ظل أمين هشام عز العرب لنحو 18 عامًا الشخصية المصرفية الأبرز في القطاع الخاص بمصر، بعدما حول “البنك التجاري الدولي” من وحدة صغيرة، إلى ثالث أكبر مصرف بعد “الأهلي” و”مصر”، وأكبر بنك خاص، ورسخ اسمه كـأحد المرشحين دائمًا لمنصب محافظ البنك المركزي.

كما كان أول رئيس مجلس إدارة بنك قطاع خاص يشغل منصب رئيس إتحاد بنوك مصر، لمدة سبع سنوات، وحصل على مجموعة من الجوائز الدولية منها التميز في مجال الخدمات المالية على مستوى الشرق الأوسط  “يورومني 2016” والتي حصل عليها في يونيو الماضي، وجاءت إقالته بعد أيام من إعلان مجلة “جلوبال فاينانس الدولية” المتخصصة بتقييم أداء البنوك عن منح البنك جائزة 2020، الأفضل بالأسواق الناشئة لعام الثالث على التوالي.

لم يكن الجدل الذي أثارته إقالة أو استقالة أو تنحية  “عز العرب” من رئاسة “التجاري الدولي” مستغربة، فمؤهلات الرجل الذي عمل بكبريات البنوك العالمية لمدة تتجاوز الـ15 عامًا ووصل لمنصب قيادي  ببنكي “جي بي مورجان – لندن” و”دويتشه بنك – لندن”، تثير تساؤلات حول كيفية ارتكابه مخالفات تمس الأعراف والممارسات المصرفية السليمة.

مصدر بالمركزي: “البنك” استغل الصلاحيات الممنوحة له بموجب القانون لحماية أموال المودعين والحفاظ على استقرار وسلامة الجهاز المصرفي.

وفقًا لنص الخطاب الذي أرسله “المركزي” إلى “التجاري الدولي” يطلب فيه تنحية عز العرب، فإن البنك تضمن “مخالفات جسيمة لأحكام قانون الجهاز المصرفي والتعليمات الرقابية، والأعراف والممارسات المصرفية السليمة. بالإضافة إلى الضعف الشديد لإجراءات الرقابة على منح ومتابعة الائتمان ومصداقيتها، وإهدار جميع الأسس المصرفية من أساسها، ووجود أوجه قصور حادة في بيئة الرقابة الداخلية، ما نتجت عنه خسائر مالية ضخمة”.

وقال مصدر بالبنك المركزي المصري إن “البنك” استغل الصلاحيات الممنوحة له بموجب القانون لحماية أموال المودعين والحفاظ على استقرار وسلامة الجهاز المصرفي وقدرته على تحقيق أهداف الدولة. ولن يتردد في التدخل لممارسة سلطاته الإشرافية بالشكل الذي يراه مناسبًا، بصرف النظر عن الأسماء، ومع الاحترام لهشام عز العرب الذي لا ينكر أحد تاريخه المصرفي الكبير.

وأضاف، المصدر الذي رفض ذكر اسمه لكونه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، إن البنك المركزي اتخذ الجزاء الأعلى وفقا لما تمنحه المادة 144 من قانون البنك المركزي الجديد، بسبب ثبوت مخالفة لأحكام القانون واللوائح أو القرارات الصادرة والتي تتناسب مع طبيعة المخالفة وجسامتها وظروف ارتكابها، كما يسمح له القانون بنشر  الجزاءات التي يتخذها.

وصدر قانون البنك المركزي الجديد، رقم 194 لسنة 2020، في 24 سبتمبر الماضي، بعد ثلاث سنوات من الجدل وحصل، “المركزي” بموجبه على صلاحيات إشرافية وتنظيمية واسعة، تتعلق بتسوية وضع البنوك المتعثرة، وحماية حقوق العملاء، وتسوية النزاعات ذات الصلة، وحماية وتعزيز المنافسة، وحظر الممارسات الاحتكارية.

وشهد القانون، الذي ظهر للمرة الأولى عام 2017، نقاشًا واسعا قبل صدوره، واستبعدت بعض مواده وفي مقدمتها تحديد مدة عمل رؤساء البنوك الخاصة، بعدما اعتبرت بعض البنوك حينها – من بينها التجاري الدولي – أنها تستهدف تغيير رؤسائها لارتباط تلك المادة بقرار سابق – لم يُفعَّل-  يحدد مدة بقاء رؤساء البنوك بتسع سنوات متصلة.

ويتضمن القانون الجديد للجهاز المصرفي، الذي تم إقراره في سبتمبر الماضي، تسعة جزاءات أعلاها في الترتيب “الإقالة”، وتبدأ بتوجيه تنبيه أو إلزام البنك بإزالة المخالفة واتخاذ إجراءات تصحيحية  خلال مدة محددة، وتمتد إلى إلزام رئيس مجلس إدارة البنك المخالف بدعوة المجلس للانعقاد للنظر في المخالفات، بحضور ممثل أو أكثر من المركزي، وصولًا لدعوة الجمعية العمومية للانعقاد وتوقيع جزاءات مالية، وأعلاها هو بنط “ط” الذي ينص بتنحية واحد أو أكثر من المسئولين التنفيذيين .

