أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة الماضية، خلال محادثته الهاتفية مع رئيسي الوزراء السوداني والإسرائيلي، حول قضية سد النهضة تساؤلات عدة حول جدية الولايات المتحدة في مساندة مصر غذا ما أقدمت الاخيرة على تحرك عسكري ضد “سد النضة” الإثيوبي”.

في المكالمة التي أجراءها ترامب من المكتب البيضاوي بحضور مساعديه وعدد كبير من الصحفيين، قال الرئيس الأمريكي إنه يجب التوصل لحل ودي في قضية السد، وأنه قد ينتهي الأمر بالقاهرة بأن “تنسف ذلك السد”.

ونقلت صحيفة “تايم أوف إسرائيل” الصادرة بالإنجليزية، نص مكالمة “ترامب”، شاملة الارتباك الذي حدث عندما تحدث ترامب لأكثر من ثلاث دقائق متصلة حول سد النعضة وأثره على مصر وغضبه من عدم التزام إثيوبيا بالاتفاق الذي “عقده من أجل الطرفين” ثم سأل ترامب: “ماذا تنوي أن تفعل؟” ليرد نتنياهو متصورًا أن الحديث موجه له قبل أن يصحح له ترامب أنه يحدث رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك.

وأشار “ترامب” إلى الاتفاق الذي رفضته إثيوبيا وقراره بقطع جزء من المساعدات الأمريكية إلى الحكومة الإثيوبية، مؤكدًا: “لن يروا هذه الأموال أبدًا ما لم يتلزموا بالاتفاق”، واصفًا الأمر بـ”الخطير”، وأن قد ينتهي بمصر بتفجير السد، بحسب قوله.

وأعلنت الولايات المتحدة في أوائل سبتمبر الماضي تعليق جزء من مساعدتها المالية لإثيوبيا بعد قرار أديس أبابا الأحادي بملء سد النهضة وتراجع المفاوضات مع مصر والسودان.

وتسعى مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا، يضمن تدفقات مناسبة من المياه وآلية قانونية لحل النزاعات قبل بدء تشغيل السد، غير أن إثيوبيا، احتفلت في أغسطس، بالمرحلة الأولى من ملء السد، وتصر على استكمال الملء والتشغيل على أن يكون بينها وبين دولتي المصب مذكرة تفاهم غير ملزمة لها قانونًا. متبنية خطابًا دبلوماسيًا يقطع بحقها الفردي في مياه النيل الأزرق، اكبر روافد نهر النيل.

تهدئة في مصر وتهديد في إثيوبيا

لم يصدر عن مصر رد فعل رسمي على تصريحات ترامب حتى لحظة نشر هذا التقرير، وإن أظهرت وسائل الإعلام المملوكة للدولة رفضا مبدئيا لخطاب التحرك العسكري. واستضافت وسائل الإعلام محللين استراتيجيين وعسكريين قريبين من دوائر صنع القرار ينفون اعتزام مصر اتخاذ مثل هذا القرار.

في المقابل، استدعت إثيوبيا، أمس السبت، السفير الأمريكي لديها “مايك راينور”، للحصول على توضيحات بشأن تصريحات ترامب، مؤكدة أنها ملتزمة بالمفاوضات التي تجري بإشراف الاتحاد الأفريقي. وأعرب وزير الخارجية الإثيوبي للسفير الأمريكي عن رفض بلاده لتصريحات “الرئيس الحالي” كونها تخالف المستقر عليه في القانون الدولي والعلاقات بين الدول، وأن إثيوبيا لن تقبل أي تدخل في عمل من أعمال سيادتها على أراضيها.

علاوة على ذلك، رد مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، السبت، -دون إشارة إلى أي من الأطراف المعنية- بأن “إثيوبيا لن تخضع لأي اعتداء”. وأضاف: “لا يمكن لأحد أن يمس إثيوبيا ويعيش بسلام. الإثيوبيين سينتصرون”، مؤكدًا على التزام بلاده بالحل السلمي بشأن قضية السد.

