تستعد الإدارة الأمريكية لرفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، مقابل دفع 335 مليون دولار كتعويضات لضحايا هجمات تنظيم القاعدة على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998 وتفجير المدمرة الأمريكية كول عام 2000.

يأتي قرار ترامب سعيًا منه- بحسب المراقبين- لتحقيق فوز دبلوماسي آخر قبل ماراثون الانتخابات الرئاسية، وإذا لم يعترض الكونجرس خلال 45 يوما يصبح القرار ساريًا. 

ووصف  عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني القرار بـ”البداية الجديدة”. موضحًا أن مبلغ التعويضات تم توفيره من عائدات تصدير الذهب، مشيرًا إلى أن رفع اسم بلاده من قائمة “الإرهاب” سيمكنه من العودة إلى النظام المصرفي العالمي والاندماج فيه، فضلًا عن إعفاءها من ديون تبلغ قيمتها أكثر من 60 مليار دولار.

آلية واشنطن لفرض عقوبات على الدول

فرضت الولايات المتحدة العديد من العقوبات الاقتصادية على بعض البلدان، إذ استغلت العلاقات التجارية كأداة لسياستها الخارجية. وتشمل العقوبات التي تفرضها حكومة الولايات المتحدة: وقف تصدير الأسلحة وفرض حظر على الصادرات والمبيعات الدفاعية. وبعض القيود المالية: كمعارضة القروض المقدمة من البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية، فضلًا عن رفع الحصانة الدبلوماسية عن ممثلي تلك البلدان للسماح لعائلات ضحايا الإرهاب بتقديم طلب تعويض عن الأضرار المدنية في المحاكم الأمريكية.

ويقوم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة المالية الأمريكية، بإدارة و تنفيذ العقوبات الاقتصادية والتجارية بناءً على السياسات الخارجية الأمريكية ضد الدول والحكومات الأجنبية المستهدفة، كالأفراد والمنظمات الموضوعة على قائمة الإرهاب، والمتورطين في أنشطة ذات صلة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، وأي تهديدات تمس  السياسات الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة.

ويدير المكتب أكثر من 24 برنامج عقوبات أمريكي قائم ، بينما  تلعب المؤسسات الأخرى – بما في ذلك وزارتي الخارجية  والعدل والكونجرس- دورًا أساسيًّا في ذلك. إذ يمكن لوزارة الخارجية تسمية جماعة ما بأنها منظمة إرهابية، أو تصنيف دولة على أنها دولة راعية للإرهاب، وكلاهما له آثار بشأن العقوبات. 

 

أسباب العداء الأمريكي لنظام البشير

شهدت العلاقات الأمريكية السودانية توترًا كبيرًا منذ أكثر من ربع قرن. فمنذ تولي الرئيس السوداني المعزول عمر البشير الحكم؛ وهناك اتهامات دولية له بدعم الإرهاب، بدءًا من استقبال أسامة بن لادن ومرافقيه، مرورًا بجعل بلاده ملاذًا آمنًا لمعسكرات ميليشيات إيرانية، ووصولًا إلى دعم جماعات عنف مسلحة غير نظامية قادت نزاعات مسلحة في دارفور وجنوب السودان.

 

ما هي أنواع العقوبات المفروضة على السودان؟

تنقسم العقوبات الأمريكية على السودان إلى شقين؛ الشق الأول: عقوبات اقتصادية، تم رفع أغلبيتها في عام 2017 بعد قطع السودان علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. و في مارس الماضي أعلن البنك المركزي السوداني تلقيه خطابًا من مدير مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الأمريكية، يفيد بتأكيد انتهاء كافة أشكال العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بموجب الأمرين التنفيذيين 13067 و13412، الصادرين في 12 أكتوبر2017.  وأشار أنه بموجب إلغاء الأمرين، فقد تم رفع العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية، ولم يتبق ضمن العقوبات سوي بعض الأفراد والمؤسسات المرتبطين بالأحداث فى دارفور. ويشير الخطاب إلى أن ذلك ليس لديه أي علاقة بمسألة التحويلات البنكية.

الشق الثاني: هو وضع الخرطوم على قوائم الدول الراعية للإرهاب، وحال رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، سيدشن عهد جديد في العلاقات الأمريكية السودانية.

أبرز المحطات في تاريخ العقوبات الأمريكية على السودان:

1993

بدأت العقوبات منذ استضافت السودان زعيم القاعدة أسامة بن لادن، عام 1991. الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الأمريكية في 12 أغسطس عام 1993، لإدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب. واستجابة للضغوط؛ غادر “بن لادن” السودان لاحقًا في عام 1996. ونتيجة لذلك، منعت السودان من تلقي مساعدات دولية كان من شأنها أن تساعد في استقرار حكومتها الجديدة – عقب الإطاحة بالبشير – ومساندة التحول الديمقراطي.

1997

قررت الإدارة الأمريكية تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية له. وألزمت الشركات الأمريكية والمواطنين الأمريكيين بالامتناع عن  الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان، وذلك بعد عام واحد فقط من غلق السفارة الأمريكية في الخرطوم.

