انضم المهندس الاستشاري ممدوح حمزة إلى قائمة السياسيين المدانين يارتكاب جرائم إرهابية بموجب قانون مكافحة الإرهاب.

وقضت محكمة جنايات القاهرة بحبس حمزة 6 أشهر غيابيا وإدراجه على قوائم الإرهاب، في اتهامه بالتحريض على العنف ونشر أخبار كاذبة.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها على حمزة، إن المتهم دأب على تشويه كل إنجاز وتوجيه كل انتقادات حادة للدولة ومؤسساتها واتهام نظام الحكم بالعمالة، بهدف تأليب الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، وذلك على خلفية تغريدة سابقة له خلال الحملة الأمنية على تعديات جزيرة الوراق في العام 2017، إذ كتب حينها: “يا أهالي جزيرة الوراق تمسكوا بحقوقكم، ولا تخضعوا لمن يبيع الأرض، لقد دفعنا عن جزيرة القرصاية 2009 أمام هجوم الاحتلال في الاتحاد قوة”.

وبحسب الحيثيات، فإن العقوبة المقررة للمتهم وفقا للمادة 19/1 من القانون رقم 94 لسنة 2015، بشأن مكافحة الإرهاب هي السجن المشدد الذي لا تقل عقوبته 10 سنوات، لكن المحكمة رأى في شخصية وأحوال المتهم ما يجعلها تأخذ بقسط من الرأفة عملا بنص المادة 17 من قانون العقوبات.

وتزامن الحكم على حمزة بمرور نحو 5 سنوات على إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي لقانون الكيانات الإرهابية، الذي أقرته الحكومة قبل تشكيل مجلس النواب المنتهية ولايته لتحديد الكيانات الإرهابية، وإنشاء قائمة مصرية للإرهاب لأول مرة في تاريخ التشريع المصري.

وترتب على هذا القانون منع أعضاء الكيانات الإرهابية من الترشح للبرلمان وتولي المناصب التنفيذية، ويحدد إجراءات معينة للطعن على الإدراج في قوائم الإرهاب.

ويعرف القانون الشخص الإرهابي بأنه “هو كل شخص طبيعي يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو يخطط، في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية بأية وسيلة كانت، ولو بشكل منفرد، أو يساهم في هذه الجريمة في إطار مشروع إجرامي مشترك، أو تولي قيادة أو زعامة أو إدارة أو إنشاء أو تأسيس أو اشترك في عضوية أي من الكيانات الإرهابية المنصوص عليها في المادة رقم (1) من هذا القانون أو قام بتمويلها، أو ساهم في نشاطها مع علمه بذلك”.

ووسعت الحكومة، في فبراير الماضي، من مفهموم تعريف للكيان الإرهابي ليشمل فئات جديدة مثل الشركات والاتحادات، وفقا للتعديلات التي وافق عليها ثلثي مجلس النواب في دور الانعقاد الخامس.

ضمت التعديلات إعادة تعريف جريمة تمويل الإرهاب، واستحداث آثار جديدة للإدراج في قوائم الجماعات الإرهابية والإرهابيين، منها تجميد عضوية المُدرَج على القائمة في النقابات المهنية ومجالس إدارات الشركات والجمعيات والمؤسسات الحكومية، مع التوسع في مصادرة وتجميد أصول وأموال وممتلكات المدرجين على القوائم حتى لو لم يثبت استخدامها في أي نشاط إرهابي.

معارضون في قبضة “دعم الإرهاب”

ويقبع نشطاء ليبراليون ويساريون خلف الجدران بسبب اتهامهم بدعم الإرهاب وإنشاء كيانات إرهابية، أبرزهم أعضاء تحالف الأمل زياد العليمي وحسام مؤنس وعمر الشنيطي، الذي يواجهون اتهامات بتمويل الإرهاب والانتماء إلى جماعة إرهابية.


كما يواجه الناشط اليساري هيثم محمدين اتهامات بارتكاب جرائم إرهابية منها الانضمام إلى جماعة ارهابية أو مساعدتها على تحقيق أغراضها.

