“ينظر المصريون إلى الراقصة المصرية وكأنها عاهرة، لكن الراقصة الأجنبية يمكنها أن تصبح نجمة” قالها باسم عبد المنعم، مدير أعمال الراقصة الروسية إيكاترينا أندريفا الشهيرة بـ”جوهرة”، بعد أسابيع قليلة من القبض عليها بسبب أزمة الشورت الشهيرة في 2018.

وألقي القبض على جوهرة في فبراير 2018 داخل ملهى ليلى بكورنيش النيل على يد ضباط قسم شرطة العجوزة، بدعوى مخالفتها مواصفات الرقابة الفنية في عدم ارتداء شورت تحت بدلة الرقص، وعدم حيازتها تصاريح للعمل كراقصة أجنبية من قبل وزارة القوى العاملة.

لم تمكث جوهرة طويلا في السجن بعد وساطة دبلوماسي ليبي للإفراج عنها، لكنها كسبت شعبية كبيرة، وباتت من نخبة الراقصات التي تحيي أفراح رجال أعمال ويحضر حفلاتها مشاهير وأبناء مسؤولين كبار، وكذلك الضباط الذين حرروا لها محضر التحريض على الفجور، حسبما يقول وكيل أعمالها.  

تلخص عبارة وكيل أعمال جوهرة أزمة أفول نجم الراقصات المصريات واستبدالهن بأجنبيات نجحن استغلال الوصمة الاجتماعية التي تحاصر المصريات وإرهابهن بقضايا أخلاقية في اكتساح السوق، وهو ما يفسر سبب الاحتفاء بفيديو لم يتجاوز زمنه دقيقة و18 ثانية للراقصة البرازيلية لوردينا داخل أحد مراكز التجميل بالقاهرة.   

الفيديو القصير حقق خلال 24 ساعة فقط 30 مليون مشاهدة وانضم إلى حسابها إلى إنستجرام نحو 200 ألف متابع، وبالتأكيد سيزيد من الطلب عليها في الأفراح والملاهي الليلية في الفترة المقبلة.

مرت الرقصة الساحرة مرور الكرام على لوردينا التي أتت إلى مصر قبل 4 سنوات، إذ قال مصدر أمني إن المقطع لم يتضمن أية ايحاءات جنسية طوال مدته، كما أن الراقصة ظهرت مرتدية ملابسها الطبيعية، وأنها لم تكن ترتدي بدلة رقص مخالفة للشروط القانونية حتى يتم اتخاذ الإجراءات ضدها.

ويخضع العاملات في هذا الحقل، سواء أجانب أو مصريات، إلى الرقابة من قبل هيئة المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة، وهي الجهة التي تمنح تراخيص مزاولة المهنة، وتحدد لهن مواصفات البدلة، وطبيعة الرقصة، أما الأجانب فيشترط أن تكون إقامتهن سارية وحيازتهن تصريح عمل من قبل وزارة القوى العاملة. 

وتحدد المصنفات مواصفات البدلة في تغطية منطقة العورة من السرُة إلى الجزء السفلي، مع وضع شبكة على البطن، بجانب ارتداء شورت يظهر من 20 سم، وعدم ظهور الصدر بالكامل، وارتداء شراب كولون بنفس لون الجسم.

هذا نظريا، لكن التطبيق العملي يخضع للسلطات التقديرية لضابط المأمورية، الذي يعمل بحسب القانون الوحيد الخاص بالأعمال المنافية الآداب، رقم 10 لسنة 1961.

“حرب أكل العيش”

في يوليو 2015 ألقي القبض على راقصتين استعراضيتين هما برديس وشاكيرا أثناء عملها في ملهي ليلي، بتهمة التحريض على الفسق والفجور والدعاية إلى العري، على خلفية انتشار فيديو كليب للأولى “يا واد يا تقيل” وفيديو “كمون” لشاكيرا.

وبحسب محضر التحريات، فإن ما تقدمه الراقصتان ليس فنا ويسئ للمرأة المصرية، وهدفه الشهرة وجمع المال. كما استندت التحريات لرأي الفنان هاني شاكر المرشح المحتمل لرئاسة نقابة الممثلين، حينذاك، بأن نوع الفن الذي يتم تقديمه من قبل الراقصتين وغيرهما لا يليق بفن الشعب المصري.

