في وقت تستعد فيه الأحزاب لخوض ماراثون مجلس النواب، الذي ينطلق الأسبوع المقبل في بعض المحافظات، تطفو الأزمات وتفوح رائحة التدخلات من داخل حزب الوفد، الذي لا تعرف أركانه طعما للراحة بسبب الخلافات المستمرة.

وشهد الحزب جولة جديدة من الصراع بين رئيسه المستشار بهاء أبو شقة وهيئته العليا التي تدير شئون الحزب في الوقت الحالي، بعدما أبلغ وكيل مجلس الشيوخ الشرطة عن 5 شباب تعرضوا له في محيط المقر بحي الدقي، في خضم الأزمة الدائرة برفض الأسماء المرشحة في انتخابات مجلس النواب على القائمة الوطنية من أجل مصر.

ورغم دعوة أبو شقة الوفديين إلى انتخاب رئيس غيره في جمعية عمومية جديدة في ديسمبر المقبل، بعد إعلانهم الانسحاب من قائمة “من أجل مصر”، لكنه يبدو متمسكا باستمراره في منصب الرئيس، ويرفض أية محاولات لإعاقته عن عمله، سواء كانت تلك المحاولات قرارات هيكلية أو اعتراضات شبابية. 

وكانت الهيئة العليا للحزب أعلنت اعتبار منصب رئيس الحزب خاليا من يوم 17 أكتوبر الماضي، واختيار الدكتور محمد عبده نائب رئيس الحزب، قائما بأعمال رئيس الحزب في كل اختصاصاته، حتى انتخاب رئيس جديد للحزب في ديسمبر القادم 2020، وذلك استنادا لنص المادة 21 من لائحة الحزب.

يقول الدكتور محمد عبده، القائم بأعمال رئيس حزب الوفد، إن القبض على الخماسي الشاب من أمام المقر يجسد شكل العلاقة بين المستشار بهاء أبو شقة والوفديين في الوقت الحالي بعد فترة من الشد والجذب على خلفية قراره بالمشاركة في القائمة الوطنية من أجل مصر.

وورى عبده، في تصريحات لـ “مصر 360″، كواليس جلسته الأخيرة مع أبو شقة بمقر الحزب، أمس، حيث كانت هي المواجهة الأولى بينهما في الأسابيع الأخيرة منذ تفاقم أزمة الانسحاب من القائمة.

وواجه عبده رئيس الوفد بتجاهله تاريخ الحزب وقياداته وحماس شبابه في سبيل إرضاء أطراف أخرى، لم يسمها، إذ إنه اتفق مع حزب مستقبل وطن على حصة الحزب في القائمة الموحدة التي ستخوض انتخابات مجلس النواب على القائمة الوطنية واختار الأسماء دون استشارة أحد من الهيئة العليا للوفد.

وبات معلوما للجميع أن ممثلي حزب مستقبل وطن أخطروا أبو شقة بأن القائمة لن تضم أكثر من 6 أعضاء فقط من داخل الوفد على أن ينضم إليه 13 سيدة من خارج الحزب، وهو ما أغضب الهيئة العليا التي اعتبرته تقليلا من اسم الحزب القديم.

وتابع: “أبو شقة احتفظ بالأسماء لنفسه ولم يشرك هيئة المكتب ولم يشاورهم في الأمر، ولم نعرف حتى الآن ممن شاركوا في القائمة باسم الوفد، وما حجم تبرعاتهم من أجل اختيارهم”.

وواصل عبده: “المستشار اختار شخصيات لا تعرف مكان الحزب من الأساس، وسجلوا استمارات العضوية قبل اختيارهم بساعات، وأغفل حق شخصيات لها تاريخ 40 عاما في الحزب نظير مبالغ مادية”.

ولم يعلق أبو شقة على هذه الاتهامات خلال الجلسة التي جرت في مكتب الرئيس، كما تجنب الإجابة على تساؤلات أعضاء الحزب بشأن الأسباب التي دفعته لترشيح ابنته أميرة في القائمة الوطنية.

وخلال الجلسة، حضر مجموعة من الشباب المعارضين لسياسات أبو شقة إلى المقر، لكن عبده طلب منهم الانصراف مؤقتا والتزام الصمت، ولم يتعرض أحد منهم لرئيس الحزب، لكنه فوجئ بتحرير عائلة أبو شقة محضرا والقبض على  الخماسي المتواجد بمحيط الحزب، بدعوى احتجازه داخل المقر بحي الدقي. 

أما الأمر الغريب في القصة، بحسب عبده، هو رهن أبو شقة الإفراج عن الشباب بتقديمهم استقالتهم من الحزب، حتى أخلي سبيل 3 منهم وتبقي اثنان بسبب احتجازهما على ذمة أحكام قضائية. 

وبحسب مصدر في الحزب، فإن واقعة القبض على الشباب تكشف تورط أصحاب المصالح في انهيار العلاقة بين أبو شقة والأعضاء، مؤكدا أن أخلاق الوفديين لا تسمح بالوشاية مهما احتدم الخلاف.