وبخلاف النشطاء، يواجه رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح تهمتي قيادة جماعة إرهابية وتمويل عناصرها بغرض ارتكاب أعمال إرهابية، وذلك بعد أن ظل محبوسا احتياطيا لمدة عامين.


وفي إطار ذلك، أصدر المركز العربي لاستقلال القضاء ورقة بحثية بعنوان “تشريعات عنقودية.. خمس سنوات على قانون مكافحة الإرهاب”، ناقش فيها مدى تأثير القانون على الحريات الشخصية ومعارضته للمواثيق العالمية لحقوق الإنسان.

واستعانت الورقة بالتقرير الصــادر عــن المفوضيــة الســامية لحقــوق الإنســان بشــأن حمايــة حقــوق الإنســان والحريــات الأساســية فــي ســياق مكافحــة الإرهــاب، الذي أعربت فيه المفوضية عن قلقها مــن التدابيـر التـي اعتمدتهـا بعـض الـدول فـي إطـار مـا تقـوم بـه لمكافحـة الإرهـاب، معتبرة أنها تدابيـر لا تـزال ُ تنتهـك المعاييـر الأساسـية للمحاكمـة العادلـة، أو تحـد، علـى نحـو آخـر، مـن إمكانيـة الوصـول إلـى العمليـة القضائيـة.

وتشـمل هـذه التدابيـر اعتمـاد وتطبيـق تشـريعات تخالف مبدأ الشرعية فـي كثيـر مـن البلـدان تتضمـن تعاريف فضفاضة وغامضة لجرائم الإرهاب.

وبحسب تقرير المفوضية، فإن هذه التشريعات سـاعد السـلطات علـى إنفاذهـا بصـورة تعسـفية وتمييزيـة وأفضـى فـي كثيـر مـن الحـالات إلـى انتهـاك الحـق فـي حريـة التعبيـر والتجمـع وتكويـن الجمعيـات وحريـة الديـن والمعتقـد فضـلا عـن انتهـاك الحقـوق المتصلة بالإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك المحاكمة العادلة.

فلسفة تشريعية جديدة

يعتقد المركز العربي لاستقلال القضاء أن إقـرار قانـون مكافحـة الإرهـاب جـاء كبديـل دائـم يوفـر حلـولا عمليـة لحلحلـة التعقيـدات الإجرائيـة التـي ينـص عليهـا قانـون الإجـراءات ُ الجنائيــة والدســتور المصــري، لتبســط يــد جهــات إنفــاذ القانــون المختلفــة فــي إجــراءات القبــض ُ والتحفـظ والحبـس الاحتياطـي والتوسـع فـي دوائـر الاشـتباه دون قيـود تذكـر، وكذلـك توجيـه تهـم  تغيـب عنهـا العناصـر الأساسـية المتعلقـة بالوضـوح واليقيـن الـذي يجـب أن يحيـط بالقواعـد القانونيـة التي تتسم بطابع جزائي.

فواتير أخرى لمكافحة الإرهاب

القانون لم يؤثر فقط على إجراءات القبض والحبس الاحتياطي، لكنه امتد إلــى نســخ بعــض القواعــد القانونيـة التـي نظمهـا قانـون مكافحـة الإرهـاب لتصبـح نـواة لتشـريعات أخـرى، ومنهـا على سـبيل المثـال أن قانـون مكافحـة الإرهـاب، هـو أول قانـون يتحـدث صراحـة عـن تنظيـم عمليـة حجـب المحتوى علـى الإنترنـت، التـي أصبحـت فيمـا بعـد قاعـدة أساسـية ينظمهـا قانـون جرائـم مكافحـة جرائـم تقنيـة المعلومات الذي أصدر في عام 2018.

