في مباراة لكرة القدم في إحدى دول الاتحاد الأوروبي تشير الجماهير نحو لاعب كرة قدم أسود وهم يحملون في أيديهم “ثمار الموز” إشارة إلى أن اللاعب الأسود ينتمي لفصيلة القرود…
يرفض شخص “مسلم” تناول كوب من العصير في محل لبيع المشروبات الباردة لأنه اكتشف أن صاحبه “مسيحي” …
في ندوة عن التنوع الثقافي والإثني في السودان تنصح صحفية “مصرية” بضرورة إخراج هذه المجتمعات من “التخلف” والعمل على إدخالها في التحضر وفي الإسلام …
في جلسة عائلية تسخر إحدى النساء السودانيات من “دينزلي واشنطن” وتنعته بالعبد …
رجل بوليس أمريكي يوقف شخص يبدو من ملامحه أنه عربي/مسلم ويبدأ في تفتيشه والتعامل معه بوصفه “مجرما” فقط لأن ملامحه عربية.
الممارسات السابقة جميعها تعبر عن تمثلات عنصرية في مواجهة الآخر/المختلف …
يعرف البعض العنصرية بأنها الاعتقاد بأن هناك فروقًا وعناصر موروثة بطبائع الناس و/أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما – بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق – وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية.
فالعنصرية مرض من الأمراض الاجتماعية التي تتسم بالديموقراطية إذ أنها تصيب الأغنياء والفقراء على حد سواء، على الرغم من تباين الأسباب، إلا أن أعراضها تبدو قريبة الشبه في الحالتين، فقد تصاب بعض المجتمعات الغنية أو بعض من أفرادها بداء العنصرية، ربما نتيجة تهميش فئة من الفئات داخل هذه المجتمعات، وربما نتيجة نجاحات المجتمع في إحداث تقدم نوعي في مستوى رفاهية أفراده فيشعر بعض منهم بشعور مفرط بالتفوق على المجتمعات الأخرى، وهو شعور قد يبدو (عاديا) في حالة ما ظل حبيس أفئدة هذه الفئة من المجتمع، ولكن بعض من هؤلاء يتعدى الأمر دواخله ومكنوناته إلى ممارسات اجتماعية في مواجهة بعض المختلفين عنهم، تنم عن إحساس بالتعالي في مواجهة تدني درجة الآخر (المختلف). وفي هذه المجتمعات (الغنية) قد يمكن تفسير مثل هذه الأمراض والوعي بأسبابها (ليس تبريرها قطعا) والعمل على علاجها أو تحجيمها والحد من انتشارها بطرق مختلفة، في بعض الأحيان من خلال التشريعات التي تمنع أية ممارسة بالقول أو الفعل من شأنها أن تدخل في أي من عناصرها الحض على الكراهية أو أي شكل من أشكال التمييز، وربما بالتوعية بطرق مختلفة لتعديل مفاهيم أو تبيان تهافت مثل هذه الدعاوى، ومن ثم تشكيل رأي عام في مواجهة هذه الفئة تجعل من الذين يدعون إليها منبوذين على المستوى الاجتماعي.
أما في المجتمعات الفقيرة – في البلدان الفقيرة – والتي عادة ما تكون قد تعرضت في الماضي القريب أو مازالت تتعرض لممارسات عنصرية -على المستوى الجمعي أو على المستوى الفردي– والتي تتضاءل فيها مستويات الرفاهية، بل تتضاءل فيها مستويات الحدود الدنيا للحياة، يصبح اكتشاف أن بعض فئات هذا المجتمع تمارس مثل هذا الفعل أمرا محيرا ومدهشا حقا للوهلة الأولى، ولكن بالاقتراب من عمق المشهد الاجتماعي رويدا رويدا يصبح من الممكن تفسير هذه الممارسات العنصرية ومعرفة مكمن الداء وهو أمر يمثل أهمية كبيرة في محاولة العلاج.
وللعنصرية أشكالها المتعددة في المجتمعات… ممارسة بعض أشكال القهر على فئة أخرى عادة ما تكون أضعف ليثبت لنفسه أنه (قوي)، ومن ثم يفتخر بنفسه، ويتباهى بقوته في مواجهة الفئات الأضعف. عادة ما يكون النساء والأطفال. أوعرقا يعتبره البعض عرقا أنقى في مواجهة آخر لا ينتمي لهذا العرق. وفي بعض الأحيان المختلفون عقائديا وعادة ما يمثلون أقلية. المختلفون في اللون وخاصة من أصحاب البشرة (السوداء) – إذ تمكن الاستعمار من تزييف وعي هذه المجتمعات للدرجة التي جعل لون البشرة البيضاء مبعثا للفخر ومصدرا للتباهي.