الوضع في الوفد سيبقي معلقا حتى تُخطر لجنة شئون الأحزاب السياسية بخلو منصب الرئيس والدعوة إلى جمعية عمومية لانتخاب رئيس جديد بدلا من أبو شقة، خصوصا أن العلاقة وصلت إلى طريق مسدود بين المستشار المرموق والهيئة العليا للحزب.

“نكن الاحترام لرمز أبو شقة، ورئيس الوفد خط أحمر، لكنه سياسيا قزم الحزب وحلو إلى كيان تابع وليس قائد”، يقول عبده الذي يرفض أن تأخذ الخلافات الداخلية مسارات أخرى بقوله: “لسنا في خلاف مع الدولة، ولا نحب أن نخلق المشاكل، الدولة ليست طرفا ولا يجب أن تكون طرفا.. هذا خلاف داخلي بين أبو شقة والوفديين جميعا”.

وحاول “مصر 360” التواصل مع أطراف مؤيدة لجبهة أبو شقة داخل الحزب، إلا أنهم امتنعوا عن التعليق في الوقت الحالي، لرغبتهم في حل الخلافات داخل الغرف المغلقة.

ميراث من الخلافات

ولا تعد هذه الأزمة جديدة بالنسبة للمراقبين، فهي مجرد حلقة ضمن مسلسل الأزمات الداخلية التي تضرب الحزب العريق منذ وفاة مؤسسه فؤاد سراج الدين في عام 2000، وتنتقل القيادة إلى نعمان جمعة الذي قاد الحزب نحو 5 سنوات إلى أن بدأت التدخلات الأمنية على خلفية ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية في 2005 ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك.

بدأ جمعة ولايته بفصل أيمن نور الذي كان عضوا بمجلس الشعب من الحزب، وأقصى مجدي مهنا من رئاسة تحرير صحيفة الوفد، لكن الانقسامات في عهد جمعة بلغت أوجها في 2006 حين اعتصم الأعضاء بمقر بيت الأمة واقتحموا مكتبه ليقرر الاستعانة بما سميتهم الصحافة المصرية “البلطجية” لإخلاء المقر، قبل أن تنحاز الهيئة العليا لمعارضي جمعان وتعلن فصله وتعيين أمين أباظة رئيسا مؤقتا، ويتحول الصراع إلى المحاكم.

صراع جمعة وأباظة انتقل إلى السيد البدوي وأباظة أيضا في عام 2010 على خلفية المشاركة في انتخابات مجلس الشعب التي قادت نظام مبارك إلى السقوط، ثم انتقل الخلاف ذاته بعده بـ4 سنوات إلى البدوي وفؤاد بدراوي، بسبب تشكيك بدراوي في فوز الأول عليه في الانتخابات الداخلية، إلى أن سحب الثقة من البدوي حتى دعا إلى انتخابات جديدة فاز بها بهاء أبو شقة على حساب 3 منافسين في مارس 2018.

وبعد عامين وبضعة أشهر، يواجه أبو شقة مصير أسلافه الذين دخلوا في صراعات مع الهيئة العليا، وعاشوا الأجواء ذاتها بما فيها اعتصام الشباب الوفدي ببيت الأمة.

“الرئيس أكبر من الحزب”

ويرجع المحلل السياسي مجدي حمدان اشتعال الأزمات الداخلية باستمرار في حزب الوفد إلى عدم وجود رؤية واضحة للتعامل مع الملف السياسي، أو ما نسميه تحديد البوصلة بين الانضمام إلى السلطة ومعارضتها، فضلا عن غياب الحكمة عن رؤسائه في العقد الأخير.

وقال حمدان إن رؤساء الوفد منذ نعمان جمعة لا يعترفون باللوائح الداخلية التي تنص على أن الهيئة العليا هي أعلى سلطة، ولا ينصاع الرئيس للائحة ويرى نفسه أكبر من الوفد، متعجبا من مواقف المستشار بهاء أبو شقة باعتباره رجل دولة ورجل قضاء لا يريد تطبيق القانون في حزبه.

وبرر الخلاف الأخير بين المستشار والهيئة العليا بسبب رغبته في فرض ابنته وبعض الأسماء المقربة إليه للترشح ضمن القائمة الوطنية على حساب شخصيات تمتلك تاريخا، لذا رؤساء الوفد في السنوات الأخيرة يرون نفسهم أكبر من الحزب، على الرغم من أن الهيئة العليا أعلى سلطة في الحزب بالنسبة للوفد، وهناك أحزاب رئيس الحزب فيها هو أعلى سلطة او مجلس الحكماء.

“أعضاء الوفد وقياداته يدفعون ثمن السلطة الفوقية التي لا تريد للوفد أن يستقر، الحزب دائما يدار من الخارج سواء من السلطة أو شبكة المصالح” يختم حمدان.