كما أثر على القواعـد المتعلقـة بعلانية الجلسـات، حيث وضعت المـادة ٣٦ قيودا جديدة منها حظــر تصويــر أو تســجيل أو بــث أو عــرض أيــة وقائــع مــن جلســات المحاكمــة فــي ٍالجرائـم الإرهابيـة إلا بـإذن مـن رئيـس المحكمـة المختصـة، وهـو النـص الـذي انعكـس علـى مقتـرح  تعديــلات قانــون الإجــراءات الجنائيــة، حيــث يشــمل المقتــرح تعديــلا بإضافــة فقــرة إلــى المــادة ٢٦٨ تنـص علـى أنـه “لا يجـوز نقـل وقائـع الجلسـات أو بثهـا بـأي طريقـة كانـت إلا بموافقـة كتابيـة َّ مــن رئيــس الدائــرة”.

كمــا تضمــن المشــروع إضافــة مــادة برقــم ٢٦٨ مكــرر، تنــص علــى أنــه “لا يجـوز نشـر أخبـار أو معلومـات وإدارة حـوارات أو نقاشـات عـن وقائـع الجلسـات أو مـا دار بهـا علـى نحـو غيـر أميـن أو علـى نحـو مـن شـأنه التأثيـر علـى حسـن سـير العدالـة.

وحظـر تنـاول أي بيانـات أو معلومـات تتعلـق بالقضـاة أو أعضـاء النيابـة العامـة أو الشـهود أو المتهميـن عنـد نظـر المحكمـة لأي مـن الجرائـم المنصـوص عليهـا فـي قانـون مكافحـة الإرهـاب.

هل أتى قانون الإرهاب بجديد؟

وبرأي المركز العربي، فإن القانون لـم يـأت بتنظيـم لجرائـم جديـدة، فأغلـب الجرائـم التـي تضمنهـا القانـون، ُنسـخت بشـكل أو بآخـر مـن قوانيـن عـدة، مـن بينهـا قانـون العقوبات المصـري وقانـون الطـوارئ وغيرها  مـن القوانيـن، الفـارق أن القانـون قـد اسـتحدث بعـد ا أو غرضـا جديـدا ارتكبـت مـن أجلـه الجريمـة، وهو التمييـز بيـن الجريمة العاديـة والجريمـة الإرهابيـة، ومن ُ العنصـر الإرهابـي، الـذي يشـكل عامـلا رئيسـيا للعقوبـات التـي توقـع فـي حالـة توافـر هـذا الشـرط، بالإضافـة إلـى استحداث عـدد مـن التدابيـر التـي توقـع فـي حالـة ثبـوت ارتـكاب الجريمـة.

 

بديل للطوارئ؟

تتشابه نصوص مكافحة الإرهاب مع بعض القواعد المنصوص عليها بقانون الطوارئ، وذلك بهدف ضمان تطبيق بعض النصوص الاستثنائية بشكل دائم، لتصبح هذه القواعد جزءا من البيئة التشريعية المصرية، يمكن تطبيقها بشكل مستمر بعيدا عن الضوابط الإجرائية المتطلبة لإعلان حالة الطوارئ، وتجنا للانتقادات التي قد تحدث في حالة إعلان حالة الطوارئ بشكل مستمر، حيث طوعت مواد قانون مكافحة الإرهاب لتكون بديلا دائما يمكن استدعاؤه متى اقترنت الجرائم العادية بأبعاد إرهابية.

وتطرق المركز للصلاحيات الاستثنائية التي منحها قانون مكافحة الإرهاب لرئيس الجمهورية ولجهات التحقيق، الحق في اتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، لمدة لا تجاوز ستة أشهر، هذا النص هو خير مثال على أن المشرع قد أعطى من خلال هذا القانون صلاحية تتجاوز حدود اختصاص رئيس الجمهورية بوصفه رئيس للسلطة التنفيذية، فالنص بصياغته النهائية لم يحدد طبيعة الخطر الذي يستدعي تدخل رئيس الجمهورية، لاتخاذ تدابير استثنائية لم يتم ذكرها على سبيل الحصر، حيث ترك النص لرئيس الجمهورية حرية اختيار الإجراء الذي “يتناسب” في حال قيام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية.

