أظهرت الاستعدادات لانتخابات مجلس النواب التي انتهت مرحلتها الأولى أمس الأحد، وقبلها مجلس الشيوخ حالة تباين واضحة في أداء أحزاب المعارضة، التي تبنى بعضها في السابق خطابًا سياسيًا واضحًا ضد بعض سياسات وممارسات إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فجاءت الانتخابات الحالية لتكشف عن ميل لمواءمات تتناقض مع المواقف السابقة لتلك الاحزاب نفسها،بشكل يبدو معه وكأننا أمام نوعين من المعارضة.
أولهما الممتعض من سياسات الحكومة وطريقة إدارة الملف السياسي، وينحصر تشكيله في أحزاب التحالف الشعبي الاشتراكي والدستور والعيش والحرية والمحافظين، وتيار الكرامة. وثانيهما الفريق الذي قرر التحالف مع أحزاب الموالاة ضمن “القائمة الوطنية من أجل مصر”، ويضم “المصري الديمقراطي، العدل، الإصلاح والتنمية”.
حتى ديسمبر 2019، كانت المعارضة المصرية في خندق واحد؛ تعارض السياسات الاقتصادية للحكومة، بحكم انتماء أغلب أحزابها وكوادرها لليسار “الناصري والاشتراكي”، وتدين ما تراه تراجعًا مستمرًا في ملف التحول الديمقراطي عبر أبواقها الإعلامية المحدودة، إلى أن اتخذ بعضهم خطوة مفاجئة بالجلوس على طاولة المفاوضات مع أحزاب الموالاة، ضمن سلسلة جلسات عرفت بـ”جلسات الحوار الوطني”.
لبت أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي والإصلاح والتنمية والعدل والمحافظين دعوة مستقبل وطن للحديث عن مستقبل الحياة السياسية وتصوراتهم لقوانين الانتخابات، وظل الآخرون ينتظرون في مقاعدهم ما ستفسر عنه الجلسات دون مشاركة.
إلا أن النتيجة كانت استمرار الوضع كما هو عليه، بالاحتكام إلى نظام القائمة المطلقة في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، لكن الاختلاف الوحيد هو مشاركة أحزاب من المعارضة في القائمة التي يشكلها حزب مستقبل وطن، بعدما كانت تقتصر القائمة على أحزاب الموالاة.
دخل الحزب المصري الديمقراطي الحوار لتحقيق هدفين، أولهما إخلاء سبيل أحد أبرز قياداته: زياد العليمي، المحبوس احتياطيا منذ يونيو 2019، على ذمة “تنظيم الأمل” الذي يضم عددًا من النشطاء كانوا يعدون أنفسهم للترشح في الانتخابات النيابية الحالية. وثانيهما: محاولة تغيير قوانين الانتخابات. لكن الحزب خرج من جلسات الحوار صفر اليدين، أو هكذا بدا الأمر وقتها، ليظهر بعدها تحالفه مع “مستقبل وطن”.
فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، برر المشاركة في تحالف مستقبل وطن، بكونه: “مجرد تحالف انتخابي ليس له دخل بخطاب أو برنامج سياسي”. لافتًا إلى أن مشاركة الحزب في العمل السياسي بصفه عامة، وفي أي استحقاقات انتخابية على نحو خاص، معناه فرصة أكبر للحزب للمطالبة بالإفراج عن أعضائه المحبوسين.
شرح زهران اختياره في بيان مصور قال فيه: “في ظل التضييق علي العمل السياسي وانحسار الأحزاب السياسية يظهر خطران: الخطر الأول يتمثل في أنها تقدم تنازلات لكي تحيا وتستمر، فينتهي بها الحال أن تندمج مع النظام الحاكم لو استدرجت لتقديم تنازلات مبادئية. أما الخطر الثاني فيتمثل في أنها تحت وطأة الحصار والتضييق تتخذ مواقف راديكالية تنتهي بها إلى أن تكون مجموعات معزولة ليس لها أي ارتباط بالأرض أو بالجماهير”.
