عندما تتابع أي مباراة أوروبية بين أي فريقين سواء في إنجلترا او إسبانيا وإيطاليا، تجد المعلق يقول أنها مقامة على ملعب هذا الفريق أو ذاك، وتشاهد كذلك شعار النادي على المدرجات وترفعه الجماهير الحاضرة في ملعبها الخاص وبتذاكر موسمية كذلك تحجزها قبل انطلاق الموسم لكامل مباريات المسابقة، ثم تعود لتشاهد مباراة لفريقك المحلي المحبب وتجد المعلق يقول استاد القاهرة الدولي أو ملعب الجيش ببرج العرب وخلافه من الأمثلة المعروفة لدينا، لتجد نفسك في حيرة شديدة من أمرك؟ ربما تدفعك لسؤال مهم وعميق .. لماذا لا تمتلك الأندية في مصر استادًا خاصًا لها مثل أندية أوروبا؟.
تحدث إلينا اللواء على درويش مدير هيئة استاد القاهرة الدولي، للحديث عن هذا الموضوع باستفاضة، بالإضافة لأحد المسؤولين البارزين بشركة “استادات القابضة”، التي تملك حقوق إدارة أكبر عدد من الاستادات والهيئات الرياضية، وتهدف للعمل على أن تكون الشريك الرئيسي والمحرك المثالي للرياضة المصرية والمساعد الأول لتحويل منشآتها الرياضية إلى المستوى العالمي، وتجهيزها لاستضافة أهم الأحداث والبطولات في أي وقت خلال السنوات المقبلة، ووافونا بالآتي.
عدد الاستادات في مصر ومن يملكها
أكد مسؤول من شركة “استادات” في تصريحات لنا، عن وجود في مصر 25 ملعبًا معتمدًا رسميًا ومطابق للشروط المناسبة من الاتحاد المصري وأهمها من الاتحاد الدولي للعبة، فيما توافق حديثه مع درويش بأن أغلبهم ملك الدولة والمؤسسات المختلفة مثل شركات مصرية كملعب الغزل بالمحلة والمقاولون العرب بالجبل الأخضر والسكة الحديد بمدينة نصر وبتروسبورت لإنبي بالقاهرة الجديدة، وهناك ملاعب خاصة ببعض الفرق تابعه لمنطقته ويلعب عليه منذ قديم الأزل ولكنه لا يملكه مثل ملاعب الأندية الجماهيرية، كالإسماعيلي في الإسماعيلية والمصري في بورسعيد والاتحاد في الإسكندرية والمنصورة وأسوان، حيث أن جزء كبير من ملكية تلك الملاعب تابعة للمحافظة نفسها والدولة بالتبعية، ولكن هناك بعض الأندية لديها حصة فيها أيضًا سواء بوثائق سابقة أو منحة من الدولة إرضاء لجماهيرها الكبيرة.
وهناك جانب آخر من الملاعب متعاقد معها الأندية كحق انتفاع بالإيجار لمدة 6 سنوات قادمة حتى ينتهي من ملعبه الخاص، وهو ما حدث مؤخرًا بين النادي الأهلي وملعب السلام التابع لوزارة الإنتاج الحربي، وملعب الفيوم لصالح شركة مصر للمقاصة وناديها والدفاع الجوي أو ملعب الدفاع الجوي “30 يونيو” لنادي بيراميدز.
علاء وحيد المتحدث الرسمي لنادي الإسماعيلي أكد في حديثه إلينا، أن ملكية استاد الإسماعيلية هي في الأساس لنادي الإسماعيلي، وتدخلت الدولة متمثلة في وزارة الرياضة بأخذ المنطقة باعتبار أنها سكنية لصالحها في أرض النوبي، ووعدت بإعطاء النادي أرض بديلة عنها لملعبه ولكن ذلك لم يحدث، وحصل الإسماعيلي على حكم قضائي من المرحلة الأولى بملكيته للاستاد ولكن مع الوقت والأزمات العديدة بين الوزارة وإدارات النادي المتعاقبة ولتجنب الصدام مع الدولة، وصل الجميع لحل مرضي هو أن الإسماعيلي المستفيد الوحيد من الاستاد لكل مبارياته ولكن تقع إدارته وصيانته كاملة على وزارة الشباب والرياضة.