التشبث بعقيدة بوصفها مصدر الخلاص من كل الشرور في العالم، وتصبح العقائد الأخرى إحدى هذه الشرور ومن ثم يصبح معتنقيها من الأشرار، بل قد تمثل طقوس معتنقي مثل هذه العقائد وشعائرها مصدرا لانزعاج معتنقي عقيدة الخير والخلاص، وهو الأمر الذي يدعو الفئة المتميزة إلى هداية مثل هذه الفئات (الضالة) وقتالهم إن دعت الضرورة.التشبث برباط مجموعة عرقية/ثقافية تحمل تاريخا (تشبثا مرضيا) لتصبح مبعثا للتباهي الوهمي، للحد الذي يجعل من هذه المجموعة العرقية أصل العالم، ومبدأ الحضارة، ومنبع الخير، ومن عداها أقل وأدنى مرتبة، ومن ثم البحث عن امتيازات.
كل هذا وغيره يعكس رغبة في البحث عن ميزة يتشبث بها الشخص في مواجهة الآخر، السعي لإثبات أن هناك من هو أدنى درجة ليحتفظ لنفسه ببعض أسباب التفاخر، شعور زائف بالتفوق ربما يرضي ذاته (غير السوية) في مواجهة إحساسه بالذل نتيجة اضطهاد تعرض له، أو تحقير من شأنه مورس عليه فيسعى إلى تفريغ شحناته السلبية في من يظنه الأضعف.
في مراحل تاريخ تطور الإنسان عندما كان الانسان جامعا للثمار وصيادا، حيث كان ظهور صياد اخر في نفس البقعة يؤدي الى انخفاض عدد الحيوانات والنباتات، ربما لو كانوا اقرباء قد يتشاركون الغذاء… لكنه شخص تبدو عليه علامات ثقافة مختلفة ومن المرجح أن يكون منافساً… هل حقا أن غرائزنا تدفعنا لأن نكون حذرين عند التواصل مع الغرباء أو المختلفين، لأننا نعتقد بأن في ذلك حماية لنا … هل الخوف المفرط من الغرباء منذ الصغر والخوف من الناس الذين يختلفون عنا يزيد العنصرية والكراهية… ربما الشعور بحاجتنا إلى مزيد من الحماية والأمان .. لعله الخوف من تقاسم السلطة أو الوظيفة أو الموارد مع مجموعات أخرى من الناس هل هذا ما يدفعنا إلى العنصرية.
هل يمكن للإنسان أن يستعيد “الوعي” الذي يدفعه إلى أن يراجع مواقفه! يتخلى عن قصر نظره، عن هذه النظرة الجزئية الآنية التي تجبره على النظر بمحدودية وضيق أفق، وينحي هذا الجشع الذي يتملكه، وهذه الرغبة الاستهلاكية المدمرة جانبا . أن يتأمل ذاته ويفند هذه الكراهية التي تحكم أفعاله، كراهية الأغراب، كراهية المختلفين، ويدرك أن الذين يقتلون كل يوم ليسوا مجرد أرقاما، وأن الفقراء ليسوا حيوانات بيولوجية، وأن المشردين واللاجئين لم يأتوا إليه طمعا بل خوفا وكرها، وأن العاطلين عن العمل ليسوا كسالى، هل يمكن للإنسان بعد هذا التاريخ من الكراهية أن يجرب المحبة… محبة المختلفين … محبة الأغراب … محبة الأجيال القادمة… أن يعلي من شأن “الوعي” في مواجهة الانحياز الأعمى الذي يسيطر عليه … يحوله إلى “آلة” … آلة قتل .. آلة استهلاك … آلة استغلال، يعميه عن رؤية أبعاد تعيد له إنسانيته المفقودة تحت ركام الرغية والاحتياج الزائف.
وفي هذه اللحظة الراهنة نحن بحاجة للانتماء لهذا “الوعي” الذي دلنا على هويتنا الأولى، والذي تراجع الآن وأعطى مساحات واسعة لصالح الجانب المادي/ البيولوجي الذي صنع من الإنسان كائنا مزريا، مستهلكا، وأنانيا، في طريقه لأن يقضي ليس فقط على ما أنتجه أسلافه من تاريخ وحضارة، بل وكذلك على الطبيعة التي وجد فيها وضمن عناصرها. وأن نعيد النظر فيما أنتجنا من آليات عنف وقتل مادية، ونظريات كراهية فلسفية تمنح البشر الحق في الاقتتال وإبادة بعضهم بعضا في إطار رؤية عقائدية محكمة التكوين. نحن بحاجة إلى التخلي عن هذا الصلف الذكوري الساذج والسطحي في آن واحد الذي أصاب الجنس البشري، والذي يجعل من القوة والعنف والكراهية أدوات مشروعة للسيطرة والتحكم والتسلط.