بعد حوالي عامين ونصف من الحبس الاحتياطي على ذمم قضايا لم يُفصل فيها، وصل المدون وفنان الفيديو شادي أبوزيد إلى بيته أخيرًا مصحوبًا بقرار إخضاعه لإجراءات احترازية تفرض عليه قضاء يومين أسبوعيًا في قسم الشرطة الذي يتبعه محل إقامته المثبت في بطاقته الشخصية.
شادي واحد من عشرات المحبوسين في قضايا ذات صبغة سياسية لا تزال حياتهم معلقة بأماكن الاحتجاز حتى بعد إخلاء سبيلهم.
ما هي التدابير الاحترازية؟
التدابير الاحترازية هي استبدال للحبس الاحتياطي وفقا للقانون، ولها 3 أشكال وفقا لما يذكره المحامي الحقوقي نبيه الجنادي: الشكل الأول منها هو إلزام الشخص بملازمة منزله ومراقبة التزامه من خلال أحد أفراد الشرطة الذي يتابع تواجد الشخض بالمنزل، ويصدر قرار بحبسه من جديد حال الإبلاغ بمغادرته للبيت من فرد الشرطة المكلف بالمراقبة. أما الشكل الثاني لها – وهو الأوسع تطبيقا- فهو تسليم الشخص نفسه للقسم يومين في الأسبوع لمدة 3 ساعات، والتوقيع على كشف الحضور، وفي حال تاخره عن تسليم نفسه للقسم في المواعيد المحددة يعد هاربًا ويحرر محضر ضده ويصدر قرار بضبطه وإحضاره مجددا. الشكل الثالث هو حظر ذهاب المتهم المخلى سبيله إلى أماكن محدده يذكرها القرار القضائي. ويعطي القانون الحق للمحكمة في تحديد شكل التدابير التي سيتبعها المخلى سبيله، ويكون نص القرار الصادر هو استبدال حبس الشخص بالتدابير الاحترازية التي تحددها المحكمة، وهنا يعد الشخض مازال على ذمة القضية، ولكنه خارج الحبس.
عند وضع الشخص المحبوس احتياطيًا تحت الإجراءات الاحترازية للإفراج عنه، رغم عدم فصل المحكمة في حقيقة ارتكابه للجرائم المتهم بها، تظل حقوقه العامة منتقصة، فهو لا يملك حرية السفر والتنقل خارج البلاد. وتظل حركته داخل البلاد مقيدة بمواعيد قضاء فترة الاحتجاز المؤقت في قسم الشرطة أو محل إقامته إن كان يخضع للمراقبة المنزلية. ومن الممكن أن يسمح له بالتنقل بين المحافظات بعد موافقة الأجهزة الأمنية وتقديم ما يفيد بضرورة تنقل الشخص من محافظة لأخرى لأداء أشياء ضرورية. كما أنه من الممكن أن يمنح إجازة من المراقبة عند تقديم ما يلزم ليثبت ضرورة عدم وجوده في القسم في الوقت المطلوب “لإنهاء بعض المهام الضرورية”.
المستشار محمد السحيمي، أوضح أن المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية، تنص على أن أمر الحبس يصدر بقرار من وكيل النيابة أو النيابة العامة، ويمكن استبدال الحبس الاحتياطي بواحد من 3 تدابير، وهو الأمر التي تحدده السلطة المختصة وفقا لكل قضية، ويكون الهدف منها ضمان وجود الشخص المتهم في القضية داخل البلاد، وإمكانية استدعاءه عند الحاجة للاستماع لأقواله.
أحد أبرز الخاضعين للإجراءات الاحترازية هو الكاتب الصحفي هشام جعفر المخلى سبيله في مارس 2019 بتدابير احترازية، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 720 لسنة 2015 حصر أمن دولة، والتي واجه أثناءها اتهامات الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، وتلقي رشوة دولية. وسبقه العديد من النشطاء والسياسين الذين طبق عليهم القرار، ومنهم زيزو عبده عضو حركة شباب 6 أبريل، وهيثم محمدين القيادي بحركة الإشتراكيين الثوريين، والناشط السياسي وائل عباس وغيرهم، وتلزم التدابير الاحترازية وجود الشخص بالقسم التابع لمحل إقامته، كما أوضح المحامي الحقوقي نبيه الجنادي: “يحضر الشخص للقسم التابع لمحل إقامته ببطاقة الرقم القومي”.
