الاحتفال كان هذه المرة في أبو ظبي.

احتفلوا بتوقيع شركة خط أنابيب أوروبا آسيا “EAPC” الإسرائيلية، مذكرة تفاهم مع شركة “ميد ريد لاند بريدج”، ومقرها أبوظبي، من أجل توريد النفط الإماراتي إلى أوروبا عبر استخدام خط أنابيب “إيلات- عسقلان” الواصل بين البحرين الأحمر والمتوسط.

وتم التوقيع على الاتفاقية بحضور وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين.

الخبر الذي قد يغير تاريخ قناة السويس ويضع مصر في مهب التطبيع الخليجي والعربي المتصاعد، تم تداوله على استحياء في الإعلام المصري، وتجاهلته آلة التوك شو الليلية على الفضائيات تماما.

التأثيرات السلبية المحتملة على قناة السويس بعد تنفيذ المشروع تتصدر قائمة من الخسائر الاقتصادية والسياسية، تتكبدها مصر بعد اكتمال دائرة التطبيع الإسرائيلي مع دول أخرى في الخليج وأفريقيا.

هل يجب أن تشعر القاهرة بالقلق من تقارب طرفين، كلاهما يرتبط معها بعلاقات دبلوماسية وتجارية؟

يستعرض هذا التقرير بعض الأسباب التي تثير مخاوفنا من التطبيع العربي “المُهرول” تجاه إسرائيل.

كل هذه السرعة في تنفيذ التطبيع الإماراتي

سرعة توقيع الاتفاقيات التجارية والصناعية والثقافية هي أكثر ما يثير القلق هنا في القاهرة.

اتفاقيات تؤكد أن الترتيب للتطبيع بين الجانبين والتعاون بينهما يرجع إلى نحو عقد من الزمان، وهو ما يشير إلى أن كل ما يعلن عنه الآن ليس خططاً مستقبلية وليدة اللحظة، بل خطوات مدروسة سلفاً، وخروج القصة للعلن يتزامن مع بداية تنفيذها على الأرض.

الاتصالات بين البلدين تم فتحها في اليوم التالي مباشرة للإعلان.

وبعد 3 أيام تم الإعلان عن اتفاق إماراتي إسرائيلي حول أبحاث مكافحة “كورونا”.

وخلال شهر تقريباً وقّعت أبرز البنوك الإماراتية اتفاقيات تعاون مع نظيراتها في إسرائيل.

واستعدت الفنادق الإماراتية لاستقبال الزائرين الإسرائيليين بوجبات حلال طبقاً للديانة اليهودية، وتم بالفعل افتتاح مطعم يقدم الوجبات اليهودية الحلال.

وانهمرت الأخبار عن مذكرات التفاهم بين البلدين المتشوقين للتطبيع، أهمها مذكرات تفاهم بين شركة موانئ دبي العالمية وجمارك دبي، مع شركة دوفارتاور الإسرائيلية.

وفي اليوم نفسه، وقّع مصرف أبوظبي الإسلامي مذكرة تعاون مع بنك “لئومي”، ثم أعلن مكتب أبو ظبي للاستثمار (حكومي) أنه يجري مباحثات مع أكثر من 85 شركة إسرائيلية في قطاعات متعددة حول ممارسة الأعمال في أبوظبي.

وفي 20 أكتوبر، وقع الجانبان 4 مذكرات شراكة في مجالات الزراعة والحلول الذكية للري وإنتاج المياه من الهواء.

وأصبحت الإمارات أول دولة عربية تسمح للإسرائيليين بدخول أراضيها من دون تأشيرة، وأصبح الإماراتيون أول مواطنين عرب يُسمح لهم بدخول إسرائيل من دون تأشيرة.

خط أنابيب إيلات- عسقلان قد يكون الضربة المباشرة لمصالح مصر

كان بمثابة مشروع بناء ضخم يهدف إلى ضمان إمدادات الطاقة في أعقاب أزمة السويس عام 1956.

وقتها فرض الرئيس المصري جمال عبدالناصر قيوداً على عبور القناة، ما أدى إلى عدوان القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية على مصر.

ويقول موقع Foreign Policy إن معظم النفط المتدفق عبر خط الأنابيب كان من إيران، التي كانت تربطها علاقات وثيقة ولكن سرية مع إسرائيل، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.

وفي عام 1968 سجلت الحكومتان الإسرائيلية والإيرانية شركة خط أنابيب إيلات-عسقلان كمشروع مشترك لتصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما بعدها عن طريق الناقلات إلى أوروبا.

ثم انقطعت العلاقات في عام 1979 بعد الثورة الإيرانية.