كما منح القانون صلاحية لمد مدة هذه التدابير غير المحددة لفترات زمنية ممتدة دون وضع سقف زمني لها، كمــا أعطــى القانــون لجهــات الضبــط والتحقيــق، اتخــاذ إجــراءات مــن بينهــا التحفــظ علــى الأفــراد المشــتبه بهــم، حيــث منــح القانــون صلاحيــة لمأمــور الضبــط القضائــي للتحفــظ علــي المشــتبه بــه لمــدة لا تجــاوز أربعــا وعشــرين ســاعة، وللنيابــة العامــة ســلطة أن تأمــر باســتمرار التحفــظ، لمــدة أربعــة عشــر يومـا، قابلــة للتجديــد لمــرة واحــدة بأمــر مســبب.

ويتضــح أن النــص قــد فتــح البــاب للتحفــظ علــى الأشــخاص دون ضوابــط واضحــة لاتخــاذ مثــل هــذه الإجــراءات التــي يترتــب عليهــا ســلب حريــة المواطنيــن دون ســند واضــح مــن القانــون، فبالإضافــة إلــى أن هــذه الإجــراءات يتــم تطبيقهــا فــي حالــة “قيــام خطــر مــن أخطــار جريمــة الإرهــاب ولضــرورة تقتضيهــا مواجهــة هــذا الخطــر “وهــو مــا يعنــي أنــه لا يشــترط وقــوع الجريمــة لتنفيــذ هــذه ُ الإجــراءات الاســتثنائية.

كمــا أن احتجــاز المشــتبه بهــم دون إجــراء تحقيقــات لفتــرة قــد تصــل إلــى 29 يوما دون تعــارض مــع الحــد الأدنــى للقواعــد المتعلقــة بالحريــة الشــخصية، والضمانــات التــي ُ حددهــا الدســتور المصــري، وخاصــة المتعلقــة بضــرورة أن يقــدم الشــخص المحتجــز إلــى ســلطة التحقيـق خـلال أربـع وعشـرين سـاعة مـن وقـت تقييـد حريتـه، حـق التظلـم أمـام القضـاء مـن ذلـك ً الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فور.

توصيات المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة

قدم المركز عددا من التوصيات للسلطة من أجل إعادة النظر في بعض المواد المكبلة للحريات، وغيرها من المواد التي تستخدم بشكل خاطئ:
– دعوة البرلمان الجديد بغرفتيه الشعب والشورى في أول دور انعقاد له، إلى مراجعة كافة نصوص قانون ُمكافحة الإرهاب وتعديلاته، أسوة بما تم بشان القانون رقم ٧٠ لسنة ٢٠١٧ الخاص بالجمعيات الأهلية الذي تم إلغاءه لتغيير الظروف التي صاحبت إصداره.
-مناشدة النائب العام، عدم التوسع في استخدام نصوص قانون مكافحة الإرهاب، والاستعاضة عنها بالنصوص الواردة بقانون العقوبات المصري لحين الانتهاء من تعديل قانون مكافحة الإرهاب.

– يستوجب على المشرع عند صياغة نصوص القانون مراعاة الدقة والوضوح وتجنب المصطلحات والعبارات الغامضة، بما لا  يحتمل التأويل أو التفسير الخاطئ، وتحديد عناصر الجريمة تحديدا واضحا، قابلا لتمييز الجريمة عن غيرها من الجرائم.

-ضرورة التحديد الدقيق لأركان الجريمة الإرهابية، بما يؤدي إلى عدم استخدام الألفاظ والعبارات على نحو يصعب على القاضي التوصل إلى ضوابط محددة لمعرفة نطاقها.

– ضرورة تحديد نطاق الأفعال المجرمة، في جريمة الإرهاب، واقتصارها على الأعمال المقترنة باستخدام القوة أو العنف المنظم لأغراض سياسية والالتزام بالمعايير الدولية ذات الصلة.