والنادي بصدد التوصل بعقد مع شركة استادات لتتولى تلك الجزئية بدلاً من الوزارة وتديره بمعرفتها لصالح الإسماعيلي، وتدفع إيجاره ويأخذ النادي جزء من الربح كرعاية للنادي، ولا يشغل باله مطلقًا بأي صيانة أو أمور من هذا القبيل للملعب، حتى أنه عندما أرسل ملف النادي للاتحاد الدولي للعبة كنادي محترف إبان فترة تطبيق دوري المحترفين من قبل اتحاد الكرة، كان من ضمنها أنه مالك لاستاد الإسماعيلية وهو ما يحفظ حقه به.
فيما تواصلنا مع محمد مصيلحي رئيس نادي الاتحاد السكندري، وأكد لنا أن النادي يدفع إيجار ضخم لاستاد الإسكندرية واستاد برج العرب الذي يلعب عليهما عادة، بواقع 60 ألف جنيه في المباراة باستاد الإسكندرية و80 ألف جنيه في برج العرب، وهو ما يمثل عائق مالي إضافي كبير على النادي يتحمله بالإضافة لكل المصروفات التي يتكبدها لفريق الكرة من كل شيء كرواتب اللاعبين والجهاز الفني وكافة مصاريف المنظومة الرياضية بزعيم الثغر.
ا
لقطبين إقامة جبرية في القاهرة وبرج العرب بالإيجار
أضاف علي درويش، أن القطبين الأهلي والزمالك اعتادا على اللعب باستاد القاهرة الدولي منذ قديم الأزل كونه الملعب الأكبر والأهم بمصر، وبه كافة التجهيزات والاستعدادات اللازمة لاستضافة مبارياتهما وجماهيرهما العريضة، خاصة في أكبر المناسبات كنهائي كأس مصر أو بطولة أفريقيا، كما أنه يحتضن أغلب مباريات المنتخبات المصرية بكل فئاتها العمرية وعلى رأسها المنتخب الأول.
فيما أكد أن إيجار الملعب في المباراة الواحدة الآن 150 ألف جنيه سواء بجماهير أو بدونها، للقطبين أو المنتخب المصري كذلك والتي يحصلها من اتحاد الكرة، كما أنه في حالة حدوث شغب أو إتلاف للمدرجات أو منشأت الاستاد يتحملها النادي صاحب الجماهير المشاغبة التي تسببت في ذلك الضرر، فيما يقترب ملعب برج العرب من نفس المبلغ في حالة الإيجار ولكنه تابع للقوات المسلحة ولها إدارة منفصلة، وهما الملعبان اللذان يستضيفان كل مباريات القطبين الكبيرة في أفريقيا وكذلك في الدوري بشكل دائم.
لماذا لا يمتلكان ملاعب خاصة بهما؟
استطرد درويش إلى تلك النقطة حيث أكد أن امتلاك اي نادٍ مصري لملعب خاص لابد أن يشتري مساحة أرض كبيرة، وفي منطقة ملائمة لكي يبني عليها استاده الخاص، وبطبيعة الحال ستكون باهظة التكلفة ثم يتعاقد مع شركة لتولي تنفيذ الاستاد حسب التصميم الخاص به والذي يريده، وهنا تأخذ ميزانية ضخمة أيضًا، ثم مرحلة التشطيبات النهائية من أرضية ومدرجات وغرف وأماكن خاصة بالجماهير والصحفيين والإعلاميين وكل ما يخص الشكل الحديث للملاعب الضخمة ليتوافق مع قيمة الأهلي أو الزمالك، وكل هذا يتطلب ميزانية خيالية لا يقدر أحدهما على تحملها وسط كل المصروفات التي يدفعها للاعبين وعقودهم وفرق الكرة والرياضات المختلفة بالنادي.
ولذلك يتعثر على القطبين امتلاك استاد خاص بهما في الفترة الماضية أو الحالية ومن ثم القادمة، إلا في حالة وجود مستثمر قوي يدعم أحدهما لبناء ملعبه الخاص، ومساعدته في تلك الميزانية القياسية، وربما يأخذ امتيازات خاصة به من الأهلي كحق انتفاع للملعب لسنوات قادمة أو نسبة من إعلانات الملعب أو النادي ورعايته لقميصه وخلافه، وهو ما جعل إدارتي الأهلي والزمالك تؤجل لأكثر من مرة فكرة مشروع الملعب الجديد للجانب الاقتصادي البحت وعدم العثور على قطعة أرض كبيرة وفي منطقة مناسبة تكون غير تابعة للدولة ليشتريها في البداية تمهيدًا لبناء ملعبه الخاص عليها.