نداءات ومطالب
الحبس الاحتياطي نوقش مرات عدة على طاولة البرلمان المصري، ففي العام الماضي تقدم النائب البرلماني علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان، بمشروع قانون لاستبدال الحبس الاحتياطي بعدة طرق، ومنها المراقبة الإلكترونية التي تطبق في عدد من الدول، وخلالها يرتدي الشخص سوارًا إلكترونيًا يتيح للسلطات تتبع تحركاته والقبض عليه إذا حاول الهرب.
المطالبات الحقوقية التي تأتي حول الإفراج عن معتقلي الرأي أو النشطاء السياسيين وغيرهم تأتي معها مطالبات بتنفيذ الإجراءات الاحترازية كبديل أخف من الحبس. وتقدم المحامي الحقوقي ناصر أمين عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مارس الماضي بنداء للنائب العام بإطلاق سراح المحبوسين وتطبيق التدابير الاحترازية بديلا عن الحبس الاحتياطي. مشيرا إلى أنه إجراء يسمح بإقامة الشخص مع ذوية ومنع التكدس في أماكن الاحتجاز، خاصة في الفترة التي شهدت ذروة انتشار فيروس كورونا المستجد. خاصة وأن الإجراءات الاحترازية تضمن بقاء المتهمين داخل البلاد واستمرار التحقيقات معهم لحين إخضاعهم للمحاكمة.
المراقبة الشرطية
المراقبة الشرطية مصطلح يختلف عن التدابير الاحترازية، لأنه يتعلق بالجرايم التي صدر بها أحكام، ووفقا للمواد 28 و29 و30 من قانون العقوبات، فإن المراقبة الشرطية تأتي لمراقبة سلوك الشخص بعد الإفراج عنه بعد قضاء مدة الحكم المحددة، المادة 28من قانون العقوبات على أنه من يحكم عليه بالسجن المؤبد أو المشدد أو السجن لجناية مخلة بأمن الحكومة أو تزييف نقود أو سرقة أو قتل فى الأحوال المبينة فى الفقرة الثانية من المادة 234 من هذا القانون أو لجناية من المنصوص عليها فى المواد 356 و368 يجب وضعه بعد انقضاء مدة عقوبته تحت مراقبة البوليس مدة مساوية لمدة عقوبته بدون أن تزيد مدة المراقبة على خمس سنين. ومع ذلك يجوز للقاضى أن يخفض مدة المراقبة أو أن يقضى بعدمها جملة.
قضى أحمد ماهر منسق حركة شباب 6 أبريل 3 أعوام في المراقبة الشرطية، بعد الإفراج عنه عقب حبس استمر 3 سنوات بتهمتي خرق قانون التظاهر والتعدي على قوات الأمن المكلفة بتأمين محكمة عابدين. وتأتي المراقبة وفقا للمحامين كجزء من العقوبة وليس إجراء تكميلي وفقا لما ينص عليه القانون، وتتم من خلال تواجد الشخص بقسم الشرطة يوميا من المغرب وحتى صباح اليوم التالي.
“للأسف أنا مش حر ولا حتى بالمعنى المنقوص للحرية الدارج في بلادنا. أنا بسلم نفسي كل يوم لمهانة ومذلة اسمهاالمراقبة”. كتب الناشط السياسي علاء عبد الفتاح تلك التدوينة عقب الإفراج عنه بعد قضاء عقوبة سجن مدتها خمس سنوات بتهمة التحريض على التظاهر وتهم أخرى في القضية المعروفة إعلاميًا بمظاهرات مجلس الشورى. بدأ علاء في تنفيذ المراقبة الشرطية عقب الإفراج عنه مباشرة، وكان من المنتظر ان يخضع لها لمدة خمس سنوات لولا ان ألقت قوات الشرطة القبض عليه من مقر احتجازه بأحد أقسام الشرطة خلال مظاهرات 20 سبتمبر 2019. قال عبد الفتاح حينها إنه مستعد لارتداء سوار إلكتروني والتعهد بعدم مغادرة المنزل، بدلا من قضاء المراقبة الشرطية في القسم يوميا.