خط الأنابيب الرئيسي للشركة البالغ قطره 42 بوصة، يعمل بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب بمقاس 16 بوصة لنقل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل.

أما خزانات النفط الواقعة في ميناء عسقلان على البحر المتوسط فتبلغ طاقتها نحو 23 مليون برميل.

وتبلغ طاقة خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 254 كيلو مترا نحو 600 ألف برميل يوميا.

يتفوق خط الأنابيب على قناة السويس بقدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استقبال الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط اليوم، لكنها أكبر من استيعاب القناة.

هذه السفن معروفة باسم VLCCs، أو ناقلات النفط الخام الكبيرة جداً، وتحمل الواحدة ما يصل إلى مليوني برميل.

وها هي استثمارات الإمارات تُعيد المشروع للحياة في 2021

أعادت إسرائيل بيع المشروع باعتبار أنّ المضائق البحرية التي يمر عبرها النّفط الخليجي لم تَعُد آمِنَةً “بسبب التّهديد الإيراني وخطَر الحوثيين على المِلاحة في باب المندب، علاوةً على تقصير المِسافة وتقليل التّكاليف”.

وقال مصدر مطلع على الصفقة لرويترز إنه إذا تحولت الصفقة الأولية إلى اتفاق نهائي، فقد تصل قيمتها إلى 800 مليون دولار على مدى عدة سنوات. وقال المصدر إن إمدادات الخام قد تبدأ بالتدفق اعتباراً من بداية العام المقبل.

ولا تقتصر الاتفاقية على نقل النفط الاماراتي والمشتقات النفطية القادمة من الامارات الى الأسواق الاوروبية والغربية بل ايضا تشمل إمكانية نقل نفط دول أخرى إلى القارة الأوروبية، مع إمكانية نقل النفط من حوض البحر الاسود والمتوسط باتجاه الاسواق الآسيوية.

وهذا هو تأثير المشروع على إيرادات قناة السويس

ناقلات النفط تمثل أكثر من 27% من إجمالي السفن العابرة بالقناة، وذلك بحسب إحصائيات العام الجاري، مقابل 21% العام الماضي. والناقلات هي الشريحة الأكبر من السفن، وإيراداتها تمثل الجزء الأكبر من الدخل.

خط إيلات – عسقلان إذن سوف يشكل خطرا على إيرادات القناة، باستقطابه لحصة كبيرة من الشحنات النفطية.

واعتبر رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع أن إنشاء خط أنابيب النفط “إيلات-عسقلان” الإسرائيلي إلى الخليج “يمس الأمن القومي المصري وقناة السويس” ضمن ما وصفه بـ “تسارع الترتيبات الإقليمية”.

وحذر ربيع من العواقب المحتملة لمد الخط، رغم توقعاته بأن تستحوذ قناة السويس على 66% من إجمالي كميات الخام المحتمل عبورها من قناة السويس، والبالغة نحو 107 ملايين طن، مقابل نحو 55 مليون طن للمشروع الإسرائيلي.

ورغم ذلك قلل ربيع من تأثير المشروع الجديد على قناة السويس في المنافسة على نقل البضائع، قائلاً: إن السكك الحديدية المزمع إنشاؤها لا يمكن أن تنافس القناة، التي يمكنها نقل كميات ضخمة بتكلفة أق، بالإضافة لميزة المناطق الصناعية في شرق بورسعيد والعين السخنة.

ولابد أن إدارة القناة وجدت نفسها في سباق مع الزمن، للتوصل إلى خطة تسويقية وتسعيرية جديدة، كما تعمل الهيئة الاقتصادية للقناة على تطوير صناعات جاذبة للسفن، لإيجاد حلول إذا زاد تأثير الخط الإماراتي-الإسرائيلي المزمع عن الحد التنافسي.

السباق مع الزمن لأن الخط الإماراتي الإسرائيلي يبدأ عمله بعد شهور قليلة.

 

فيديو: رئيس هيئة القناة يشرح تأثيرات مشروع الإمارات وإسرائيل

جنوب سيناء قد تفقد ميزاتها التنافسية للسياح الأغنياء

قد يكون كابوساً بالنسبة للقاهرة أن يتم قريباً ترتيب زيارات إلى المسجد الأقصى في القدس عن طريق أبوظبي، ما يضيف رونقاً إلى سمعة الإمارات، لم تتمكن منه مصر بسبب المقاومة الشعبية للتطبيع.

لكن لا تتخوف مصر من أن يضر الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي بالعلاقات الاقتصادية المحدودة مع إسرائيل.

مثلاً لن تتأثر صفقات الغاز الإسرائيلية المصرية، المبنية على منطق القرب الجغرافي وخطوط الأنابيب الحالية.