وقضت محكمة جنح العجوزة بحبسهما 6 أشهر مع النفاذ لاتهامهما بنشر الفاحشة والعري عن طريق تصوير فيديوهات تحوي مشاهد مثيرة وخادشة للحياء.

لم يحصل الثنائي على التعاطف من أفراد المهنة بسبب الاستياء من الكليبات التي حملت إيحاءات جنسية مباشرة، لكن برديس ألمحت إلى حرب خفية تدور في كواليس العالم الليلي، إذ بررت “الخروج عن العادات والتقاليد التي حددها القانون المصري بسبب الحرب التي يتعرض لها الراقصات المصريات: “أنا مقبوض على بسبب الوباء اللي جاي من بره مصر، أنا مصرية وحرام يتاخد حقنا وشقانا وأماكنا من الأجانب، مفروض نسيب البلد ونتغرب ولا نعمل ايه؟”.

اتهام الأجانب بقطع عيش المصريين انطباع يلقى رواجا كبيرا بين هذه الشريحة منذ زمن طويل، حيث اتهمت الراقصة كواكب أصحاب المحال والملاهي الليلية بتفضيل الأجانب عليهن بسبب زيادة تسعيرة الكرسي الذي يصل إلى 5 آلاف في حال كانت الراقصة الأجنبية، كما وجهت أصابع الاتهام إلى الرقابة وشرطة السياحة التي تتساهل مع الأجنبيات وبدلهن الساخنة بينما يتشددون مع بدل المصريات.

ولا تبدو المعركة بين المصريات والأجانب جديدة، حيث اندلعت لأول مرة في عام 2003 حينا اتخذت وزارة القوى العاملة قرارا بحظر عمل الراقصات الأجانب في مصر، بعد حملة من الراقصات المصريات اللواتي شعرن بالقلق من زيادة أعدادهن والاستيلاء على أعمالهن.

وعلى الرغم من أن مصر لم تكن تسجل حينها سوى 32راقصة أجنبية مقابل 382 راقصة مصرية مسجلة بهيئة المصنفات الفنية، إلا أن الخوف من شبح البطالة دفعهن إلى معارضة عملهن في مصر، حتى تراجعت الحكومة فيما بعد عن قرارها بفضل ضغوط قادتها الراقصة الفرنسية كيتي التي استعانت بحكومتها لكسر القرار.

ولا يوجد حصر حاليا بعدد الراقصات الأجنبيات في مصر، لكن السنوات الخمس الأخيرة شهدت سطوح نجم القادمين من شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية اللواتي سيطرن على الملاهي الليلية والمشاهد السينمائية أيضا كالأرمنية صوفينار، وهو ما دعا المحامي أيمن محفوظ إلى تحريك دعوة قضائية لمنع إعطاء تصاريح وتراخيص للعمل الراقصات الأجانب في مصر.

وذكر محفوظ، في دعواه، بأنه بعد طوفان الراقصات الأجانب وما نتج عنه من مخالفات قانونية وأعمال منافية للآداب العامة، فقد آن الأوان أن تتقدم الحكومة المصرية طبقا للقانون بمنع تقديم تراخيص لهؤلاء الراقصات الأجانب.

 

“السمعة المصرية”

اللافت أن القواعد العامة لمزاولة مهنة الرقص سواء في البدلة أو غيرها لا تميز بين راقصة مصرية وأجنبية، لكن التعنت مع المصريات يظهر أكثر في التطبيق العملي من جانب الشرطة أو هيئة المصنفات وفقا لسارة رمضان، الباحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

“لا يوجد مضايقات على البدل الخاصة بهن أو طريقة استعراضهن بعكس المصريات اللواتي يحاصرن بقضايا أخلاقية طوال الوقت مثلما رصدنا في قضية برديس وشاكيرا” تقول رمضان في حديثها لـ”مصر 360″. 

