آثار اتهام سيدة بريطانية لوزير التسامح الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان بالاعتداء الجنسي عليها، جدلاً واسعًا، إذ قالت إنها تعرضت للاعتداء أثناء عملها في تحضيرات إطلاق مهرجان “هاي” الأدبي البريطاني الشهير في نسخته الشرق أوسطية في أبو ظبي. وتصدرت تصريحاتها عناوين الصحف الأجنبية. إلا أن ممثل الوزير نفي هذه الاتهام ووصفه بـ”الحزين”.
واتهمت كايتلين ماكنامارا، البالغة من العمر 32 عامًا، والتي كانت تستعد لتنظيم “مهرجان هاي” الأدبي في الإمارات، أحد أفراد العائلة المالكة في أبو ظبي، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان (62)، بفرض نفسه عليها في منزله بإحدى الجزر الصناعية الإماراتية في عيد الحب الماضي.
في المقابل، نفى مكتب “شيلينجز” للمحاماة في لندن – الذي يمثل الوزير الإماراتي- الاتهام، مصرحًا: “موكلنا متفاجئ وحزين من هذا الاتهام الذي جاء عقب ثمانية أشهر من تاريخ الحادثة المفترضة، وعن طريق صحيفة”.
زلزال في “ديلي ميل”
تحت عنوان “اتهام وزير التسامح الإماراتي بالاعتداء الجنسي في عيد الحب”، سردت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية تفاصيل الاتهام علي لسان صاحبته، مرفقة ذلك ببعض صور المحادثات وتسجيلات هاتفية أجرتها ماكنمارا مع الوزير الإماراتي وبعض أصدقائها حول الحاث.
وقالت كايتلين ماكنامارا، إنها أثناء عملها علي تنظيم المهرجان الأدبي الشهير في الإمارات للمرة الأولى، تلقت دعوة للعشاء مع الوزير “نهيان” في ليل 14 فبراير الماضي، وهو ما دفعها للظن أن اللقاء سيتم في القصر الملكي لمناقشة استعدادت المهرجان، إلا أن السيارة اقتادتها في طريق معاكس ويبعد عن المدينة، ورفض مرافقيها إخبارها بالمكان رغم سؤالها، ثم وصلت إلى فيلا في جزيرة خاصة نائية، يُعتقد أنها تقع في منتجع القرم، حيث يمتلك معظم أفراد العائلة الحاكمة عقارات.
وتابعت ماكنمارا أن بداخل المنزل الضخم والخرساني، التقت بالشيخ “نهيان” الذي “كان ودودًا” تجاهها “للغاية”، حيث بادر بعناقها وأهداها ساعة تبلغ قيمتها 3500 جنيه استرليني من الذهب والألماس، وكان في الزواية باقة ورد حمراء. ثم بدأ الوزير في فتح زجاجة نبيذ وعرض عليها تناول كأس، وعلقت بأنها فوجئت بوجود الخمر التي ظنت أنها ممنوعة في الدولة التي يدين معظم مواطنيها بالإسلام، خاصة وأن مسؤولي وزارة التسامح المشاركة في الإعداد لاستضافة المهرجان الأدبي البريطاني، أبلغوا ماكنمارا باعتذارهم عن تقديم الخمور للكتاب من ضيوف المهرجان “في وجود الشيخ نهيان”. إلا أن ماكنمارا وجدت في اللقاء فرصة لطرح أسئلتها الشخصية الفضولية المتعلقة بالإمارات وإدارتها للإعلام، وخاصة قضية الصحفي أحمد منصور المحكوم عليه بالسجن بتهمة الإساءة لدولة الإمارات.
اعتداء وهروب
عند وصولها للمنزل، “الذي يشبه متحف جوجنهايم”، أخذ البواب حقيبتها التي كانت تحتوي على هاتفها، وهو روتين في اللقاءات مع المسؤولين، وقادها إلى غرفة الطعام حيث انتظرت 15 دقيقة.
وقالت “ماكنامارا”، إن بداية اللقاء مع الشيخ نهيان كان “يدار بشكل احترافي، إلا أن حديثي عن [أحمد] منصور يبدو أنه أثار حفيظته وبدأ بملامسة ذراعي وقدمي بشكل طفيف. ثم بعد ابتعادي عنه؛ بدأ بتعميق لمساته. وفجأة أشار إلى سبب وجودي هناك.. شعرت بالسذاجة”.
وأضافت إنها بدأت بالتفكير في طريقة للمغادرة دون أن تبين أنها ترفضه أو تسيء إليه: ” أعلم أنني متواجدة مع رجل قوي يتحكم في كل جانب من جوانب حياتي هناك: رحلاتي الجوية، تأشيرتي، وغيرها”. وأردفت أن الوزير اقترح بعد ذلك أخذها في جولة في منزله، وأثناء ذلك أمسك وجهها وقبلها من دون إردتها. وعندما كانت داخل المصعد الذهبي حاول الاعتداء عليها مرة أخرى، إذ نزع ملابسه وحاول ملامسة أماكن من جسدها، وفق ادعائها.
وزعمت “ماكنمارا” أنه قال لها، اثناء لقائها: “منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها، كنت أريد الاقتراب منك، وسأسافر إلى باريس وسنقيم في فندق “لو بريستول” من فئة خمس نجوم. فردت بما يفيد بأن علاقتها بالإمارات تنتهي عقب المهرجان فقال: “لا تقلقي، ستظلين بعده وسآخذك في جولة”.
