مافيش قضية قوي ندافع عنها.

بعد شهيق تفكير عميق، وبلهجة انتصار على سؤال عويص، أطلقت النجمة ياسمين صبري أشهر إفيهات مهرجان الجونة هذا العام، لتصيب بدون قصد قولون الحقيقة فيما يخص الموضوعات التي تختارها صناعة الدراما المصرية.

جاءت الإجابة خلال حوار ترحيبي بسيط من مذيعة قناة ON على السجادة الحمراء خلال افتتاح مهرجان الجونة:

إيه الدور اللي نفسك تعمليه؟ فكري.

وجاء رد المثلة حديثة العهد بالنجومية لتوضح نوع الدراما الذي تسعى لتقديمه:

أنا باحب المرأة فباحب أعمل حاجات للمرأة.

لم تتوقف المذيعة حول مفارقة أن نجمة (أنثى) تسعى لتقديم دراما للمرأة وعنها، لهذا استمرت المذيعة في تشغيل خاصية الحوار الآلي، لتضع ضيفتها في الاختبار الصعب:

دفاعا عن القضية يعني؟

مافيش قضية قوي ندافع عنها.. بس أنا باحب الحاجات اللي ممكن تكون الست بتمر بيها كل يوم أو عندها مشكلة.. أحطها في الفيلم أو في المسلسل.

ياسمين في أشهر حوارات المهرجان

 

بالأغلب كانت ياسمين تتحرى الغموض في إعلان تفاصيل مسلسلها المقبل، لكن رغماً عنها اكتسبت عبارة “مافيش قضية قوي” بعداً عدمياً يمكن أن يصف أي شيء، وبالأخص صناعة الدراما في مصر.

هل مصر فعلا بلا قضايا ندافع عنها؟ نترك الإجابة في السطور التالية لأفكار المسلسلات رمضان الماضي، ولمحرك بحث جوجل، وللحد الأدنى من المنطق.

هذه قضايا دراما رمضان: هنا الكمبوند والخيانة والمخدرات

الوقع الشامل لعبارة ياسمين لا يخطئ في وصف موضوعات الدراما في رمضان الماضي، وهي نادراً ما تتناول قضايا تهم المرأة، أو قضايا من أي ولأي نوع آخر.

فمن بين 15 مسلسلاً درامياً (بمعنى غير كوميدي) تزاحمت على الشاشات، يمكن تتبع أنماط الأبطال، الموضوعات والعوالم التي تدور بها.

من بين هذه المسلسلات، يمكن إحصاء 7 مسلسلات بطولة نسائية، ومسلسل إضافي باعتبار أن “بـ 100 وش” يخص نيللي كريم التي يميل لها ميزان النجومية التقليدي أمام شريكها الشاب آسر ياسين.

كواليس أبطال مسلسل بـ100وش لنيللي كريم وآسر ياسين

 

في الصناعة، يتم اعتبار البطولة بشخصيات النجوم الذين حركوا مشروع المسلسل نحو التنفيذ. حتى إطلاق أول بوستر للعمل، يظل كوده الحقيقي داخل الصناعة هو: “مسلسل فلانة أو فلان”.

قد تتغير المشروعات على مائدة نفس النجم قبل بدء الإنتاج الفعلي، لكن نادراً ما يتغير النجوم على نفس المشروع، يُعد هذا نذير فشل، كما حدث مع مشروع “خالد بن الوليد”.

8 من 15 مسلسل دارت أحداثها داخل مجمعات سكنية (كمبوندات) فاخرة وهادئة، يتضمن هذا 5 من المسلسلات النسائية.

خارج الكمبوندات دار مسلسل في المستقبل (النهاية)، وآخران في الماضي (الفتوة وليالينا 80)، ومسلسل في الصحراء (الاختيار). فقط مسلسلان استمدا عالمهما من أحياء شعبية معاصرة (البرنس وسلطانة المعز).

المشترك بين تيمات دراما 7 مسلسلات نسائية كانت قصص الخيانة الزوجية والغيرة والانتقام والقتل والمخدرات.

في 3 من هذه المسلسلات طلبت البطلة الطلاق أو انفصلت عن حبيبها بالحلقة الأولى، وفي مسلسلين فقدت البطلة ذاكرتها بنفس الحلقة، تعرضت إحداهما (ياسمين) لحادث دخلت على إثره لغرفة العمليات وخرجت منها بمكياج كامل وشعر مصفف بدون غطاء رأس طبي.