وحصل المصري الديمقراطي على 3 مقاعد في مجلس الشيوخ، ومثله الإصلاح والتنمية، وضمن العدل مقعدًا واحد فقط. ويشارك الثلاثي أيضًا في “القائمة الوطنية من أجل مصر” التي تخوض انتخابات مجلس النواب في الدوائر الأربعة، كل حسب وزنه النسبي، بجانب مشاركتهم فرديًّا في بعض الدوائر. ولم يكن الحزب الديمقراطي الاجتماعي مهمشًا بدرجة كبيرة في الاستحقاقات الماضية، إذ مثله 4 نواب في مجلس النواب المنتهية ولايته، بينما كان محمد أنور السادات هو ممثل حزبه “الإصلاح والتنمية”، وغاب العدل كليا عن برلمان 2015.
أما الطرف الآخر من المعارضة الذي يمثله أحزاب اليسار وبعض الشخصيات العامة، أبرزهم حمدين صباحي، لا يزال متمسكًا بموضعه على يسار السلطة، وهو ما تجسد في رفض رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد التعيين ضمن قائمة المئة التي يعينها رئيس الجمهورية بمجلس الشيوخ، لتكريس موقف الحزب الرافض للتعديلات الدستورية التي أعادت مجلس الشورى في ثوبه الجديد، والانتخاب بنظام القائمة.
ويقول الزاهد، في تصريحات لـ”مصر 360″، إن رفضهم (رفض الحزب) التعيين بمجلس الشيوخ انطلاقًا من الاتساق مع مبادئ الحزب الرافضة للتعديلات الدستورية التي أعادت هذا المجلس إلى الحياة، مضيفًا: “نرفض أن نكون ديكورًا لمجلس معين بالكامل، سواء بالانتخاب أو بالتعيين”.
الحزب اليساري يشارك في انتخابات مجلس النواب بعدد محدود من المرشحين، ويتبنى دعم مرشحين من أحزاب أخرى مثل المحافظين، الذي رفض أيضا الاندماج في تحالف مستقبل وطن، رغم مشاركته في جلسات الحوار الوطني.
ويعد المحافظين من المحسوبين على التيار المعارض في الوقت الحالي رغم مشاركته في وقت سابق في تحالف دعم مصر في برلمان 2015. ويدفع الحزب الذي يترأسه رجل الأعمال أكمل قرطام بـ27 مرشحًا على المقاعد الفردية، بعدما استبعدت قائمته في دائرة غرب الدلتا لعدم استكمال أوراق الترشح.
ويعلق الزاهد: “الأيام أثبتت أن مواقفنا سليمة إزاء إجراء الانتخابات بنظام القائمة المطلقة، بعدما استبعدت قائمة حزب المحافظين – التي كنا نتشاور في التيار المدني الديمقراطي للمشاركة فيها – لعدم استكمال أوراقها. وجنبنا [ذلك] هدر الطاقات والموارد وتكثيف جهودنا في دعم بعض مرشحي الفردي، سواء من حزبنا أو التكتل المعارض”.
ورفض الزاهد التعليق على موقف الثلاثي المنضم إلى القائمة الوطنية، قائلا: “لن نصدر أحكامًا على أحد. من حق الجميع البحث عن مصلحته مع الفريق المناسب له. والبراجماتية ليس معناها أن نتنازل عن مبادئنا والتحالف مع أشخاص شرَّعوا قوانين نعارضها طوال السنوات الماضية، لأن هذا يخالف المنطقي والمعقول”.
وأضاف: “المجالس النيابية يجب أن تشهد تمثيلًا ديمقراطيًّا سليمًا حتى يحافظ النظام على ثباته سياسيًّا. على الدولة شكرنا على مواقفنا لأننا نتخذ مواقف سليمة تحافظ على استقرار النظام السياسي. الإصلاحيون يرون أيضا أن الممارسات الحالية ستقود النظام إلى أزمة سياسية حقيقية بسبب غياب التمثيل”.
ربما تفضي الانتخابات الحالية إلى تغيير تركيبة المعارضة تحت القبة، في ظل انضمام 3 أحزاب إلى تحالف يراه المراقبون هو تحالف الدولة. لكن، ستبقى الفرصة متاحة لتشكيل تحالف معارض حال نجاح أعضاء ائتلاف 25/30 في الوصول إلى القبة مرة أخرى بجانب مرشحي الفردي في حزبي التحالف الشعبي الاشتراكي والمحافظين.