وبرأي رمضان، فإن المصنفات الفنية تميز بين الجنسيات لاعتقادها أن الأجنبيات لا يمسن سمعة مصر بل سمعة بلادهن بعكس الراقصة المصرية فهي تمثل سمعة الدولة والشعب الشرقي، لذا تكثر القضايا الخاصة بالمصريات عن الأجنبيات، ومن ثم يتوارى بنات البلد خوفا من الملاحقات الأمنية والرقابة الاجتماعية.

لكن الفنانة الاستعراضية لوسي ترفض اتهام المصنفات الفنية بممارسة القيود على مزاولي هذه المهنة، تقول لـ”مصر360″ “المصنفات دورها إجازة الرقص ولا تمنع أو تراقب كل الحفلات بالمعنى الشائع، والشورت مش مقياس للعري أو الانحراف لأن الرقابة لم تحدد لون الشورت من درجة الجلد”، لافتة إلى أن السوق هو من يفرز شكل البضاعة.

الجمهور ينتصر للأجنبية؟

وبحسب روايات بعض الزوار الدائمين للملاهي الليلية، فإن هناك بعض المديرين يرفضون التعاقد مع راقصات مصريات لعدم قدرتهم على مجاراة رغبات بعض الزبائن، بعكس الأجنبيات اللواتي لا يمانعن الرقص المشترك مع رجال خلال الفترة الاستعراضية، وهو ما تسبب في استغناء بعض الفنادق والملاهي الليلية عن المصريات.

لوسي لا تؤيد فكرة انتصار الجمهور المصري للراقصات المصريات على الأجنبيات، كما أنها لا ترى الرقص الشرقي في أزمة في ظل استمرار عمل الفنانات القدامى أمثال فيفي عبده ودينا حتى الآن، إلى جانب تألق إيمي سلطان في السنوات الأخيرة.

وتفسر لوسي سبب شهرة الأجنبيات عن المصريات مؤخرا لاعتمادهن على “السوشيال ميديا” بشكل أكبر، مما يساعد في انتشارهن وزيادة الطلب عليهن، بجانب امتلاكهن علاقة قوية بمنظمي الحفلات، كما أنهن يرقص بطريقة تعتمد على الانبهار وسرعة الأداء الحركي في مناطق بالجسم، وهو ما تصفه لوسي بـ”الأفورة لجذب الجمهور”.

مهنة سيئة السمعة

غير أن الحرية التي تتمتع بها الراقصة الأجنبية في الاستعراض والظهور لا تبدو متوافرة لدى المصريات اللواتي يعانين من القيود الاجتماعية. وبالنسبة للوسي، فإن الراقصة المصرية تصنف بالمحافظة وتضع اعتبارات اجتماعية كثيرة خلال عملها، فهي أم وأخت قبل أن تكون راقصة، ولا تجدها تحرب بالرقص في أي مكان خاص ولا تقبل بإرضاء الزبائن.

إلا أن لوسي شخصيا لا تؤمن بهذه القيود والاعتبارات، حيث ترى أنها تقدم فنا مثل الباليه، وتحظى بدعم من أسرتها، وخصوصا من ابنها الذي يشجعها دائما على مزاولة الرقص حتى بعد تقدمها في السن.

الهروب من الوصمة ونظرة المجتمع للراقصة دفع البعض إلى الاعتزال في السنوات الأخيرة، وهو ما أجبر صوفيا التي اشتهرت في بعض الأفلام التجارية إلى إعلان الاعتزال في عام 2018.

وقالت صوفيا، في تصريحات ل”الوطن”، حينذاك، إن نظرة المجتمع المصري للرقص الشرقي ومفهومه عنه هي نظرة سيئة السمعة للغاية، كما أن عمالقة الرقص الشرقي لم يستطيعوا تغيير نظرة المصريين للرقص الشرقي كأحد أنواع الفنون.

وحاولت “مصر 360” التواصل مع صوفيا، إلا أن مدير أعمالها أنها طوت صفحة الرقص من حياتها بعد زواجها منتج مصري، مؤكدا أن قرار اعتزالها الرقص نهائي ولا رجعة فيه، كما أنها اتخذت قرارا بعدم ظهورها في وسائل الإعلام بسبب المضايقات التي تعرضت لها خلال فترة علمها.