“الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقيـة”، مبدأ رسخته مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي، وقبلها بسنوات في فلسفتها للتعاون مع دول حوض النيل، من خلال تنفيذ مشروعات تنموية في بعض الدول الافريقية، على رأسها جنوب السودان واوغندا، خاصة في مجال الموارد المائية والطاقة.

وتزامنًا مع “أسبوع القاهرة للمياه 2020” والذي عقد تحت شعار “الأمن المائى من أجل السلامة والتنمية بالمناطق القاحلة”، أكد المهندس مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء، في أكتوبر الجاري، حرص مصر على تعزيز التعاون مع كافة الدول على المستويين الإقليمى والدولى فى كافة المناحي، مع إعطاء أولوية خاصة للتعاون مع دول حوض النيل وأفريقيا والمنطقة العربية.

التعاون فى إدارة الموارد المائية المشتركة بين مصر والدول الأفريقية أساسه مبدأ النفع للجميع، وفى الوقت نفسه لا يسبب أضرارا لأي من هذه الدول، وذلك فى إطار احترام مبادئ القانون الدولى المنظم لهذا الأمر، وفقا لمدبولي.

أسبوع المياه يعد تمهيداً للمنتدى العالمى للمياه بالعاصمة السنغالية داكار2021، الذي تستضيفه أفريقيا بعد فترة انقطاع دام أكثر من عشرين عاما، منذ انعقاد المنتدى العالمى الأول للمياه فى المغرب عام 1997، والذي يهدف لإيجاد حلول ومقترحات لتحقيق الأمن المائى وتجنب الصراعات الدولية.

مشروعات تنموية

وعلي مدار السنوات الماضية، لمعت بعض النجاحات بشأن مشروعات التعاون الثنائى مع الدول الأفريقية ودول حوض النيل، في مجال الموارد المائية، ومنه التعاون الفني مع جنوب السودان.

وجرى تنفيذ عدد من مشروعات التنمية بمنحة مصرية، وتشمل تأسيس محطتى قياس المناسيب والتصرفات بمدينة منجلا ونيمولى على بحر الجبل تمهيداً لتشغيلها بصورة كاملة.

علاوة على إنشاء 6 محطات مياه شرب جوفية، في 5 فبراير 2020 والتي تم التعاقد عليها مع إحدى الشركات المتخصصة 2019 حيث تم الانتهاء من المسح الهيدروجيولوجي والجيوفيزيقي وإعداد الدراسات اللازمة والبدء في حفر البئر الأول في المستشفى القبطي بجوبا، بحسب تقرير لوزارة الموارد المائية والري في أبريل الماضي.

ويستند التعاون المائي بين البلدين إلى مذكرة التفاهم الموقعة في 18 أغسطس 2006، والتي تم تدعيمها من خلال التوقيع على بروتوكول التعاون الفني بين البلدين في 28 مارس 2011.

ووقعت اتفاقية التعاون الفني والتنموي في نوفمبر 2014 بالقاهرة، لتنفيذ حزمة مشروعات تنموية بجنوب السودان، تضم توفير مياه الشرب النقية ومراسي نهرية لربط المدن والقرى وتسهيل نقل البضائع والركاب بما ينعكس إيجابياً على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لشعب جنوب السودان ومشروعات إنشاء محطات قياس المناسيب والتصرفات.

وحفر 10 آبار جوفية بإقليم دارفور، فضلاً عن تنفيذ 6 محطات مياه شرب جوفية لتوفير مياه نقية لمواطني مدينة جوبا بجنوب السودان.

كما تم توقيع مذكرة تفاهم لمشروع إنشاء سدود حصاد مياه الأمطار بجنوب السودان وإعداد دراسات الجدوى لإنشاء سد “واو”.

وعقدت اللجنة الفنية المشتركة لمشروعات التعاون الفني بين مصر وجنوب السودان اجتماعها الختامي، بحضور الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، ومناوا بيتر قادكوث، وزير الموارد المائية والري لجنوب السودان؛ وذلك لمناقشة واستعراض المباحثات بين الجانبين، على مدى أيام أسبوع القاهرة للمياه، فيما يخص التعاون الثنائي بين البلدين في مجال المياه.

من جانبه، أعرب مناوا بيتر قادكوث، وزير الموارد المائية والري لجنوب السودان، خلال الاجتماع الختامي، عن شكره وتقديره لهذه الزيارة، متطلعاً إلى نقل ما شاهده في الزيارات الميدانية إلى بلاده، والاستفادة من التعاون مع مصر، ليس في مجال الموارد المائية فحسب، بل في المجالات كافة.

أوغندا

بينما في عام 2018، أعلنت الحكومة المصرية عن اتفاق لإنشاء 5 سدود في أوغندا، وتم تدشين مشروع بناء السدود بسعة لا تزيد عن 10 آلاف متر مكعب للخمسة سدود، كما يطلق عليهم “خزانات الأدوية”، بمنحة مصرية قيمتها 9 ملايين دولار.

