الجالية الأرمنية تكونت في مصر منذ العصر الفاطمي

مصر لم تفرض على الأرمن تغيير هويتهم بل حافظت عليها

العلاقات بين مصر الدولة والأرمن اتسمت بالإيجابية والفعالية

الأرمن المصريون يعيشون في مصر بهويتين متداخلتين غير متناقضتين

العلاقات بين القاهرة وأنقرة لم تؤثر على وضع الأرمن بمصر

 

يبلغ عدد الأرمن في مصر حوالى 8000 نسمة، يعمل معظمهم رجال أعمال وحرفيين وأطباء، ويميلون إلى تحصيل أكبر قدر من التعليم.

والأرمن جماعة عرقية ذات أصول تاريخية عميقة في مصر، وهي جالية لها لغتها وكنائسها ومدارسها الخاصة، كما أن لها مؤسساتها الاجتماعية، وانخفض عدد الأرمن في مصر نتيجة الهجرة إلى بلدان أخرى كأرمينيا وكندا وأمريكا.

ومن جهة أخرى، استقبل الأرمن في مصر، عائلات أرمنية هاجرت من بلدها الأم كسوريا أو لبنان، بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها مثل هذه البلاد.

“مصر 360 ” التقى المؤرخ المصري محمد رفعت الإمام، المتخصص في الشأن الأرمني والتركي، لنلقي معه الضوء على الأرمن المصريين.

بداية.. من هم المصريون الأرمن؟ وكيف نرى هذه التجانس في الشعب المصري؟

تكونت الجالية الأرمنية في مصر منذ العصر الفاطمي، نتيجة هجراتهم المتتالية والمتراكمة، تارة بإرادتهم، وتارات أخرى رغمًا عنهم هروبًا من الاضطرابات والمذابح والإبادة.

ولم تفرض مصر عليهم تغيير هويتهم، بل ساعدتهم على الحفاظ عليها، ولذا عاش الأرمن المصريون بهويتين متداخلتين غير متناقضتين، الأرمنية داخل المصرية.

ونجح الأرمن في أن يتكيفوا تمامًا مع كل ما هو مصري، وفي خط متضافر مع كل ما هو أرمني، فالأرمني الذي يعشق بداخله جبل أرارات، يتباهى بكل فخر بالأهرامات.

ماذا قدمت مصر للأرمن؟ و ماذا قدموا  هم لمصر؟

في البداية اتسمت العلاقات بين الأرمن ومصر الأمة والدولة بالإيجابية والفعالية والعطاء المتبادل، فقد وفرت مصر للأرمن سُبل الحياة الكريمة، ومنحتهم حقوق المواطنة الكاملة دون أي تمييز، وحافظت على هويتهم الأرمنية دون طمس.

أبقت مصر كنائسهم وأديرتهم ومدارسهم وأنديتهم وجمعياتهم بأسمائها الأرمنية وفعاليتها الأرمنية دون أدني تدخل أو تأثير، مما أسهم في حفاظ الأرمن على ثقافتهم الفرعية في سياق الثقافة المصرية العامة.

في المقابل، عاش الأرمن المصريون كمواطنين مخلصين لبلدهم، وتفانوا في تقديم كل مجهود إيجابي لخدمة مصر، ليس ردًا للجميل بقدر كونهم مواطنين مصريين أكفاء.

ما الذي يمنع مصر من الاعتراف بالإبادة الأرمنية؟

 لم تكن مصر طرفًا في أحداث الإبادة الأرمنية شأن ألمانيا والنمسا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، وليس من تقاليد الدبلوماسية المصرية المكايدة السياسية ضد تركيا شأن اليونان وسوريا و قبرص، كما أن مصر دولة محورية في العالم الإسلامي لاسيما أزهرها الشريف الحريص على عدم تصوير الإبادة كونها صراع ديني مسيحي – إسلامي.

وعلى أرض الواقع، منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، استقبلت مصر آلاف الناجين من المذابح و الإبادة في أعوام ١٨٩٤-١٩٠٩ ، ١٩١٥-١٩١٨ ، ١٩٢٣-١٩٢٧ و أنقذت آلاف اللاجئين لاسيما من الأطفال و السيدات و الأيتام، و منحتهم المواطنة الكاملة، و حفظت لهم هويتهم الأرمنية.

وفي مصر، صدر أول كتاب في العالم عام ١٩١٧ عن المذابح في أرمنيا بقلم المحامي السوري فايز الغصين، و تأسست أحزاب أرمنية في مصر للدفاع عن القضية الأرمنية.

ومنذ ميلاد القضية الأرمنية في عام ١٨٧٨ و حتى الآن، لم تنقطع الكتابات الصحيفة عنها علاوة على عشرات البرامج التلفزيونية و الأفلام الوثائقية و الدراسات الأكاديمية بالجامعات المصرية و المراكز العلمية.

زخم من الدعاية للقضية الأرمنية في مصر ليس له مثيل في أية دولة شرق أوسطية، ولكن اعتراف مصر الدولة بالإبادة الأرمنية لن يكون سهلاً لعدم وجود لوبي أرمني قوي ومؤثر في صناعة القرار السياسي بمصر شأن اللوبيات الأرمنية في فرنسا وأمريكا.

كما أن تصدير صورة الإبادة على أنها فعل صراع إسلامي – مسيحي، يجعل مصر الأزهر في مأزق لاسيما أن منظمة العالم الإسلامي ذات تأثير على السعودية ومصر وغيرهما من البلاد الإسلامية.

ولا توجد حدود مباشرة بين مصر وأرمنيا وحتى العلاقات الدبلوماسية تقع في خانة “العادية”.

يتحدث البعض عن احتمال حدوث تقارب بين مصر وتركيا.. هل سيؤثر هذا حال وقوعه على وضع الأرمن داخل البلاد؟

لم يحدث أن تعرض وضع الأرمن في مصر، سلبًا أو إيجابًا بسبب التجاذبات السياسية بين مصر وتركيا، فلأرمن أمام القانون ليسوا أجانب أو حتى طوائف عرقية، ولكنهم مواطنون مصريون ذوو ثقافة فرعية شأن النوبيين و الأمازيغ و البدو.

ولهذا، أيًا كانت درجة وطبيعة العلاقات المصرية التركية، فلن يؤثر هذا على وضعية الأرمن لأنهم مواطنون مصريون.

قبل أيام زار وزير خارجية أرمينيا مصر.. هل نشهد تطورًا في العلاقة بين البلدين خلال الفترة المقبلة؟

لا شك أن ميزان القوى السياسي والثقل الاقتصادي أخذ ينتقل من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى – القوقاز، حيث اللعبة الكبرى بين عدد من الدول (روسيا، أمريكا، بريطانيا، الهند، تركيا، إيران، الصين، إسرائيل).

وأتوقع أن المعادلة الجيوسياسية التقليدية في طريقها إلى تغيير البوصلة صوب آسيا الوسطى والقوقاز، ولذا، يجب أن تُسارع مصر في تطوير علاقتها بأرمينيا حتى تكون أحد أبرز مفاتيحها إلى التواجد في لعبة القرن الحادي والعشرين الچيوسياسية.