“تخيلت ممكن ألاقي حاجات قريبة بألف ولا ألفين جنيه مثلا، لكن كل الأسعار تجاوزت 10 آلاف، ودا كتير عليّ جدا”.

عبير مرشدي، أم لطفلة تبلغ من العمر 6 سنوات، بدأت العام الماضي رحلة البحث عن مدرسة مناسبة لها، قريبة من محل سكنها في منطقة السيدة زينب.

عبير ربة منزل، وزوجها يعمل بأحد شركات السياحة، قررا إنجاب طفلة واحدة، “علشان نقدر نربيه كويس، لأن مالناش دخل غير مرتبه. ممكن طفل واحد نحسن تربيته، وكل حاجة كانت كويسة لحد مقربنا من فترة التقديم للمدارس. وقتها حسيت إني دخلت مرحلة جديدة صعبة، مش عاوزة أدخل بنتي مدرسة حكومية، وفي نفس الوقت مش قادرة على مصاريف المدارس الخاصة”.

 

البحث عن الحل بدأ في جروبات الماميز”

دخلت عبير لإحدى المجموعات المغلقة، والتي يطلق عليها “جروبات الماميز”، تسأل عن المدارس والأسعار.

وجدت أسعارا تبدأ من 10 آلاف جنيه في العام الدراسي، وترتفع لمئات الآلاف في المدارس الخاصة والدولية. 

وجدت مصاريف مدرسة مثل “بيبي جاردن” القريبة من بيتها تصل إلى 9500 جنيه،تزداد مع كل سنة دراسية جديدة.

ووجدت أيضا ما يطلق عليه “التعليم من البيت”.

تابعت عبير في حديثها لـ”مصر 360″، أن العبارة دفعتها للسؤال عن هذا النظام.

“الأم اللي اقترحت التعليم من البيت لفت على المدارس، وقررت تعلم ابنها في البيت. العبارة في الأول كانت غريبة عني، بس لما سألتها لقيت الفكرة مش وحشة ليه لأ. هي تسجل الولد في مدرسة حكومية عادية، لكنه لا يذهب هناك مرة واحدة، وهي اللي بتذاكر له مناهج المدرسة ومناهج بتجيبها من النت، أو من مراكز متخصصة، ويروح الطفل لأداء الامتحان في نهاية السنة”.

 

أشكال من التعليم من المنزل ليست كلها مجانية

عرضت عبير الفكرة على الأب، والذي أبدى تخوفه في بداية الأمر، لكن بعد حديث ونقاش مع الأم، وافقا على التجربة.

ابنة عبير كانت تذهب لأحد الحضانات العادية قبل موعد الالتحاق بالمدرسة، وتعلمت العديد من الحروف والأرقام والكلمات، لتبدأ معها الأم التعليم المدرسي “البنت كانت اتعلمت من الحضانة اللي كانت بتروحها حروف وكلمات كتير وكلمات إنجليزي كمان، فقررت أنزل منهج الصف الأول الابتدائي وأبدأ أذاكر معاها واحدة واحدة، ومعاه دورت على مناهج لتنمية مهارات الأطفال في السن ده، ولقيت جروبات كتير ولينكات كتير بتقدم مناهج تنمي مهارات الأطفال في السن ده”.

وجدت عبير عدة طرق للاستمرار في التعليم من المنزل، من خلال بحثها عبر الإنترنت.

منها التسجيل الصوري في المدارس الحكومية، والاتفاق مع إدارة المدرسة على حضور الامتحانات فقط.

و عدم التسجيل في أي مدرسة، والالتحاق بنظام تعليم المنازل عقب الصف الخامس الابتدائي، وحضور الامتحانات في نهاية كل عام فقط.

أو التعلم في المنزل دون التسجيل رسميًّا في أي مدرسة، ثم أداء اختبار سات SAT، أو ما يُعرف بالثانوية الأمريكية، عند بلوغ الطفل المرحلة الثانوية العامة للإلتحاق بالجامعة.

