الإنسان من جانب، وصون مقدراته الاقتصادية والاجتماعية من جانب آخر.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن مصر تدعم الجهود الرامية إلى تخفيف أعباء الديون على الدول النامية، وخاصة الإفريقية، وتيسير شروط الاقتراض من المؤسسات الدولية والإقليمية لضمان حصول الدول الأكثر احتياجاً على أدوات التمويل الميسر، وتشجيع الاستثمارات في تلك الدول وضمان استمرار تدفقها، جنباً إلى جنب مع أهمية انتظام حركة التجارة الدولية لدورها الحيوي في دعم جهود التنمية، مضيفاً أن مصر تدعم أيضاً الجهود الدولية التي تستهدف خفض تكلفة التحويلات على العمالة في الخارج.

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن جائحة كورونا وضعت مزيداً من الأعباء على الدول والحكومات لتوفير موارد إضافية للتعامل مع آثارها السلبية، في الوقت الذي انخفضت فيه مواردها بسبب انكماش النمو الاقتصادي والهبوط في العوائد الضريبية، لافتاً إلى أن هذه التحديات فرضت ضرورة إعادة ترتيب الأولويات وتحديد حجم الاحتياجات التمويلية، والتعاون بين شركاء التنمية سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الاقليمي والأممي، لتنويع مصادر التمويل من خلال آليات مبتكرة للتمويل مثل : السندات الخضراء، وتشجيع إنشاء أنواع مختلفة من صناديق الثروة السيادية، ودعم آلية تخفيف أعباء الديون، مثل التوسع في آلية مبادلة الديون لتمويل الاستثمار الموجه لأهداف التنمية المستدامة.

وأوضح أن هذه الأزمة رتبت آثارا شديدة السلبية على العمالة غير الرسمية، الأمر الذي يتعين معه تكاتف خبرات وجهود دول العالم من أجل التوصل لأفكار خلاقة لتطوير سوق العمل الرسمي ليصبح مؤهلاً لامتصاص العمالة غير الرسمية ودمجها في قنواته الشرعية، وتوفير تدريب لتطوير قدراتها بما يتناسب مع سوق العمل الرسمي ويزيد من القيمة المضافة التي تساهم بها في الاقتصادات الوطنية، مع إيلاء مزيد من الاهتمام بقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والعمل على دمجها في سلاسل التوريد المحلية والدولية لتعزيز قدراتها الانتاجية والتصديرية.

فلسطين.. أطلس للتنمية المستدامة

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني، د. محمد اشتية، إن دولة فلسطين لا تدخر جهدا بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، وأي جهد لترجمة أهداف التنمية المستدامة إلى واقع ملموس، من خلال معالجة التفاوتات الاجتماعية والإقليمية، فضلاً عن الأثر الصحي والاجتماعي والاقتصادي للوباء، ويتم تنفيذ هذه الجهود رغم التحديات السياسية والاقتصادية والمالية المتفاقمة في فلسطين.

وأضاف، في الوقت الذي تستمر فيه المساعدات الدولية في الانخفاض، تعاني فلسطين من حقيقة عدم امتلاكها عملة وطنية، وعدم وصولها إلى دعم من ميزانية صندوق النقد الدولي، وعدم إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية مثل البلدان الأخرى”.

وتابع اشتية: أطلقنا مؤخرًا، بالتعاون مع الأمم المتحدة، أطلسًا للتنمية المستدامة، وهو أول جهد من نوعه في جميع أنحاء العالم، يظهر إنجازاتنا وأيضًا يسلط الضوء على نقاط الضعف التي نواجهها.

وأردف رئيس الوزراء: في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل يصعب علينا تنفيذ أهداف التنمية المستدامة فيها، بسبب سيطرتها غير القانونية على أرضنا ومواردنا وحدودنا، فالتنمية ليست مستدامة في ظل الاحتلال، وإنهاء هذا الاحتلال سيطلق العنان لإمكاناتنا الحقيقية.

واستطرد اشتية: إن هذا الوباء خطر يهدد حياة الإنسان وسبل عيش شعوبنا، وتأثيره الاجتماعي والاقتصادي سوف يبقى بعد انتهاء الفيروس، في حين أن البلدان المتقدمة تكون في بعض الحالات أكثر تضرراً من الضرر الذي سببه الوباء، فلا شك في أن البلدان النامية ستكون الأكثر معاناة من تداعياته الاجتماعية والاقتصادية، حيث في المنتدى السياسي رفيع المستوى في العام الماضي، طالبنا بمزيد من التمويل من أجل التنمية، فهذا الوباء يجعل دعواتنا أكثر إلحاحا.