أطلقت وزارة العدل بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، المرحلة الأولى من مشروع تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد، بين محكمة القاهرة الجديدة، وعدد من السجون وهي: سجن طرة العمومي، وسجني 15 مايو والنهضة المركزيين، بحضور وزير العدل المستشار عمر مروان، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الدكتور عمرو طلعت.

ووفقًا لما أُعلن يوم الأحد الماضي في بيان رسمي عن تدشين المشروع، أنه يعمل على نظر جلسات تجديد حبس المتهمين احتياطيًّا من خلال استخدام وسائل التقنية الحديثة، باتصال القاضي بالمتهمين داخل السجن عبر قاعات مخصصة بحضور محاميهم، عن طريق شبكات تليفزيونية مؤمنة ومغلقة تم ربطها بين عدد من المحاكم والسجون، تمهيدا لتعميم المشروع على كل المحاكم والسجون.

فما هي إيجابيات تطبيق مشروع؟ وما هي سلبياته وكيف سيتم تطبيقه؟ وهل سيحضر المحامي مع المتهم في محبسه أم مع القاضي في المحكمة؟ وهل يستطيع المحامي التحدث مع المتهم، هذا ما نستعرضه في السطور التالية.

 

تعميم المشروع دون الإخلال بضمانات المتهم

عقب استعراض وزيري العدل والاتصالات للتجربة، أشاد وزير العدل بما وصفه بالـ”جهد مثمر وتعاون بناء في مجال التطوير التكنولوجي القضائي”. مطالبًا بسرعة تطبيق المشروع في المراحل القادمة على كل المحاكم دون الإخلال بضمانات المتهم التي يقرها الدستور والقانون. مشيرًا الى ان المشروع سيعمل على سرعة الإنجاز، وأنه سيقلل فرص انتشار فيروس كورونا المستجد بين المحبوسين والمواطنين. وأعرب الوزير عن ثقته في تعاون المحامين مع وزارة العدل لنشر التقنية في الإجراءات القانونية، لتشجيع التحول التكنولوجي في إدارة منظومة العدالة، وما يترتب على ذلك من إحكام وراحة وسرعة لكل أطراف عملية التقاضي.

كما أكد الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على أن الوزارتين تعملان على تنفيذ مشروع لرقمنة منظومة إنفاذ القانون في كل أنحاء الجمهورية، وتستهدفان من خلاله تحقيق العدالة الرقمية الناجزة باستخدام تكنولوجيا المعلومات.

 

المميزات والعيوب

يرى المحامي محمد الطنطاوي، أن  للمشروع الجديد مميزات وعيوب، فقد سهَّل على أطراف المحاكمة خاصة المتهم الذي يعاني من تواجده في سيارة الترحيلات خلال انتقاله من محبسه إلى النيابة أو المحكمة، ما يجعلها رحلة مريرة عليه، وكذا يحل أزمة توفير حراسة مرافقة له. وأضاف الطنطاوي أن تحول الدولة إلى استخدام الإنترنت سواء في تجديد الحبس الاحتياطي أو إقامة الدعاوى أو حضور الجلسات عن بعد هو ما كان يطالب به المحامين منذ عدة سنوات، وأن مصر لطالما كانت متأخرة في تلك النقطة على عكس دول أخرى مثل الخليج وبعض دول إفريقيا.

ويواصل: “بالطبع قد يكون هناك عدة أزمات في تطبيق المشروع بشكل فعلي في البداية، لكن سيتم حلها مع الوقت”. ويرى الطنطاوي أنه ليس من الإنصاف اعتبار التطبيق الجديد مخلًا بحقوق المتهم قبل التجربة العملية، وإن كان هذا احتمالًا واردًا. ويستطرد: “المشكلة الحقيقة أن ذلك النظام سوف يضيع الفرصة على أهل المتهم أن يروه أثناء حضورة لجلسة التجديد، على الرغم من أن نظريًّا الجلسات ليست مكان للزيارة، إلا أنها كانت فعلا فرصتهم الكبرى في رؤية ذويهم”.