مر العام الأول في ما أطلقت عليه عبير وأخريات التعليم من المنزل، واستطاعت عبير خلال هذا العام تدريس منهج الصف الأول لطفلتها بالكامل، بالإضافة لتنمية مهارة الاستماع للقصص. 

 

خريطة مصاريف أنواع المدارس في مصر

يمكن تقسيم مدارس مصر من حيث المصاريف إلى 4 فئات:

الفئة الأولى وهي المدارس الحكومية العادية.

التقديم وفقا لمحل الإقامة، ومصاريفها رمزية.

الفئة الثانية هي المدارس التجريبية.

يتم بها تدريس مادتي الدراسات والعلوم باللغة الإنجليزية، وباقي المواد بها باللغة العربية. تبدأ المصاريف من ألف جنيه.

الفئة الثالثة هي المدارس الخاصة.

تدرّس جميع المواد باللغة الإنجليزية، أو جميع المواد باللغة العربية، وتعتمد كلاهما على المنهج التعليمي المصري. مصاريفها أغلى من المدارس التجريبية.

الفئة الرابعة هي المدارس الدولية International.

تدرّس مناهج دولية، وقد تصل مصاريفها لمئات الآلاف من الجنيهات في العام الواحد.

 

بعيدا عن المدرسة: أطفال يكبرون بلا خبرات اجتماعية

نتوقع من الأم المصرية في هذه الظروف أن تهرب من المصروفات المبالغ فيها إلى التعليم من المنزل.

هكذا يشرح كمال مغيث الخبير التربوي ما يجري في الساحة التعليمية بمصر الآن. “يهربون الكثافة العالية في المدارس الحكومية، وارتفاع المصاريف في المدارس الخاصة”.

لكنه مغيث يحذر: التعليم من المنزل له العديد من الأضرار، أبرزها غياب الدور الاجتماعي الذي تنميه المدرسة في الطلاب. “لازم الطفل يتعرف على أطفال من سنه، ويكتسب خبرات من خلال مواقف بيتعرض لها. لازم يعيش المواقف بنفسه ومش ممكن أوصل له المواقف دي بالكلام أو الحكي”.

هذا النوع من التعليم من الممكن أن يوفر للطالب التعليم المعرفي فقط، ولكن التعليم السلوكي وانخراطه في المجتمع، واكتساب الخبرات والمهارات لا يمكن أن يتم دون تعامل الطفل مع زملائه في المدرسة، وتعرضه للمواقف المختلفة. 

يواصل مغيث وهو يشدّد على أهمية المسارعة بتطوير التعليم في المدارس الحكومية وتقليل كثافة الطلاب، حتى تجتذب أولياء الأمور، بدلا من البحث عن المدارس الخاصة باهظة التكاليف.

 

ومن مدرسة إلى أخرى: الأطفال يبكون لفراق الأصحاب

سناء صبري، أم لثلاثة أطفال. اثنان في الابتدائية وبنت في الإعدادية، بمدرسة فضل الخاصة في الهرم. “قريبة من البيت، ومصاريفها كانت مناسبة لينا، في السنة من 6 لـ7 آلاف، فكنا نحتاج في السنة من 18 إلى 20 ألف جنيه، ممكن ندبّرهم من شغلي ككوافيرة صاحبة محل، وهو من خلال مكتب بيع وتأجير عقارات”.

لم يدم حال سناء وزوجها كثيرا، فقد جاءت كورونا..

“المحل فضل مقفول أكتر من 3 شهور مفيش زباين والستات خايفة تيجي تعمل شعرها ولا وشها، وشغل جوزي كمان قل، واحنا للأسف معندناش دخل ثابت، وبقت الحالة نايمة على الكل”.

وجدت سناء وزوجها أن العام الدراسي الجديد يقترب، ومطلوب منهما ما يقرب من 20 ألف جنيها مصاريف دراسية لثلاثة أبناء، وهو المستحيل.