ظروف خاصة تمنع الأندية الجماهيرية من اللعب في ملعبها
في الموسم الحالي من الكرة المصرية، لم تستطع الأندية الجماهيرية مثل الإسماعيلي والاتحاد والمصري من اللعب على ملعبها التابع لمحافظتها في كافة البطولات، لأسباب وظروف خاصة ومختلفة عن أنها ممنوعة من اللعب عليه من قبل الدولة أو الاتحاد المصري لكرة القدم، أهمها هو عدم موافاة أغلب تلك الملاعب للشروط الخاصة من النيابة العامة لاستقبال جماهير أو عدد مقبول منهم، فمازالت تنفذ تلك الشروط والإعدادات بالملاعب.
وثانيًا عدم توافر تقنية الفيديو المساعد “VAR” في أغلبها ولذلك يرفض اتحاد الكرة لعبهم على ملاعبهم غير المجهزة بالتقنية الحديثة وكذلك باقي الاشتراطات الأخرى من الأمن لذلك لا يلعبون على ملاعبهم، فيما بدأت الملاعب تدخل في حيز اللعب عليها ثانية من قبل اتحاد الكرة بعد أن بدأ تنفيذ بها تلك الإجراءات والشروط الخاصة باعتبارات الأمن وتقنية الفيديو، وبالتالي تم لعب عليه مباراة الزمالك وسموحة مؤخرًا في ثمن نهائي كأس مصر، وهو ما أكده مسؤول شركة “استادات” في حديثه معنا.
أندية أوروبا سابقة العصر
في أوروبا وأكبر الأندية بالقارة العجوز وكذلك الدوريات منذ أن طبقوا دوري المحترفين بنهاية القرن الماضي وبعض البلدان بالألفية الجديدة، اشترطت الروابط التي تدير الكرة هناك عدة شروط على الأندية للموافقة على خوضها المباريات والمسابقات التابعة لها بعد تطبيق عصر الاحتراف، وهو امتلاك النادي على سبيل المثال في البريميرليج، ملعب تدريب خاص به وكذلك استاد رئيسي للعب عليه المباريات، وقد أتمت كل الأندية المشاركة في البطولة الإنجليزية كافة تلك الشروط وأصبح الأمر اعتياديًا، وهو ما ينطبق على كافة الدوريات الأوروبية الكبرى بالقارة العجوز كذلك.
ولكن كذلك هناك أندية كثيرة من قبل عصر الاحتراف حتى أن يطبق في أوروبا كان لديها ملعب تدريب واستاد خاص بها للعب مبارياتها عليه، فمثلا أندية عريقة مثل ليفربول ومانشستر يونايتد وأرسنال في إنجلترا أنشئت بالقرن الثامن عشر ولديها ملاعب خاصة بها منذ ذلك التاريخ، وهناك من خصص لنفسه ملعبًا جديدًا فيما بعد بالقرن التاسع عشر أو حتى الألفية الجديدة، وعلى رأسهم نادي أرسنال الذي اشترى أرض كبيرة بوسط العاصمة الإنجليزية لندن وبنى عليه ملعبه الكبير الجديد برعاية شركة طيران الإمارات عام 2006.
لماذا الوضع لدينا كذلك .. ولمصلحة من؟
منذ أن بدأ النشاط الكروي في مصر بالشكل الحديث كدوري عام في عام 1948 وتوج بالبطولة الأهلي حينها وكان النظام من مجموعة واحدة ضمت 11 فريقًا فقط في المسابقة، وكانت كافة الملاعب قبل بناء استاد القاهرة الدولي صغيرة أو خاصة بالأندية في معقلها أو مقرها الاجتماعي الذي يستقبل فيه الأعضاء عادة، فلعب الأهلي في ملعب مختار التتش الذي يتدرب به حاليًا كملعب تدريب، وباقي الأندية مثل نفس الوضع، ومع تطور شكل المسابقة ووصولها للحداثة في الستينيات والسبعينيات وبناء استاد القاهرة من قبل الدولة المصرية، أصبحت كل مباريات القطبين عليه ومنتخب مصر كذلك.