في أغسطس الماضي وافق البرلمان على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 99 لسنة 1945 بتنظيم الوضع تحت مراقبة الشرطة. وجاء بالتعديلات أنه يعين وزير الداخلية محل تنفيذ عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة بديوان القسم أو المركز أو نقطة الشرطة أو بمقر العمودية، أو بأي مكان آخر يتخذ كمحل إقامة للمراقب خارج دائرة المحافظة أو المديرية التي وقعت فيها الجريمة؟ ويجيز لمدير الأمن قبول طلب المحكوم عليه تنفيذ عقوبة المراقبة في الجهة التي يقيم بها، وذلك بعد التحقق من توافر الضمانات الكافية لتنفيذ العقوبة، وعدم وجود خطر على حياة المحكوم عليه.
استفاد الناشط محمد عادل هضو حركة 6 أبريل من تعديل القانون الذي صار يسمح بقضاء عقوبة المراقبة الشرطية في المنزل، بعدما حصلت محاميته عزيزة الطويل على حكم قضائي بتطبيق تعديلات القانون عليه. قبلها، كان محمد عادل يقضي فترة مراقبته بقسم الشرطة يوميا من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحا لمدة 3 سنوات، بموجب الحكم الصادر ضده وأنهى حوالي عام ونصف في المراقبة، وخلال حضوره فترة المراقبة بقسم الشرطة، تم التحقيق معه في قضيتين جديدتين. وقالت عزيزة إنه بعد إخلاء سبيله من القضيتين المحبوس الآن على ذمتهما احتياطيا، من المقرر أن يستكمل فترة المراقبة من منزله، وعدم مبارحته إلا في الصباح.
التأخر عن حضور المراقبة الشرطية يعرض الشخص لمساءلة قانونية جديدة، وهو ما حدث مع أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 أبريل، ففي رمضان 2017 مثل أمام محكمة الجنح بسبب التأخر عن حضور المراقبة الشرطية في القسم لمدة ساعة واحدة، وقال محاميه حينها إن سبب التأخير كان مرض والدته، فقضت محكمة الجنج ببراءته.
يرى العديد من النشطاء أن المراقبة الشرطية تقييد للحريات وسلب للحقوق، فقبل القبض عليه على ذمة قضية جديدة، أقام الناشط السياسي علاء عبد الفتاح دعوى لتمكينة من قضاء المراقبة الشرطية في المنزل بدلا من قسم الشرطة.
ووفقا للمادة 29 من قانون العقوبات، يعد “الهروب من المراقبة” جنحة يصل الحكم بها إلى الحبس سنة، كما جاء في نص المادة. وفي حالة تأخر الخاضع للمراقبة أوتغيبه، يُحرِّر الضابط المسؤول محضرًا بتغيبه عن التدابير، ويقدر القاضي الأمر إما بتحويلها لجنحه؛ ومن الممكن هنا أن تسقط التدابير ويعاد حبسه على ذمة القضية مجددا، أو إسقاط الجنحة واستكماله للتدابير الاحترازية.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ذكرت في ورقة عمل لها، أن الحالات التي يوضع فيها الفرد تحت المراقبة الشرطية تنقسم إلى قسمين رئيسيين، الأول: الأشخاص الصادر بحقهم أحكام قضائية بالوضع تحت المراقبة، سواء كعقوبة أصلية أو عقوبة تكميلية. أو صدرت ضدهم أحكام يترتب عليها تلقائيًّا الوضع تحت مراقبة الشرطة والمسماة بالعقوبة التبعية. أما القسم الثاني فهو الوضع تحت المراقبة كإجراء بديل لباقي العقوبة المقيِّدة للحرية للأشخاص المفرج عنهم مبكرًا من السجون سواء بسبب قرار عفو رئاسي، أو بسبب الإفراج تحت شرط بعد مُضي نصف المدة وفقًا لقانون السجون.
وقالت المحامية الحقوقية عزيزة الطويل إنه لا يوجد نص قانوني يسمح بإجبار الخاضعين للمراقبة الشرطية على المشاركة في أعمال نظافة في القسم أو غيرها كما حاول أحد الضباط المشرفين على المراقبة إخضاع الناشط أحمد ماهر لتنظيف قسم الشرطة في أكتوبر 2017 خلال فترة المراقبة. كما أن التغيب عن المراقبة أو التدابير يرجع لسلطة القاضي التقديرية، فعند تغيب شخص عن المراقبة ينظر القاضي الجنحة، وإن كان الشخص غير معتاد على التأخير وحدث الأمر لظرف طاريء تسقط الجنحة. أما إذا كان الشخص معتادا على التأخير أو التغيب عن المراقبة فيتم الحكم عليه بالسجن لمدة عام.