في يوليو 2015، أوقف أمن مطار القاهرة الدولي الناشط السياسي خالد السيد، قبل استقلاله الطائرة المتجهة إلى قطر لزيارة زوجته التي تعيش وتعمل هناك.

السيد لم يكن مدرجا ضمن قوائم الممنوعين من السفر، ولم يكن أيضا مطلوبا على ذمة قضايا لكنه فوجئ باحتجازه لمدة 24 ساعة قبل الإفراج عنه نتيجة ضغوط نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي للكشف عن مكانه.

عاد خالد إلى المطار واستطاع الذهاب إلى الدوحة حيث مقر زوجته.

السيد، وهو عضو سابق في “ائتلاف شباب الثورة” الذي سطع نجمه خلال عامي 2011 و2012، كان محظوظا بالسماح له بالسفر في هذه المرة، عكس نشطاء آخرين تعثرت عملية سفرهم إلى الخارج ولم يعودوا إلى مقر المطار ثانية إلا لاستقبال وتوديع الأحباب، بدعوى أنهم ممنوعين من السفر، لأسباب أمنية، وغيرهم لا يعلمون بالأسباب حتى الآن.

المحامية المعنية بقضايا المرأة، عزة سليمان، لم تغادر القاهرة منذ 4 سنوات، وتحديدا منذ أن أوفقها أمن المطار لدى توجهها إلى الأردن، لحضور ورشة عمل متعلقة بنشاطها في مجال الدفاع عن حقوق المرأة.

سليمان أعلنت في أواخر 2016 أن الحكومة جمدت حسابها المصرفي وحساب شركة المحاماة الخاصة بها بعد يومين من منعها من السفر، لأسباب لم تعرفها حتى الآن.

“لا أعرف سببا لمنعي من السفر حتى الآن، مر 4 سنوات وغيري يعاني منذ 5 سنوات وأكثر بدون سبب، أطعن على القرار أمام القضاء ويقابل طلبي بالرفض” تقول سليمان التي تدير مؤسسة قضايا المرأة.

اعتادت سليمان على السفر منذ عملها في المجالي الحقوقي والدفاع عن المرأة، لذا تشعر بالقهر بسبب القيود المفروضة عليها في الوقت الحالي. تشكو المحامية كثيرا من تضررها جراء هذا القرار وتعطل عملها باعتبارها مستشارة لمكاتب الأمم المتحدة في الشرق الأوسط ما يستدعي سفرها وحضور المؤتمرات وورش العمل الخاصة بمجال تخصصها.

“رجال مبارك رفع اسمهم من قوائم المنع من السفر وأخلي سبيلهم من قضايا بكفالات أقل من مواطنين عاديين، ونحن لسنا مجرمين وفقا للقانون المصري كي نعامل بهذه القسوة” تقول سليمان لـ”مصر 360″ حيث تتمسك ببصيص من الأمل لاستئناف حياتها بشكل طبيعي.

وتوسعت الحكومة في السنوات الأخيرة في إصدار قرارات المنع من السفر لنشطاء بارزين في مجال حقوق الإنسان وعدد من السياسيين والصحفيين والأكاديميين، لأسباب بعضها معلوم، وأخرى تبدو تعسفية ولم تحصل على شرعيتها القانونية حتى الآن، وهو ما ناقشته ورقة صادرة حديثا من المجموعة المتحدة للقانون عن المنع غير محدد المدة.

1000 ممنوع

لا يوجد حصر دقيق بأعداد الممنوعين من السفر في مصر منذ عام ٢٠١٤، تاريخ صدور التعديلات الدستورية، وحتى اليوم. إلا أن هناك تقديرات تقول إن الرقم يزيد عن ١٠٠٠ شخص؛ ويقدره البعض بأكثر من ذلك والبعض الآخر بأقل من ذلك.

ونصت التعديلات الدستورية الصادرة عام ٢٠١٤ على الدستور المصري في المادة ٦٢ “حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة في القانون”.

الورقة رصدت المحاولات التي جرت لإجراء تعديلات على قانون الاجراءات الجنائية ليتواكب مع نص المادة ٦٢ من الدستور، حيث ناقشت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية تعديل قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 لوضع منظومة مُحكمة لإجراءات منع المتهمين من السفر، والإدراج على قوائم ترقب الوصول؛ إلا أن ذلك لم يتم وفي الغالب تم صرف النظر عنه، وبالتالي لم يصدر قانون ينظم مسألة المنع من السفر أو الادراج على قوائم ترقب الوصول حتى الآن.