وفسرت الإدارة الأمريكية القرار حينها ، بأن “السودان يمثل مصدر تهديد لأمن الولايات المتحدة القومي ولسياستها الخارجية”. وألحقت هذه العقوبات بالسودان خسائر اقتصادية وسياسية فادحة، تجاوزت 50 مليار دولار.

1998

وفي أعقاب هجوم تنظيم القاعدة على سفارتي الولايات المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي، وعاصمة تنزانيا دار السلام، اللذان راح ضحيتهما أكثر من 224 قتيل و 400 مصاب، أيدت المحكمة الأمريكية العليا تورط السودان في التفجيرات، وذلك بسبب تقديمه دعمًا للقاعدة عندما كان بن لادن مقيمًا في البلاد بين عامي 1991 و 1996. وقرر بيل كلينتون – الرئيس الأمريكي حينها-  قصف  مصنع الشفاء للأدوية الذي كانت تصنع به 50٪ من الأدوية في السودان، بصواريخ كروز.

2002

لاحت في الأفق انفراجه بصدور “قانون سلام السودان”، الذي قررت بموجبه الإدراة الأمريكية تخفيف العقوبات على الخرطوم، على أن يكون التخفيف  مرهونًا بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.

2006 

وفي عام 2006، فُرضت حزمة أخرى من العقوبات الاقتصادية ردًا على العمليات العسكرية السودانية في منطقة دارفور. وأصدر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن قرارًا بالحجز على أموال 133 شركة وشخصية سودانية في نفس العام.

 2015

أعلن الرئيس باراك أوباما في 17 فبراير 2015 تخفيف العقوبات على السودان، وسمح للشركات الأمريكية بتصدير أجهزة اتصالات شخصية، وبرمجيات تتيح للسودانيين الاتصال بالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

2016

مددت إدارة أوباما في نوفمبر 2016 العقوبات لمدة عام، وأشارت إلى إمكانية رفعها حال تحقيق السودان تقدمًا في الملفات التي تطالب بها واشنطن الخرطوم، وذلك بعد قطع الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.

2017

وبعدها بعام أصدر “أوباما” أمرين تنفيذيين في 13 يناير 2017، أعلن بموجبهما رفعًا جزئيًّا لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم، بسبب ما أسماه “التقدم الذي أحرزه السودان”، لكنه أبقى عليه ضمن قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

واشترطت الإدارة الأمريكية على السودان ما أسمته بـ”خطة المسارات الخمسة”، وتضمنت مكافحة الإرهاب، وتحقيق السلام في دولة الجنوب.

2019

ولكن مع سقوط عمر البشير، والانتقال الديمقراطي الذي شهده السودان منذ الانتفاضة الأخيرة في ديسمبر 201، أزالت الولايات المتحدة السودان من لائحتها السوداء للدول التي “تثير قلقًا خاصًا” على صعيد حرية المعتقد.

ويجدر بالاشارة، أن هذه اللائحة مختلفة عن لائحة الدول الراعية للإرهاب. وبهذا الإعلان؛ انتقلت الخرطوم إلى لائحة وسطى خاصة بالدول الموضوعة “قيد المتابعة”، بانتظار معرفة مصير التقدم المسجل.

2020

خلال زيارة “بومبيو” للخرطوم، وصف رفع السودان من قائمة الإرهاب بأنه” أولوية حاسمة لكلا البلدين”، ونوقش رفع البلاد من قوائم الأرهاب.

 

انقسام الكونجرس حول السودان

ويتمتع وزير الخارجية مايك بومبيو بسلطة إزالة السودان من قائمة الإرهاب دون موافقة الكونجرس، إلا أن الأمر مازال مسار جدل في الداخل الأمريكي. إذ تسيطر حالة من الانقسام داخل الكونجرس بشأن نهج إدارة  “ترامب” الخاص برفع السودان من قائمة الإرهاب في حال دفع تعويضات، إذ اعترض بعض المشرعين على التوزيع غير المتكافئ للمدفوعات لضحايا تفجيرات السفارات في شرق أفريقيا، والتي يتواجد فيها تمييز واضح بين المواطنين الأمريكيين وغيرهم من الضحايا.

بينما تساءل البعض حول مسارعة الإدارة الأمريكية لإزالة اسم السودان من القائمة، حيث تصعب موافقة الكونجرس على ذلك قبيل الانتخابات الرئاسية.

ويقول المحامي كريستوفر كوران، الذي مثل حكومة السودان في قضية المدمرة الأمريكية كول عام 2000: إن الحكومة الانتقالية بالسودان تريد الانضمام بالكامل إلى مجتمع الدول “المحترمة”، وهو ما سيحدث عن طريق العلاقات التجارية الدولية وابتعادها عن صورة الدولة الراعية للإرهاب، بحسب قوله.

ويحتاج الكونجرس إلى تمرير مشروع قانون من الحزبين، يحصل السودان بموجبه على حصانة من الدعاوى القضائية المستقبلية في الولايات المتحدة، ويعيد وضع السودان كدولة لا ترعى الإرهاب.   