أكد آخر تقريرين للجنة المراجعة- حصل ” مصر 360″ على نسخة منهما-  أن البنك لم يتضمن مخالفات جوهرية

ويقول محللون اقتصاديون إن نص خطاب “المركزي” جاء مبهمًا دون سرد واقعة واحدة تثبت  تلك “الجسامة”. فـ”التجاري” الدولي كان أول بنك مصري يقر أعمال التقييم الخارجي لنشاط المراجعة الداخلية من قبل “إرنست آند يونج”، واحدة من شركات التدقيق الأربع الرائدة في جميع أنحاء العالم، والتي تراقب أعمال الكثير من البنوك العاملة بالسوق المصرية.

ورد المسئول بــ”المركزي” بالتأكيد على أنه تم إبلاغ “التجاري الدولي” أكثر من مرة بضرورة التصدي لتلك المخالفات دون جدوى، كما تم التشديد على المجلس الجديد برئاسة شريف سامي على انتهاج خطوات تصحيحية، ومعالجة الملاحظات المتعلقة بالرقابة الداخلية ومخاطر الائتمان والعمليات المصرفية، مع التأكيد على أن أموال المودعين بالبنك آمنة تمامًا.

وكان “التجاري الدولي” أيضًا أول بنك مصري يُنشئ لجنة مراجعة داخلية عام 1998، لتدرس المخاطر الشاملة وجميع القطاعات المصرفية، كما أنه ملزم وفقًا لقواعد القيد والتداول بالبورصة المصرية بإرسال تقارير المراجعة الداخلية إلي هيئة الرقابة المالية والبنك المركزي على حد سواء.

وأكد آخر تقريرين للجنة المراجعة- حصل ” مصر 360″ على نسخة منهما-  أن البنك لم يتضمن مخالفات جوهرية، وتضمن إشارة إلى اتساقهما مع البنك المركزي والرقابة المالية. وجاءت التقارير مزيلة باعتماد شريف سامي رئيس لجنة المراجعة الداخلية، وحفيد طلعت حرب، الذي صعد إلى كرسي رئاسة مجلس الإدارة  بديلًا لعز العرب.

ويعتبر شريف سامي من الشخصيات الشهيرة في مجال المحاسبة والمراجعة، فسجله الوظيفي يتضمن رئاسة الهيئة العامة للرقابة لمُدة أربع سنوات. كما شغل عضوية مجلس إدارة البنك المركزي المصري ومنصب رئيس لجنة المراجعة بالبنك وعضو لجنة السياسات النقدية، ورئاسة مجلس إدارة معهد الخدمات المالية، ومجلس أمناء مركز المديرين المصري واللجنة العُليا لمعايير المُحاسبة والمُراجعة المصرية، إضافةً إلى عضوية مجلس أمناء المجلس القومي للمدفوعات.

 

وتملك العديد من المؤسسات الدولية حصصًا كبيرة في التجاري الدولي في مقدمتها شركة فيرفاكس المالية القابضة (مقيدة ببورصة تورنتو في كندا)  بنسبة 6.55% بإجمالي 95.8 مليون سهم، ويملك البنك الأهلي المصري نحو 117.5 مليون سهم بنسبة 7.9%، بينما يملك عز العرب 370.3 ألف سهم، وحسين أباظة عضو مجلس الإدارة والمسئول التنفيذي 372.1 ألف سهم.

 

وحاول عز العرب، في تدوينة على صفحته بفيسبوك طمأنة المودعين على سلامة موقف البنك المالي، قائلًا :” بعد الموقف الحالي مع المركزي المصري، قررت أن الوقت قد حان لإنهاء رحلتي مع البنك”، وأشار إلى الـ21 عامًا التي قضاها في البنك زادت فيها قيمة المصرف السوقية إلى أكثر من 6 مليارات دولار، مقابل 150 مليون دولار قبل تسلمهلمنصبه، حتى أصبح البنك الأفضل في الأسواق الناشئة العالمية في ثلاث من السنوات الأربع الماضية”.

أرباح مستمرة

وحقق البنك التجاري الدولي  أرباحًا صافية بنهاية النصف الأول من العام الجاري  بنحو 4.99 مليار جنيه، من بينها 2.599 مليار جنيه في الفترة من مارس وحتى يونيو، وهي الفترة التي شهدت تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، كما حصد العام الماضي نحو 18 جائزة عالمية.