وأيضًا ظهرت الملاعب الأخرى الموجودة حتى الآن مثل ملعب المحلة والإسماعيلية والمصري ببورسعيد والإسكندرية، وكلهم مملوكين للدولة ولم يفكر أحد مطلقًا في بناء أو امتلاك استاد خاص به لعدم توافق ظروف المرحلة سياسيًا واقتصاديًا مع هذه الفكرة الغريبة حينها وسط ظاهرة التأميم لكل ما هو أجنبي لصالح الدولة المصرية والنظام الاقتصادي والسياسي حينها لم يكن يسمح بذلك.
وكانت الدولة والحكومات المصرية المتعاقبة هي المستفيد الأول من ذلك الوضع، فكانت تستفيد بكامل الأرباح الخاصة بإيجار الملاعب والحضور الجماهيري وكذلك البث التليفزيوني وكل شيء، حتى بدأ ذلك يتغير مؤخرًا فقط، وحصلت على الاندية على أغلب حقوقها في هذه الأمور من نسبة أرباح الحضور الجماهيري وكذلك البث التلفزيوني والرعاية.
ولكن لم تتغير مسألة الملاعب ومازال الأغلب يؤجر الملاعب، وهو ما أوضحه اللواء علي درويش رئيسة هيئة استاد القاهرة لنا، بأن مازالت هناك مديونية على الأهلي والزمالك من سنوات إيجار سابقة لم تدفع، دفع منها الأهلي جزءًا ويجدول الباقي، فيما رفض الزمالك دفع القديم ووصل الأمر للقضاء ليحل وتدفع المديونيات تلك للهيئة عن طريق القضاء المصري.
بينما أضاف محمد مصيلحي رئيس نادي الاتحاد السكندري، في جزئية بناء استاد خاص به، أن الأمر صعب للغاية على الفرق الشعبية التي توفر مصاريفها الذاتية بصعوبة بالغة، ولا تستطيع بأي شكل من الاتجاه لفكرة بناء استاد خاص بها لتوفير نفقات الإيجارات التي تدفعها للعب على ملعبي الإسكندري وبرج العرب، وأكد أن الأهلي والزمالك أكبر قطبين بالكرة المصرية والأفريقية لم يستطيعا بناء استاد خاص بهما رغم دخولهما المرتفعة وشعبيتهما الكبيرة جدًا بالمقارنة بنادي الاتحاد، فهل سيقدر زعيم الثغر على الوفاء بذلك الأمر مع كل ما يعانيه؟!.
كما وصف حل اللجوء لملعب عن طريق حق الانتفاع مثلما حدث من شركة استادات، مع النادي الأهلي بعقد رعاية لمدة 6 سنوات لا يحدث مع الجميع، لأنه النادي الأهلي صاحب الشعبية الكبيرة والبطولات العظيمة، ولن تعرض الشركة نفس الأمر على باقي الأندية الشعبية بالتأكيد لأنها لن تحصل في المقابل على عوائد مقارنة بما سيحدث لها من وراء النادي الأهلي الكبير.
واختتم علاء وحيد المتحدث الرسمي لنادي الإسماعيلي هذه الجزئية من حديثه معنا، بأن الأزمة الأكبر تكمن في أندية الشركات التي أصبحت مثل الغول في الكرة المصرية، ولا تهدف لأي صالح للكرة عامة، فلم يطور أي أحد منها أي ملعب ولم يبني ملعبًا جديدًا له يساعد الكرة المصرية، بل يذهب ويؤجر استادات ليست خاصة به وتتفاقم الأزمة، مثل الحال مع بيراميدز والمقاصة وبتروجت والصاعدين حديثًا للممتاز مثل سيراميكا كليوباترا والبنك الأهلي ليس لديهم ملاعب خاصة مناسبة وسيؤجرون أخرى هما كذلك.
أما المؤسسات فتبني لصالح الكرة والبلد ولعل ما فعله نادي القناة دليل دامغ على هذا، حيث يبني استادا من الجيل الرابع على أعلى مستوى من الحداثة له، وسيفتتح في يناير من العام المقبل بحضور نادي إنجليزي ويتسع لـ22 ألف متفرج وهو أمر جيد للغاية ومحترم من قبل المؤسسة ولصالح الرياضة المصرية بشكل عام.