وقد لا تتخوف من تفكير الإسرائيليين في الاستفادة من الرحلات الجوية المباشرة إلى دبي وأبوظبي؛ لأن هذه المدن الضخمة باهظة الأسعار لا تمثل تهديداً كبيراً لمنتجعات سيناء.

لكن مصر يمكن أن تخسر الميزة التنافسية الإقليمية لشبه جزيرة سيناء، في حالة ظهور مشروعات ترفيه عملاقة مثل نيوم، أو مقاصد سياحية أخرى سيلقيها قطار التطبيع السريع الذي انطلق من الإمارات.

وقد تصبح إسرائيل مركز شبكة الطرق البرية “العربية”

منذ انطلق قطار التطبيع الخليجي تعكف إسرائيل على وضع مخطط مالي وإنشائي متكامل لبناء شبكة الطريق السريع الإقليمي، بحيث تسمح بوصول بري آمِن وبسيط التكلفة للدول العربية على البحر المتوسط.

وأقرّت الحكومة الإسرائيلية رسمياً مشروعا يصل بين أوروبا والمنطقة، يمر بالحدود الأردنية وجنين شمالي الضفة، لإنشاء طريق تجاري واستثماري من البحر المتوسط وصولاً إلى الداخل العربي، ورصدت 4,5 مليون دولار لوضع المخطط الهندسي.

عندما ينتهي المشروع، تصبح إسرائيل الجسر البري المباشر الذي يربط بين أوروبا بدول المنطقة.

يتعامل المشروع مع الممرات البحرية في البحر المتوسط أو المنطقة ليصبح ترجمةً لمشروعات “السلام الإقليمي” التي سبق أن طرحتها إسرائيل.

وهناك عدة دول معنية بالمشروع، أهمها الولايات المتحدة ودول الخليج والأردن والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي، مما يعني أن المشروع ليس مقتصراً على دول محددة فقط في الإقليم.

سياسيا: ربما تفقد مصر كل هذه الملفات المهمة

“هناك ما يدعو للقلق بالنسبة إلى مصر من الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي، إذ تمسك مصر بملفات هامة للغاية بشكل حصري تعطيها ثقلاً ووزناً دولياً، وتخشى أن تسحب منها”.

هذا ما يرصده المحلل السياسي لصحيفة هآرتس الإسرائيلية تسفي بار إيل، ‎الذي يؤكد أن وساطات القاهرة بين إسرائيل والعرب “زادت خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي”.

المتابعة الإعلامية للتطبيع الإماراتي ثم البحريني، قبل أن يدخل السودان على الخط، كانت “احتفاء متحفظا”، يعكس خشية مصر من أن يسحب التطبيع الإماراتي البساط من تحت أقدامها، وهي التي طالما قدّمت أوراق اعتمادها لدى الغرب وإسرائيل باعتبارها جسراً وسيطاً رئيسياً مع العرب، والورقة العربية الأولى في القضية الفلسطينية.

وفي صباح 21 سبتمبر/أيلول 2020، استقبلت مدينة اسطنبول وفدين فلسطينيين، من حركة فتح وحركة حماس، لإجراء أول محادثات مباشرة منذ 15 عاماً، بهدف إنهاء الخلاف المستمر والاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني خلال ستة أشهر.

وبدون أطراف أخرى عربية أو غير عربية.

وبعيداً عن القاهرة التي كانت “تهيمن” على هذا الملف منذ سنوات طويلة.

كان هذا الحدث هو أول الغيث سياسيا، كما كان مشروع إيلات – عسقلان أول الغيث اقتصاديا، في عاصفة إقليمية كبيرة يقودها التطبيع الخليجي والعربي مع إسرائيل.

“المهرولون” لا يكرهون مصالح مصر، لكنهم يمنحون الأولوية لمصالحهم، ويغيرون ثوابت الشرق الأوسط، وحدود النفوذ السياسي والاقتصادي لمصر.

الضرر السياسي الأكبر للتطبيع العربي المتسارع، هو إطلاق يد إسرائيل في المنطقة كقائد معترف به للنظام الإقليمي، كما كتب الإعلامي حسين عبد الغني على موقعنا، وهذا سوف يؤدي إلي نتائج خطيرة تدعم بقسوة تحالف الإسلاموية السياسية الإقليمي ويسمح له بالامتداد الأيدلوجي والشعبي وأيضا بالوصول لمناطق تهديد مباشر سواء لنفوذ أو أمن مصر، وبالتالي يؤدي إلي تزايد نفوذ الإرهاب وليس انحساره وإلي نقل الدولة المصرية في صراعها (الداخلي / الخارجي) معه من موقع الهجوم إلي موقع الدفاع.