ورفع البنك أخيرًا رأسماله المال المصدر والمدفوع من 14.6 مليار جنيه إلى 14.7 مليار جنيه بزيادة قدرها 85.9 مليون جنيه تقريبًا، ويستهدف رفعه مجددًا إلى 19.7 مليار جنيه، ليقترب من البنك المركزي المصري، الذي اشترط القانون الجديد للجهاز المصرفي، رفع الحد الأدنى لرأسماله إلى 20 مليار جنيه.

بدأت الأزمة بوقف التداول على سهم البنك الذي يشكل حاليًا أكثر من 43% من مؤشر الأسهم القيادية بالبورصة “إيجي إكس 30″، ما دفع السوق للهبوط بنسبة 1% دفعة واحدة، وظل الجدل مشتعلًا إلى أن صدر خطاب البنك المركزي الذي تم تعميمه في وقت كان فيه محافظه طارق عامر في زيارة إلى مقر “المركزي” الجديد بالعاصمة الإدارية.

وتتضمن قائمة المخالفات التي ينص عليها القانون: التباين الكبير بين آجال استحقاق أصول البنك والتزاماته، ارتفاع تكلفة السيولة لدى البنك نتيجة الاعتماد على التمويل الاستثنائي أو غيره من الموارد المكلفة وانخفاض جودة أصول البنك بما من شأنه المساس بالسلامة المالية للبنك أو مصالح المودعين، انخفاض مستوى الأرباح المحققة بما من شأنه تهديد استمرارية البنك على المدى المتوسط أو البعيد. تراجع الوضع المالى للبنك. وجود قصور فى نظم الحوكمة أو إدارة المخاطر أو الرقابة الداخلية أو السياسات المحاسبية.

وسادت تكهنات بارتباط الأزمة باختلاس موظف في أحد فروع “التجاري الدولي” بمحافظة الأسكندرية مبلغًا ضخمًا يتردد أنه 180 مليون جنيه، لكن الواقعة المشار إليها تعود إلى عام 2018 وتعلقت باكتشاف عميل وجود فروق في أرصدة حساباته، وأعلن “التجاري الدولي” حينها عن الواقعة، وأبلغ البنك المركزي وجهات التحقيق بشأنها.

ويقول مصرفيون إنه لا يخلو أي بنك من مخالفات مصرفية وائتمانية فالأمر مرتبط بعامل بشري قد يخطئ أحيانًا، مبدين استغرابًا من تفاصيل اجتماع المركزي مع الإدارة الجديدة وتأكيده على وقوفه بجانب الإدارة الجديدة، رغم أنها كما هي دون تغيير باستثناء هشام عز العرب فقط.

“التجاري الدولي” ارتبط بعملية تحويلات مشبوهة بقيمة 1.8 مليون دولار،… لكنه لم يكن الوحيد. بل وجدت بنوك أخرى في القائمة مثل “البركة مصر” و”التعمير والإسكان” و”الأهلي سوسيتيه جنرال” (قطر الوطني حاليًا)

استعجال دون رد

ويقول المحلل المالي والمصرفي نادي عزام إن إدارة التفتيش الداخلي بالبنك المركزي، كان يجب عليها والحصول على ردود من البنك التجاري الدولي بشأن المخالفات التي رصدتها، خاصة أنها لا تتعدى وجود قروض ممنوحة لشركات أو جهات أو أفراد بدون ضمانات كافية، وضعف في قطاعي الائتمان بالبنك والمراجعة الداخلية، أو الرقابة الداخلية، كما جاء بخطاب المركزي.

صحيح أن “التجاري الدولي” ارتبط بعملية تحويلات مشبوهة بقيمة 1.8 مليون دولار في الوثائق التي سربتها وحدة متابعة التعاملات غير الشرعية بوزارة الخزانة الأمريكية “فنسن”، أخيرًا، عن الفترة  1999 و2017. التي أثارت ضجة مؤخرًا، لكنه لم يكن الوحيد. بل وجدت بنوك أخرى في القائمة مثل “البركة مصر” بثلاثة عمليات بقيمة 8.9 مليون دولار، كما ورد بنكا “التعمير والإسكان” و”الأهلي سوسيتيه جنرال, مصر” (قطر الوطني حاليًا)، بتحويلات بقيمة 14.3 ألف دولار، و454.8 ألف دولار على التوالي.

ويضيف عزام أن الأزمة تظهر استعجال واضح بصدور الخطاب الذي تم تسريبه من البنك المركزي المصري، وعدم انتظار  ردود “التجاري الدولي” عما صدر في حق رئيس مجلس إداراته، مضيفا أن  إدارة البنك مستمرة كما هي دون تغيير فصلاحيات شريف سامي شرفية فقط, والإدارة ستكون في يد حسين أباظة، المسئول التنفيذي للبنك.

لكن المسئول بالبنك المركزي يؤكد أن  دور البنك لم ينته عند حد تنحية هشام عز العرب، وأنه سيظل يتابع الوضع في البنك باستمرار، وممارسة التفتيش للتأكد من تطبيق أعلى معايير الممارسات المصرفية في الاقتصاد المصري.