وهذه قضايا مصر 2019 كما يرويها محرك جوجل

كم جريمة قتل يشهدها الشخص العادي بحياته لأحد معارفه؟ حتى مع إضافة التواصل الافتراضي الفائق عبر السوشيال ميديا، يظل هذا احتمالاً هامشياً، ولا داع لإحصاء احتمالات فقدان الذاكرة.

لقد كان عام 2019 حافلاً بـ: بلاغات التحرش والاغتصاب، السيول المفاجئة، رفع الدعم، المزيد من المعتقلين، تظاهرات سبتمبر، مؤتمرات الشباب، سد النهضة، كأس الأمم الأفريقية، انفجار محطة مصر، شهيد تذكرة القطار.. والمزيد.

يخبرنا جوجل عن أكثر 10 موضوعات بحث عنها المصريين في 2019 بالترتيب: مباريات الدوري المصري، نتيجة الثانوية العامة، الأهلي ضد الهلال، المقاول محمد علي، كأس الأمم الأفريقية، مسلسل زلزال، الهيئة الوطنية للانتخابات، اغنية مافيا، عمرو وردة وthanos.

لم يجد أي من هذه الموضوعات طريقه للدراما، حتى بتلميح عام، وهو شيء منطقي نظراً لطريقة عمل الصناعة نفسها.

المسلسل يبدأ من النجم: دراما البقاء للأضخم

ليس هذا اقتباساً جديداً من ياسمين صبري التي صنعت ثاني أهم إفيهات الجونة بتعبير “البقاء للأقوى” عن مصير المصريين مع موجة ثانية متوقعة من وباء كورونا.

ولكن طريقة عمل صناعة الدراما تعتمد سياسة انتخاب طبيعي لا يسمح بتمرير إلا الأعمال الضخمة.

بداية من شرط إنتاج 30 حلقة من المسلسل لعرضها متتالية يومياً في رمضان، وهو ما يرفع أرضية الإنتاج لعشرات الملايين، بدون إضافة لجودة الإنتاج نفسه، وتزداد المخاطرة.

وكون المسلسل يبدأ بالنجم، فهذا يجعل أجره هو البند الأساس بموازنة الإنتاج. وبناءً عليه، تُحدد أجور باقي النجوم، ولهذا يصبح للنجم يد عليا غير مستحقة في اختيار فريق التمثيل.

انتقاء المشروعات لتنفيذها يمر عبر فلتر شركة واحدة تسيطر على معظم الدراما: “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”، المعروف تبعيتها لأجهزة أمنية، وهي تستحوذ على سلاسل التمويل، والإنتاج، والعرض، والإعلان، ولهذا تدور أعمالها في عوالم موازية لحياة المصريين.

قصة صعود ياسمين نفسها ارتبطت بتقلب ملكيات الشركة

زوجها أحمد أبو هشيمة أسس شركة “إعلام المصريين” التي نفذت سلسلة عمليات استحواذ للسيطرة على سوق الإعلام والترفيه. 

لاحقاً استحوذ عليها “صندوق إيجل كابيتال”، ثم مُررت الملكية إلى “المتحدة”.

حتى 2018 كان نطاق عمل ياسمين هو أدوار نسائية مساندة لأبطال رجال.

ثم في 2019 ارتقت فجأة لمرتبة البطلة الأولى في مسلسل رمضاني (حكايتي)، وفي العام التالي “فرصة تانية”، وكلاهما من النوعية التي حاولت ياسمين وصفها في حديثها على السجادة الحمراء.

قصة صعود مشابهة لدى النجمة ريهام حجاج، وهي كانت في مرتبة الأدوار المساندة أو الثانوية.

في 2019، بالتوازي مع زواجها من رجل الأعمال محمد حلاوة (الزوج السابق لياسمين عبد العزيز)، نالت أول بطولة مطلقة في مسلسل “كارمن”.

وبالعام التالي زاحمت بالمسلسل الرمضاني “لما كنا صغيرين”، والذي تفجرت به أزمة بسبب البوستر الذي منحها أفضلية على النجمين محمود حميدة وخالد النبوي.

وفي إنتاجات باهظة، تتعمد تفادي موضوعات الجدل الرئيسية لدى الجمهور، مع انعدام القدرة على قياس النجاح أو الفشل بحياد، فإن “مافيش قضية قوي” تكون هي القضية التي تطرحها الدراما.