إدانة وتحذير

بينما اعتبر هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة. بينما اعتبر هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، أن تصريحات الرئيس الأمريكي حول سد النهضة تمثل في مجملها “إدانة قوية وبلهجة غير مسبوقة في وضوحها، للموقف الإثيوبي المتعنت بشكل غريب، بل إنه يمكن القول إنها تمثل تهديدا لإثيوبيا بأن الاستمرار في نهجها الحالى ستكون له عواقب وخيمة”.

وأوضح “رسلان” لـ “مصر 360″، أن هذه التصريحات “تأكيد لموقف واشنطن بحجب بعض المعونات المقدمة إلى إثيوبيا، ولكنها تدفع بالأمر إلى مدى بعيد جدا لا يحتمل اللبس أو الغموض، في رسالة عنيفة وصادمة”.

وأما بشأن تفجير مصر للسد، يري “رسلان” أن الإشارة إلى ذلك رغم أن أنه يعطى تلميحات بعدم ممانعة إدارة ترامب لذلك، المقصود منه هو تحذير إثيوبيا بشده، لأن ترامب كان يتحدث في سياق ضرورة التوصل إلى حل سلمي قائم على التفاوض.

في حين، يرى الخبير العسكري، جمال مظلوم، إن الدول تضطر للحروب حينما تمس المشكلة مصلحة مواطنيها وحقوقهم، وأن مصر تستطيع حل النزاعات بالقوة لكنها لا تميل لذلك، فعلى الرغم من اعتداء إثيوبيا على حصة مصر من المياه “إلا أن بلدنا لم تلجأ أو تصرح القيام بعمل عسكري”.

وأضاف “مظلوم” أن مصر وإثيوبيا والسودان يربطهم المجرى المائي المقام عليه السد طوال الحياة، ولن تنسى الأجيال أي أزمات أو تدخلات عسكرية قامت به دولة ضد أخرى. متوقعًا أن يكون لتصريح ترامب تأثير على إثيوبيا، خاصة بعد محاولات الاتحاد الأوروبي التدخل في حل الأزمة مرة أخرى بالطرق الدبلوماسية، وكذا عودة دور الاتحاد الأفريقي الذي ارتضته إثيوبيا حكمًا في النزاع بينها وبين دولتي المصب.

حل دبلوماسي

من جهته، توقع السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق أن يكون الخيار العسكري هو الأخير على قائمة الخيارات المصرية. موضحًا: “مصر متمسكة بالتفاوض حتى آخر نفس”، وأكد على أن تصريحات ترامب بمثابة “ضغط على إثيوبيا حتى تقترب من مصر للتوصل لآلية لملء السد وتشغيله”.

وأضاف في حديثه لـ”مصر 360″ أن ترامب يفعل ذلك “حتى يكتب له أنه تدخل في الآزمة بين مصر وإثيوبيا، نظرا لأنه لا توجد أزمة من الأساس، خاصة استمرار التعنت الإثيوبي باعتبار المجرى المائي لهم، ولا يشاركهم أحد في إدارته والاستفادة منه، وهو ما يعكس الاستراتيجية الإثيوبية في مباحثات السد، خاصة بعدما أصبح الأمر غير محتمل، وغير قابل للحل”. وأشار إلى أن تصريح ترامب بمثابة “ورقة ضغط وترهيب ضد إثيوبيا”، وموافقة منه على الحل العسكري إذا ما قررت مصر اللجوء إليه. مضيفًا “كل الحلول مطروحة على الطاولة خاصة عندما يتعلق الأمر بمصدر المياه في البلاد”.