قلق سوداني

علي جانب آخر، أعرب بعض المسؤولين وزعماء المعارضة السودانية عن استيائهم من احتمال دفع بلادهم ملايين الدولارات للولايات المتحدة، مبررين ذلك بأنه ليس من العدل أن تدفع الحكومة الانتقالية في السودان ثمن أفعال ديكتاتور تم إسقاطه، بحسب الجارديان.

وانتقد آخرون مطالبة الإدارة الأمريكية بالتعويضات عن الهجمات الارهابية، كاشفين أن السودان سعى إلى التعاون مع الولايات المتحدة بطرد “بن لادن” من البلاد، وأن الهجمات حدثت بعد عامين من مغادرة الأخير للسودان.

وقال عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، وزير الدفاع السوداني وقت إقامة “بن لادن” في الخرطوم، إن واشنطن رفضت عرض من بلاده بتسليم زعيم تنظيم القاعدة لهم، إلا أن مسؤولون أمريكيون لم يأخذوا هذا العرض بعين الاعتبار آنذاك، واصفين إياه بـ”غير الجاد”.

من جانبه، أكد وزير الاعلام السوداني، فيصل محمد صالح، إن بلاده مجبرة على دفع التعويض لأنه صدر بأمر من محكمة وكان “ملزمًا لحكومة الولايات المتحدة قبل أن يكون ملزمًا لنا”.

لكن في ظل تعثر السودان اقتصاديًا، فضلاً عن الصراعات والاضطرابات الداخلية، والتداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، قد لا يكون أمام السودان خيار سوى الموافقة على مطالب الولايات المتحدة.

ويواجه حوالي 10 مليون سوداني نقصًا حادًا في الغذاء، وفقًا للأمم المتحدة ، بينما بلغت معدلات التضخم 130 في المائة في يونيو.

خطوات ايجابية 

لكن يبدو أن السودان سعي منذ سقوط “البشير” علي اتخاذ عدة خطوات إيجابية لرفع اسمها من قائمة “الإرهاب”، منها  تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، ووقف الأعمال العدائية في مناطق الصراع : دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وإنهاء التدخل السلبي في جنوب السودان. 

وفي ديسمبر 2019، أعلن رئيس الوزراء السوداني”حمدوك” قبول حكومته الاعتراف بمسئولية السودان عن الأخطاء السابقة لحكومة “الإنقاذ”، وتفجير المدمرة الأمريكية ” كول” عام 2000 في اليمن.           

بينما وصف بعض المراقبين، موافقة السودان على رفعها من قائمة “الإرهاب” مقابل دفع تعويضات بـ “المهين والخطر”، إذ يتوجب علي المجلس الانتقالي الحذر من قبول قرارات مصيرية قبيل تشكيل المجلس التشريعي.

في حين ربط آخرون إعلان “ترامب” بشأن السودان بقرار سلفه باراك أوباما قبيل الانتخابات الأمريكية عام 201، عندما قرر رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ولكن لم يرُ لقرار أوباما آثر على أرض الواقع، فهو أشبه باستغلال واشنطن للخرطوم، كي تخدم مصالحها قبيل ماراثون الانتخابات .

 

هل نحن بصدد تطبيع دافئ آخر؟

ومن شأن قرار “ترامب” أيضا تمهيد الطريق للسودان لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في اتفاق مماثل لتلك الاتفاقات التي أبرمتها الإمارات العربية المتحدة والبحرين.

وفي فبراير الماضي، التقى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي، مع الفريق عبد الفتاح البرهان، لإجراء محادثات في أوغندا. بعدها بأيام ، بدأ السودان في السماح للطائرات التجارية الإسرائيلية بالتحليق في مجاله الجوي.

وأفاد مسؤولون سودانيون مطلعون على الأمر، في وقت سابق، بأن الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد يكون “ثمن” ازالة بلادهم من قائمة الإرهاب الأمريكية، بحسب “نيويورك تايمز”.

إلا أن مسألة التطبيع مع إسرائيل تواجه معارضة داخل صفوف الحكومة الانتقالية، يقودها مسؤولون ذوو ميول ليبرالية، ممن دافعوا لسنوات عن مطالب الفلسطينيين بدولة ذات سيادة.

كما صرح “حمدوك” لوزير الخارجية الأمريكية، في وقت سابق من الشهر الماضي، أن “الحكومة الانتقالية في السودان ليس لديها تفويض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنها عوضًا عن ذلك تركز جهودها في تحقيق الاستقرار في البلاد قبل الانتخابات في عام 2022”.

بينما نقلت الصحيفة الأمريكية، قول ستيفن أ. كوك، كبير زملاء “إيني إنريكو ماتي” لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، قوله: “على المرء أن يتساءل عما إذا كان السودانيون مهتمون حقًا باقامة علاقات مع إسرائيل، أو انهم يعرفون جيدًا أن الخروج من قائمة الارهاب الأمريكية لن يمر سوي عن طريق تل أبيب”.