أثارت نتائج انتخابات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ردود أفعال قوية، بعد نجاح كل من الصين وروسيا، اللتان تواجهان انتقادات حقوقية، في تجديد عضويتهما، بينما فشلت المملكة العربية السعودية في الحفاظ على مقعدها لصالح دول آسيوية مثل نيبال وباكستان وأوزبكستان.

وانتخب، أمس، 15 دولة لعضوية المجلس، لمدة تستمر ثلاث سنوات اعتبارا من 1 يناير 2021، وهذه الدول هي: بوليفيا والصين وكوت ديفوار والغابون وكوبا وفرنسا وملاوي والمكسيك ونيبال وباكستان وروسيا والسنغال وأوكرانيا وأوزبكستان وبريطانيا.

ويتألف مجلس حقوق الإنسان من 47 دولة عضواً تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاقتراع المباشر والسري، وأعيد أمس انتخاب السنغال ونيبال وباكستان وأوكرانيا والمكسيك لفترة ثانية تستمر ثلاث سنوات. ولا يمكن انتخاب أي دولة لعضوية المجلس أكثر من مرتين متتاليتين.

استياء أمريكي. واندهاش من فوز روسيا

انضمام الصين وروسيا لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أزعج الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع وزارة الخارجية الأمريكية إلى انتقاد قرار انتخاب دول تملك “سجلات بغيضة” في الانتهاكات الإنسانية.

وقال بيان لمايك بومبيو، إن هذه الانتخابات تؤكد صحة قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من المجلس، واستخدام أماكن وفرص أخرى لحماية وتعزيز حقوق الإنسان العالمية.

وكانت واشنطن قد دعت، قبل اتخاذ قرار الانسحاب وبعد خروجها، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتخاذ إجراءات فورية لإصلاح المجلس قبل أن يصبح غير قابل للإصلاح.

وكانت 33 منظمة حقوقية، من بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، حثت في رسالة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على عدم التصويت لصالح حصول روسيا على مقعد في مجلس حقوق الإنسان، بسبب سجلها الحقوقي المخجل، وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا وأوكرانيا وجورجيا.

ودعت المنظمات، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أن تأخذ بعين الاعتبار، الهجمات العشوائية وجرائم الحرب الروسية في سوريا وجهودها المستمرة لمنع المحاسبة على هذه الانتهاكات، واستمرار الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في شبه جزيرة القرم ودونباس (أوكرانيا)، والغزو العسكري الروسي واحتلال الأراضي الجورجية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد السكان الجورجيين في المناطق المحتلة، والزحف الحدودي داخل الأراضي الجورجية.

الرسالة حذرت من أن انتخاب روسيا وعضويتها في المجلس ستكون بمثابة مكافأة على جرائمها، وتعزيزًا لمزيد من الإفلات من العقاب على انتهاكاتها واسعة النطاق لحقوق الإنسان المرتكبة في الداخل وفي سوريا وأوكرانيا وجورجيا.

هذا بالنسبة لروسيا، أما الصين لا تختلف كثيرا بالنسبة لانتقاد سجلها الحقوقي، فتتهمها دول غربية منذ فترة طويلة باعتقال نحو مليون شخص -أغلبهم مسلمون- في معسكرات “لإعادة التأهيل” في إقليم شينجيانغ (شمال غربي الصين).

وبعد أن كانت بكين تنفي وجود معسكرات اعتقال من هذا النوع، صارت تقول إنها تبني مراكز تدريب مهني تهدف إلى منع التطرف في الإقليم الذي شهد اضطرابات على مدى سنوات.

وفي سبتمبر الماضي، وجهت 300 منظمة حقوقية إقليمية ودولية، رسالة مفتوحة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدةأنطونيو غوتيريس، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ميشيل باشليت، تدعو الدول الأعضاء في المجلس، لتشكيل آلية أممية مستقلة للتصدي لانتهاكات الحكومة الصينية لحقوق الإنسان.

إلا أن تجربة الصين الرائدة في القضاء على الفقر،  ونجاحها على مدار العقود الأربعة الماضية في نجاة أكثر من 850 مليون شخص في الصين من الفقر،  يجعلها في قائمة الدول المساهمة في تعزيز حقوق الإنسان، خصوصا بعد أن تعهدت الدولة بالقضاء على الفقر في ألف قرية تعاني من ضعف الخدمات والمجاعة خلال العام الحالي، رغم ما تعانيه من تحديات كبيرة على مستوى التصدي لكوفيد 19.

لماذا فشلت السعودية في الحفاظ على عضويتها؟

إخفاق السعودية في الحصول على مقعد بمجلس حقوق الإنسان لصالح دول مثل نيبال وباكستان وأوزبكستان، لم يكن مفاجئا في ظل التقارير الحقوقية التي انتقدت سياسات المملكة في هذا الملف بالتزامن مع الترشح، وهو ما ترجمه تصريح لويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في “هيومن رايتس ووتش”، بأنه لا ينبغي مكافأة عتاة المنتهكين بشغل مقاعد في مجلس حقوق الإنسان.

وكانت المملكة قد فازت بمقعد في انتخابات 2016 بأغلبية 152 صوتا، لكنه فشلت في الاحتفاظ به هذه المرة لأسباب نرصدها في هذا التقرير.