ووفقا لبيان المشروع فسوف يحضر المتهم في محبسه (عن طريق القنوات التلفزيونية) التي تربط بينه وبين المحكمة، بحضور القاضي والمحامي. وتتم كافة الإجراءات كما كانت قبل ذلك وإلا اعتبرت كل الإجراءات باطلة.

“اأوه يعني كده مش حشوف الواد خلاص؟!”. هكذا تلخص والده احد المحبوسين احتياطيًّا مخاوفها من الإجراءات الجديدة التي ترى أنها تحرمها من رؤية ابنها اثناء التجديد له، وهي المخاوف التي يشاركها فيها الكثيرون، وحتى الآن الأغلبية لا تفهم تحديد ماهية التجديد عن بعد 

جورج إسحق، رئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية في المجلس القومي لحقوق الإنسان عقب على القانون شارحًا: “فكرة التطوير التكنولوجي القضائي موفقة. لكن من الضروري المطالبة بالنظر في الحبس الاحتياطي نفسه، على أن تكون مدته من ست شهور لعام على سبيل المثال. وأن لا تطول المدة وتتجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، شريطة أن يكون هناك عدالة ناجزة”. مؤكدًا أنه لدينا مشكلة في حضور المتهمين للجلسات، وتكرار “التعذرات الأمنية” لنقلهم من أماكن الاحتجاز إلى أماكن المحاكمة.

مشروع غير دستوري!

لكن إذا كان البعض يرونه خطوة للأمام تقنيًّا وأمنيًّا، فهناك من يراه انتهاكًا لحقوق المتهمين، ومنهم مجدي أبو فرج المحامي الجنائي الذي استهل حديثه معنا قائلًا: “هذا المشروع غير دستوري!” نظرا لكونه يفقد المتهم حقوقه في حرية الدفاع عن نفسه دون ضغوط، ولا يقدم ضمانات تحمي هذا الحق الذي كفله القانون و الدستور، “بالإضافة إلى أنه لا يوجد معايير للمحاكمة عن بعد، ولا أي ذكر للضمانات التي سيتمتع بها المتهم ودفاعه. لقد كنا ننادي أن يكون هناك محاكم وقضاة متخصصة للنظر في أمر تجديد الحبس الاحتياطي، لنفاجأ بانتهاك جديد لحقوق المتهم عن طريق تجديد الحبس الاحتياطي وهو لازال في قبضة الداخلية التي تعتبر خصمه الأساسي في الدعوي، بغياب الطرف المحايد وهو النيابة العامة، وغياب قاضيه، لاسيما ونحن نتحدث عن سجون خرجت عن سياق الرقابة والمراقبة”.

ما هو الحبس الاحتياطي؟

ووفقا لبحث أعده المحامي الحقوقي، تامر السيد أحمد، في عام 2016 وصدر عن مركز بداية للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؛ فإن الحبس الاحتياطي عمليًّا نوع من أنواع عقاب المتهم، وأنه لا بد من تطبيقه بما يتناسب مع كرامته والاعتبارات الإنسانية، نظرا لأن الحبس الاحتياطي يتنافى مع القاعدة الأصولية التي تقول إن” المتهم برئ إلي أن تثبت إدانته بحكم نهائي”. واعتبر البحث أن الحبس الاحتياطي من أخطر إجراءات التحقيق وأكثرها مساسا بحرية المتهم، وأن القانون شرعه لما يفيد مصلحة التحقيق.

وأكد المحامي الحقوقي خلال بحثه على أنه لا يجب تطبيق الحبس الاحتياطي إلا في أضيق الحدود، والهدف منه هو سلب حرية المتهم أثناء مدة التحقيق، وهي عقوبة “لا يجوز توقيعها على الإنسان إلا بمقتضى حكم قضائي واجب النفاذ”.

كما يعتبر الحبس الاحتياطي إجراء تحفظي تجاه المتهم وهو ضمن سلطات النيابة أو قاضي التحقيق الجنائي. واشترطت المادة 41 من الدستور المصري توافر ضرورة التحقيق كمبرر لهذا الإجراء.