وتواصل كايتلين روايتها للصحف البريطانية قائلة إنها تمكنت من الفرار والعودة إلى فندقها ثم التوجه إلى إمارة دبي. لكنها تلقت في الأيام اللاحقة عدة رسائل واتصالات هاتفية من الوزير.
وأوضحت أنها أبلغت الأجهزة القنصلية البريطانية في دبي بما جرى في 16 فبراير، وغادرت بعد ذلك إلى سلطنة عمان قبل أن تعود إلى لندن في الخامس من مارس الماضي، بعد انتشار جائحة كورونا.
ونشرت الصحف البريطانية نصوص رسائل ومحادثات هاتفية أرسلها الشيخ “نهيان” إلى ماكنمارا، تقرأ إحداها: “صباح الخير عزيزتي. سنذهب جميعًا لقضاء يوم رائع. أتطلع لرؤيتك قريبًا، اعتني بنفسك جيدًا”.
وجدير بالاشارة، أن في 25 فبراير افتتح المهرجان كما هو مخطط له، لأن ماكنمارا لم ترد أن يضيع تعب ستة أشهر من التحضير، صرحت في مقابلة لها مع صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية: “ما فعله أثر على كل شيء”، حيث انفصلت بعد هذه الحادثة عن صديقها وفقدت وظيفتها وتشعر بأنها لن تستطيع العودة إلى الإمارات.
إبلاغ ورفض
أبلغت ماكنمارا السفارة البريطانية بالإمارات ومسؤولي المهرجان مباشرة بعد الاعتداء، إلا أن السفارة نصحتها بالمغادرة وعدم ابلاغ الشرطة الإماراتية عن الحادث.
لكن تقرير الخارجية البريطانية يقول إن السفارة لم تنصح ماكنمارا بما يجب عليها فعله أولًا، وإنما أوضحت لها أنه “سيكون من الصعب للغاية رفع قضية مع الشرطة وتسمية الشيخ نهيان كمعتد عليها”.
بينما قالت الشرطة البريطانية إنها تلقت اتصالاً في 3 يوليو من امرأة “للإبلاغ عن اعتداء جنسي”. وأضافت أنها استمعت للمبلغة لمدة 3 ساعات، حول “هذه الجريمة التي يفترض أنها حصلت في فبراير 2020 خارج المملكة المتحدة” بحسب وكالة فرانس برس.
وأوضحت “كيتلين”: “قررت أن أشتكي علنا لأكشف ما يفعله الرجال الأقوياء مثله ويعتقدون أنهم سيفلتون من العقاب”، وواصلت: “بالنظر إلى الترتيبات، يبدو جليا أنني لم أكن الأولى ولا الأخيرة”.
ويبدو ان الشرطة أخذت مخاوف “كيتلين” من نفوذ العائلة المالكة في الإمارات علي محمل الجد، اذ وضعت أجهزة مراقبة وانذار في شقتها.
من جهتها، صرحت كارولين ميشيل، رئيسة مجلس إدارة المهرجان بقولها: “كان مجلس إدارة مهرجان هاي واضحًا، وهو أنه لن يعود إلى أبو ظبي طالما ظل الشيخ نهيان في منصبه. واتصالاتنا مع وزارة التسامح محدودة وننتظر ما سينتج عن الجهات القانونية التي تحاول كيتلين البحث فيها وليست لدينا خطط للعودة”.
وتابعت “سيواصل المهرجان مساعدة ماكنمارا في تكاليف العناية النفسية حيث لا تزال موظفة في المهرجان”.
نفوذ ونفي
الشيخ نهيان عضو في عائلة آل نهيان التي تعتبر رابع أغنى عائلة مالكة في العالم، وتسيطر على صندوق سيادي من 830 مليار دولار، ويترأسها الشيخ خليفة بن زايد.
وتملك العائلة عقارات عدة في بريطانيا، من ضمن ممتلكات أفرادها نادي مانشستر سيتي الإنجليزي.
وبحسب “بينزنس إنسايدر”، فأن عائلة آل نهيان تسيطر علي صندوق سيادي تقدر اصوله بـ 640 مليار جنيه استرليني.
ولفتت “ماكنمارا”، أنها تحدث مع الشيخ بالإنجليزية التي يعرفها، حيث درس في مدرسة ميلفيلد الداخلية بسمرسيت، وذهب إلى كلية ماجدلين في أوكسفورد، ويتردد على لندن بشكل منتظم. وأنه اطلعها على “دي في دي” له ولأصدقائه وهم يتجولون بالتنورات الأسكتلندية في اسكتلندا، وبملابس الرقص في أمريكا اللاتينية. و”تحدث عن حياته في لندن وبيته في هامبستد”.
في عام 2013، استقبل الشيخ” نهيان”، الذي تلقى تعليمه في المملكة المتحدة والتحق بجامعة أكسفورد، بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني في أبو ظبي، عندما جاء إلى البلاد كجزء من مهمة تجارية.
تنديدات حقوقية
وبعد الحادث تواصلت ماكنمارا مع فيليب ساندر، الكاتب والناشط الحوقي، الذي وضعها على اتصال بالمحامية هيلينا كينيدي، الناشطة في مجال حقوق المرأة.
وعقبت “كينيدي” أن: “الانتهاك الصارخ من قبل وزير وقيادي لامرأة موجودة هناك لتنظيم حدث ثقافي كبير هو أمر إجرامي”. مطالبة باقالته من منصبه، قائلة: “لكنني أظن أن ذلك لن يحدث. عائلته تمتلك البلاد”، بحسب “ديلي ميل”.