وعارضت منظمات حقوقية بارزة فكرة ترشيح السعودية للانضمام للمجلس الذي يشترط مراعاة إسهام الدول المرشحة في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وكذلك تعهداتها والتزاماتها الطوعية في هذا الصدد.

وتواجه المملكة اتهامات بملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين ونشطاء حقوق المرأة، كما أنها  تظهر سوى قدر ضئيل من المساءلة عن الانتهاكات السابقة، بما في ذلك مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في أسطنبول قبل عامين.

وكانت السعودية حكمت على ثمانية أشخاص متهمين بالقتل بالسجن لمدد تتراوح بين 7 – 20 عاماً، فيما وصفته بأنه حكم “هائي في القضية.

وقبل الانتخابات بأيام قليلة، أصدرت “هيومن رايتس ووتش” تقريرا مطولا عن إنفاق السعودية مليارات الدولارات على استضافة الأحداث الترفيهية والثقافية والرياضية الكبرى كاستراتيجية متعمدة لصرف الأنظار عن صورتها كدولة ترتكب انتهاكات متفشية، وتمليع صورتها في هذا الشأن.

ويقول مايكل بَيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، في شهادة له: “ينبغي أن يتمتع المواطنون والمقيمون في السعودية بالفعاليات الترفيهية والرياضية من الدرجة الأولى، لكن ينبغي أن يتمتعوا أيضا بالحقوق الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع السلمي. لذا، عندما تتقاضى مجموعة من نجوم هوليوود والرياضيين الدوليين وغيرهم من المشاهير العالميين أموالا حكومية لأداء عروضهم في السعودية، بينما يسكتون عن السجل الحقوقي للحكومة، فإنهم يعززون استراتيجيةً لتلميع انتهاكات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”.

وبحسب المنظمة، سمحت الحكومة السعودية مرارا باحتجاز المواطنين لانتقادهم السلمي لسياسات الحكومة أو لنشاطهم الحقوقي، لكن كانت اعتقالات ما بعد 2017 ملحوظة من حيث عدد المستهدفين وتنوعهم خلال فترة قصيرة، والممارسات القمعية الجديدة.

وشمل ذلك احتجاز أشخاص في مواقع اعتقال غير رسمية، مثل احتجاز ما يسمى بمعتقلي الفساد في فندق الخمس نجوم “ريتز كارلتون” في الرياض من أواخر 2017 إلى أوائل 2018، وناشطات حقوق المرأة البارزين فيما وُصف بـ “فندق” أو “دار ضيافة” خلال منتصف 2018. ثمة مزاعم موثوقة بشأن تفشي التعذيب وسوء المعاملة في تلك المواقع.

ونشرت شبكة آيفكس، وهي شبكة معنية بالدفاع عن الحق في التعبير، تقريرا عن لجوء بعض المعارضين السعوديين الذين يعيشون في المنفى بتدشين حزباً معارضاً، مما شكل تحدياً غير مسبوق للطبقة الحاكمة في البلاد.

ودعا حزب التجمع الوطني، الذي يعتبر أول مقاومة سياسية منظمة في عهد الملك سلمان، إلى الحكم الديمقراطي في البلاد التي تخضع للملكية المطلقة. وتحدث الحزب، في بيان له، عن “انتهاج السلطة المستمر لممارسات العنف وتزايد الاعتقالات والاغتيالات السياسية، وتصاعد السياسات العدوانية ضد دول المنطقة وممارسات الاخفاء والتهجير القسري العنيفة”.

هل فقد المجلس الفاعلية؟

لم تمثل نتائج مجلس حقوق الإنسان أي مفاجأة بالنسبة للمحامي الحقوقي نجاد البرعي، معتبرا أن بعض الدول والهيئات تضخم من دور مجلس حقوق الإنسان على الرغم من تراجع صلاحياته وفقدانه فاعليته في السنوات الأخيرة.

وأوضح البرعي أن هذا المجلس مجرد منظمة حكومية تتحكم فيه الدول الكبرى وأصحاب النفوذ في العالم، ولا يعد معيارا أساسيا في تقييم السجل الحقوقي لأي دولة، فالمؤشرات تقول إن 10 % فقط من دول العالم هي من يتمتع مواطنيها بالحرية أما البقية بين حرية منقوصة أو غياب تام للحريات العامة والخاصة.

وأرجع البرعي خسارة المملكة العربية السعودية إلى تأثرها بتوايع قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصيلة السعودية بتركيا، وعدم قدرتها على شراء الأصوات، حيث يسود اعتقاد دائم أن السعودية تشتري هذا المقعد كنوع من الوجاهة لكن هذا العام الدول المتنافسة في آسيا تدعمها كيانات كبيرة.

وتابع: “كيان الأمم المتحدة فقد بريقه وصلاحياته في السنوات الأخيرة ولا يصدر منه تقارير ملزمة باستثناء تقارير المفوض السامي، وسنرى قريبا انسحاب دول عظمى بعد انسحاب أمريكا في 2018 بعد شعورهم بعدم فعليته”.

وبخصوص استمرار السنغال وانضام الجابون ومالوي ضمن 13 مقعدا لأفريقيا في المجلس، علق البرعي: ” الحركة الحقوقية في أفريقيا حركة نشطة وقديمة ومحاموها يدافعون عن قضايا حقيقية ويقدمون تضحيات لكن الحكومات في واد آخر”.