تستند الورقة إلى الحكم التاريخي الذي انتهت إليه محكمة النقض بأن عدم صدور قانون ينظم موضوع المنع من المغادرة يجعل أي قرار صادر قائم على غير أساس ويتعين عدم الاعتداد به ويعتبر مجرد عقبة مادية لا قيمة لها قانوناً.

تعارض الورقة فكرة إطلاق يد أجهزة بالدولة لتحديد ممن يسمح لهم بالسفر ومن يمنعون، بالمخالفة للمادة 62 من الدستور، لذا تطالب بالإسراع في إصدار مشروع تعديل المواد ١٥٥ و١٥٦ و١٥٧ من قانون الإجراءات الجنائية؛ والتي انتهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية من مناقشتهم منذ يناير٢٠١٨، لجعل تنفيذ النص الدستوري أيسر وأقل استدعاء لسوء التفسير.

المركز طالب أيضا إلغاء القرار الوزاري رقم 54 لسنة 2013 فيما يتعلق بالجهات التي يحق لها إصدار قرارات المنع من السفر، وأن يتوقف وزير الداخلية عن إصدار قرارات بالمنع من السفر والاقتصار علي تنفيذ القرارات الصادرة من النائب العام ووكلائه أو قضاة التحقيق أو المحاكم بشكل عام بشرط أن تكون مسببة وان تكون لمدة محددة.

وبموجب القرار القديم، يدرج الأشخاص الطبيعيين على قوائم الممنوعين من السفر بقرار من الجهات: المحاكم في أحكامها وأوامرها واجبة النفاذ، والمدعى العام الاشتراكي، والنائب العام، ومساعد وزير العدل للكسب غير المشروع، ورئيس المخابرات العامة، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، و مدير إدارة المخابرات الحربية ومدير إدارة الشئون الشخصية والخدمة الاجتماعية للقوات المسلحة والمدعى العام العسكري، ومساعد أول وزير الداخلية لقطاع مباحث أمن الدولة .، وكلك مدير مصلحة الأمن العام بعد موافقة وزير الداخلية.

وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أقامت دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد قرار وزير الداخلية بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر، حيث اعتبرت أن القرار الجديد يشكل التفافا على الدستور الجديد ويتوسع في إضافة جهات تنفيذية إلى الجهات التي يحق لها طلب منع الأشخاص من السفر.

وطالبت المبادرة المصرية في دعواها رقم 21207 لسنة 67ق بإلغاء قرار وزير الداخلية  وإلزامه بقصر حالات إدراج أسماء الاشخاص بقوائم الممنوعين من السفر على من صدر بحقهم أمر قضائي مسبب ولمدة محددة.

غياب المشرع وإطلاق يد الأجهزة في تحديد الممنوعين من السفر تسبب في أزمات وعقاب البعض، مثل قرار منع شباب أحزاب المصري الديمقراطي والنور والإصلاح والتنمية ومصر القوية من السفر، أثناء توجههم لحضور مؤتمر بدولة التشكيك تعقده إحدى المنظمات الدولية.

الأحزاب الأربعة شرعية وتعمل تحت مظلة الدولة ويعترف بها لذا سفر أعضائها ليس مخالفا، لكن شباب الأحزاب فوجئوا بالتحقيق معهم بعد سحب جوازات السفر منهم، قبل أن يخلى سبيلهم ويتحفظ على بعض الجوازات.

بخلاف شباب الأحزاب، وثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير  اشتراط وزارة التعليم العالي موافقة اﻷجهزة اﻷمنية على سفر أساتذة الجامعات في مهام علمية للخارج، والذي كشفه منع الدكتور نبيل لبيب يوسف من استكمال إجراءات السفر إلى المجر لمتابعة اﻹشراف على رسالة دكتوراه لطالب مصري.

ورصدت مبادرة دفتر أحوال في الفترة تسجيل 554 حالة قبض ومنع سفر ودخول في مختلف مطارات مصر على خلفية النشاط بالمجال العام (سياسي، حقوقي، صحفي، ثقافي وفني، حركة اجتماعية، ديني)، في الفترة من من 11 فبراير 2011 حتى 20 فبراير 2016.