 

وكشف الخبير المائي، نادر نور الدين، أستاذ الأراضي بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، خلال حوار سابق مع “مصر 360″، مخاطر اللجوء للحلول العكسرية بالنسبة لسد النهضة، وامكانية تفجيره من عدمه، قائلًا: “منذ بداية الإعلان عن إنشاء سد النهضة، وأنا أحذر من أضراره، وأكدت أنه لو بدأ إنشاء السد لن يمكن وقفه، خاصة بالتدخل العسكري. لما سيخلفه ذلك من دمار على كل من مصر والسودان باعتبارهما دولتي مصب، ولن يؤثر على إثيوبيا باعتبارها دولة منبع. إذ يهدد تدمير السد – خاصًة بعد الانتهاء من المرحلة الأولى للملء التي قُدرت بـ4.9 مليار متر مكعب من المياه – مصر والسودان بالخراب، لأن المياه المخزنة والحطام سينجرفان تجاه السودان ومصر، مدمرة السدود ومغرقة المدن الواقعة في طريقها حتى أسيوط”.

مفاوضات واشنطن

وفي خضم حديث ترامب مع القيادات السودانية لفت إلى انسحاب إثيوبيا من الاتفاق التي توسطت فيه الإدارة الأمريكية وهو ما فسره “هاني رسلان” بـ: “إعادة وثيقة واشنطن للواجهة مرة أخرى”، باعتبارها “حل فعلي متوافق عليه من الأطراف الثلاثة بنسبة تزيد عن ٩٠%”.

وأضاف أن حديث ترامب عن وثيقة واشنطن يعيد إلى الأذهان أيضا موقف الوفد السوداني ال   ي وصفه بأنه “المتخاذل والمتواطئ مع إثيوبيا” برفض التوقيع على الوثيقة رغم موافقة الوفد السوداني عليها. و”أثبتت الأحداث بعد ذلك أن هذا الموقف كان ضد مصالح السودان أيضا، حيث تجاهل الإثيوبيون السودان ومصالحه بالكامل في الملء الأول وما أعقبه من مفاوضات”.

واستطرد: “لو أظهرت إدارة ترامب هذا الموقف القوى منذ عدة أشهر لكان الموقف قد تغير بصورة كبيرة. ولكن هذه التصريحات تأتى والانتخابات الأمريكية بعد أيام، مما يقلل من قدرتها على إحداث تغيير فعلي على الأرض”.

واختتم حديثه، بقوله: “تصريحات ترامب ترفع الحرج عن مصر، وتفتح أمام الموقف المصري آفاقا واسعة وتمثل بداية لمرحلة جديدة، لا بد أن يكون عنوانها الحسم سلمًا أو حربًا قبل منتصف العام المقبل، ففي نهاية المطاف؛ إن لم تأخذ مصر الأمور بيدها في أزمة تهدد وجودها، فمتى ستفعل؟”

سياسية خاطئة

علي جانب آخر، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، افتتاحية في السادس من أكتوبر الماضي حول سياسة واشنطن تجاه إثيوبيا بشان قضية السد، عقب قرار قطع المساعدات الأمريكية. قالت فيه إنه “إذا كانت واشنطن لا تزال تأمل في تجنب الحرب بين اثنين من أقرب حلفائها في القارة الأفريقية، فسوف تحتاج إلى تغير نهجها”.

وطالب التقرير الإدارة الأمريكية بالسعي إلى حل أزمة المياه في مصر بدلًا هذه القرارات. إذ “تخسر مصر 50٪ من مياهها العذبة بسبب سوء التخطيط والإدارة”، لافتة إلى إمكانية استثمار الولايات المتحدة في تحلية مياه البحر والاستفادة من ذلك.

واستشهدت الصحيفة بمساعي الولايات المتحدة من الأردن إلى كينيا، حيث نجحت في تقليل هدر المياه بنسبة تصل إلى 41%، وساعدت في توفير ابتكارات حديثة للتكيف مع الجفاف، “ويمكن عمل نفس الأمر مع مصر”.

وتابعت الصحيفة: “مع استمرار هذه الأزمة، يجب على واشنطن أن تدرك أن سياسة الجزرة دائمًا ما تعطي نتائج أفضل من استخدام العصا، اذ كشفت الدراسات الحديثة أن 90٪ من أنظمة العقوبات الراهنة تفشل في تحقيق أهدافها”. معربة عن خشيتها من أن تدفع سياسات إدارة ترامب – حال استمرارها- باتجاه حرب في منطقة شرق إفريقيا بين دولتين من أكبر دول القارة.