“سحبنا ملف الولدين الصغيرين وذهبنا إلى مدرسة تجريبية بمصاريف قليلة، وتركنا البنت في آخر سنة في الإعدادية، وفي الثانوية العامة نبقى نشوف مدرسة أقل أو حتى تاخدها من المنزل، كان الحل الوحيد والصعب”.

كان الحل أصعب على طفلها الأصغر. “قعد يعيط ويقولنا أنا مش عاوز أسيب صحابي، وده كان بيقطع قلبي بس غصب عني وعن أبوه مكنش ينفع نكمل، وأقنعناهم إنهم في المدرسة الجديدة هيكونوا صحاب جداد يلعبوا معاهم ويحبوهم زي صحابهم القدام”.

رحلة سحب الملف من المدرسة القديمة والتقديم بالمدرسة الجديدة لم تكن رحلة هينة. “فضلنا ندور الأول ونسأل عن مدرسة قريبة بمصاريف أقل، لقينا مدرسة اسمها المعرفة في أول فيصل، طبعا أبعد من مدرستهم الأولى، بس دي المدرسة الوحيدة اللي قبلت الولدين سوا، لفينا على مدارس كتير رفضوا بسبب الكثافة أو ياخدوا واحد والتاني لأ، وفي النهاية المدرسة دي وافقت ومصاريفها مش هتتعدى ألف جنيه لكل واحد فيهم، وبكده نكون وفورنا تقريبا 10 آلاف جنيه، وللأسف لو كان معانا المبلغ ده عمرنا مكنا حطينا الولاد في الموقف ده”.

من اختاروا التعليم المنزلي أكدوا لـ “مصر 360” الحرص أيضا على قضاء أطفالهم وقتا طويلا في المنزل بعيدا عن المدرسة، بسبب الانتقال لمستوي تعليمي جديد، وأيضا بسبب المخاوف من انتشار فيروس كورونا، كما حددت وزارة التربية والتعليم أياما محددة للطلاب للحضور في المدارس، تتراوح بين يومين وأربعة أيام بالمراحل التعليمية المختلفة.

بعد التعويم وكورونا: وداعا أيتها الطبقة المتوسطة العليا 

الباحثة في شئون الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، سلمى حسين، تقول إنه من المتوقع أن يتسرب عشرات آلاف الأطفال في مصر من منظومة التعليم، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، خصوصا بعد جائحة كورونا، معتبرة أن هذا هو الجانب الأخطر في تبعات انتشار الفيروس.

تسرب عشرات الآلاف من التعليم، بحسب سلمى، يعني تضاؤل فرصهم في الحصول على حياة أفضل، وفي القدرة على الإنتاج، وهو ما يؤثر على مستقبل البلاد في العموم، خصوصا وأن ميزانية التعليم والصحة في مصر، أقل ما ينبغي.

تلفت سلمى إلى أن الأسر المصرية التي تلحق أطفالها بالمدارس الخاصة، تشكل 10% فقط من إجمالي المصريين، وهي النسبة الأعلى دخلا، وتأثر هذه الفئة للدرجة التي تجعلهم يبحثون عن بدائل أقل كلفة، يعني أن الطبقة المتوسطة العليا تتآكل.

وتضيف سلمى أن 5% فقط من مستخدمي الإنترنت في مصر، زاد استهلاكهم من حزم البيانات، خلال جائحة كورونا، مقابل 95% قللوا الاستهلاك ترشيدًا للنفقات، وهو ما يشير إلى أن خطط “التعلم عن بعد” في حال الاضطرار إليها، ستؤدي لاستبعاد الكثيرين من منظومة التعليم.

اتجاه شريحة من المصريين لمدارس أقل تكلفة، حسب رؤية سلمى، يعني تضحيتهم بقدر من جودة التعليم، مشيرة إلى أن هذا التوجه لم يبدأ مع ظهور كورونا في مصر، بل منذ 2016، مع القرارات الحكومية بتعويم الجنيه، والتي أدت لفقدانه 50% من قيمته.