قضية التمويل الأجنبي

الحملة بالطبع طالت كل من له علاقة قضية المنظمات الأجنبية الاي فتحت الحكومة فيها تحقيقا كبيرا عرف بالقضية “173” ، وحكم فيها على ع 43 موظفا أجنبيا ومصريا من منظمات دولية بعقوبات بالسجن يتراوح بين 1 و5 سنوات.

القضية ذائعة الصيت لم تنته بإغلاق المنظمات المشهور وحبس بعض العاملين، حتى فتح الملف مرة أخرى لابتلاع أكبر قدر من المنظمات المصرية العاملة بحقوق الإنسان، ليصدر قرارات بمنع جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وحسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومحمد زارع، مدير  مؤسسة القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهدى عبد الوهاب، المديرة التنفيذية للمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ومزن حسن، المديرة التنفيذية لـنظرة للدراسات النسوية، وناصر أمين، مؤسس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ورضا الدنبوقي المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، وإسراء عبد الفتاح، مديرة “لمعهد المصري الديمقراطي، وحسام الدين علي وأحمد غنيم وباسم سمير، من “المعهد المصري الديمقراطي.

وفي سبتمبر 2016، قضت محكمة جنايات القاهرة بتأييد أوامر المنع من التصرف في الأموال الصادرة ضد كل من حسام بهجت وجمال عبد وبهى الدين حسن وعبد الحفيظ السيد عبد الحفيظ ومصطفى حسن طه آدم.

نجاد البرعي: نضئ شمعة أفضل من لعن الظلام

المحامي نجاد البرعي، الذي أصدر مركزه “المجموعة لمتحدة للقانون” الورقة، عانى من حملة المنع من السفر في عام 2017، لدى توجهه للأردن، لظروف عائلية.

“أنا وغيري نعاني من تلك القيود غير القانونية لأنها غير مبررة وغير محددة بموجب الدستور” يقول البرعي في حديثه مع “مصر 360″، إذ يرى أن المنع من السفر ونوع من أنواع تقييد الحرية كالحبس الاحتياطي، ويجب أن يتوقف كلاهما.

توقيت إصدار الورقة تزامن مع قرارات إخلاء سبيل المحتجزين في قضية أحداث 20 سبتمبر وآخرين على ذمة قضايا الكيانات الإرهابية ونشر الأخبار الكاذبة، وهو ما يراه البرعي موفقا وإن كان غير مقصود.

“مصر بدأت استحقاقات دستورية ونيابية كبيرة في أشهر قليلة، علينا استغلال المشهد السياسي وانضمام المعارضة إلى ائتلاف مستقبل وطن والسماح للبعض بممارسة السياسة من عباءة الدولة في تحريك جميع القضايا”.

وناشد المحامي الحقوقي البرلمان المقبل بدراسة هذه الورقة لسد الفراغ التشريعي، حيث إنه بعول على البرلمان استنادا إلى الوجوه المعارضة التي ستنضم من خلال الائتلاف.

برأي مؤسس المجموعة المتحدة للقانون، فالوقت الحالي يبدو مثاليا لبناء لحمة وطنية في لظروف الإقليمية التي تدفعنا إلى تصفية الملفات الصغيرة العالقة، والتي لا نعرف حتى الآن لماذا فتحت كلها في توقيتات متقاربة. “على المسئول أن يفكر للإمام ويطوي صفحات الماضي ويخلي السجون من المحبوسين احتياطيا، دورنا الآن إضاءة شمعة أفضل من لعن الظلام”.

تلك الآمال تغازل المحامية عزة سليمان التي تتعامل مع أي انفراجة بأمل وحماس: “نطالب طول الوقت بدولة القانون وتطبيق الدستور وعدم رهن حريات الناس سواء داخل سجون أو خارجها”.

استمرار الوضع على ما هو عليه معناه أن يظل أشخاص أبرياء “محتجزين” داخل البلاد لمده غير محددة ودون أسباب محددة وربما دون أوامر مكتوبة ومسببة لمدي زمني غير محدد وهو أمر يجافي الدستور المصري، يختم البرعي.