وانتهت مصر من المرحلة الأولى من مشروع درء مخاطر الفيضان بمقاطعة كسيسي بغرب أوغندا وجاري التحضير للمرحلة الثانية، ويهدف المشروع إلى حماية المقاطعة من أخطار الفيضان، وحماية الممتلكات والمواطنين من التشريد.

أتى ذلك ضمن إطار التعاون بين البلدين، نظراً للمخاطر التي تعرضت لها مقاطعة كسيسي على مدار 20 عاماً من جراء موجات الفيضانات الكثيفة المتتابعة.

كينيا

وفى نوفمبر من نفس العام، أكدت وزارة الري المصرية، على هامش حضور فعاليات مؤتمر الاقتصاد الأزرق المستدام بالعاصمة الكينية، نيروبى، سبل البدء في تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين لتنفيذ عدد من المشروعات المشتركة.

وجدير بالذكر أنه تم توقيع مذكرة تفاهم فى أغسطس 2016 لتنفيذ مشروع إدارة وتطوير الموارد المائية بجمهورية كينيا بهدف توفير مياه الشرب ورفع القدرات الفنية والمهارية للكوادر الفنية الكينية.

ويرجع التعاون بين البلدين لسنوات عدة، ففى عام 1967 بدأ تنفيذ مشروع “الهيدروميت” بمشاركة مصر وكينيا ضمن 5 دول من حوض النيل انضمت إليه فيما بعد 4 دول أخرى، استهدف المشروع دراسة الأرصاد الجوية والمائية لحوض البحيرات الاستوائية، ووضع خطط تنمية الموارد المائية، ودراسة الاتزان المائى لنهر النيل.

وبمقتضى المشروع أقيمت محطات رصد فى مجمعات الأمطار الرئيسية وهى بحيرات فيكتوريا وكيوجا وألبرت، وحظى بتمويل دولى من العديد من الدول المانحة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومنظمة الأرصاد العالمية، وأيضاً حفر 180 بئر جوفي في كينيا.

تنزانيا

ومن كينيا لـ تنزانيا، تم حفر60 بئر جوفية فى أنحاء متفرقة فى مقاطعات تنزانيا التى تعاني من ندرة المياه، ويستفيد من هذه الآبار أكثر من 120 ألف نسمة فى المتوسط للبئر الواحد.

كذلك تعاقدت شركة المقاولون العرب على تصميم وتشييد سد ومحطة “روفيجي” للكهرباء بمنطقة “ستيجلر جورج” في تنزانيا، بتكلفة بناء بلغت 3.6 مليارات دولار، ويستغرق ثلاثة أعوام ليكون الافتتاح بحلول 2021، إذ يعد أحد أهم المشروعات التي تحتاج تنزانيا إليها منذ ستينيات القرن العشرين، بحسب تقرير للهيئة العامة للاستعلامات.

ويهدف السد إلى توليد الطاقة، فمن المتوقع أن تصل إجمالي الطاقة من خلال السد إلى 2100 ميجاوات، عبر خط كهربائي عالي الجهد (400)، لدمجها في شبكة الكهرباء الوطنية التنزانية.

ويصل ارتفاع السد إلى 134 مترا، وتخزين البحيرة الخاصة به تصل إلى 34 مليار متر مكعب من المياه، وتغطى مساحة 1350 كيلو مترا بطول 100 كيلو، وعقدت المقاولون العرب ورشة تضم 35 مهندسًا فى كل التخصصات للوصول إلى تصميم المشروع النهائى، رغم صعوبة تنفيذه على الأرض بسبب طبيعة التضاريس بالمنطقة، التى تقع عبر نهر روفيجى، فى مضيق ستيجلر، فى محمية سيلوس، منطقة موروغورو، ويبدأ العمل فى السد القومى لتنزانيا ، على أن يتم إنجازه فى مدة لا تزيد عن 36 شهرًا، ليجرى تسليمه وافتتاحه عام 2021.

كذلك تقوم مصر بإنشاء مركز للتنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية في إطار التعاون الثنائي بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية لتعظيم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، علاوة علي تدريب 437 متدربا أفريقيا من خلال أكثر من 35 دورة في مجال الإدارة على المستوى الحقلي وتصميم وصيانة السدود وغيرها.

ومن جهتها، أوضحت الدكتورة أماني الطويل، الباحثة ومدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك توجها عاما للتنمية في افريقيا ودعم مجالات هامة كالطاقة والموارد المائية ومجالات البنية التحتية؛ بهدف المنفعة العامة والدور الاقليمي وليس استنفاذ الموارد والطاقات الأفريقية.

وأشارت الطويل إلى أن مصر سبق وعقدت على انشاء مشروع سد “ستيجلر جورج” بتنزانيا، لتوليد طاقة كهربائية وحماية البلاد من الفيضانات، وفي اوغندا تدعم مصر الحكومة في مجالين، حفر الآبار وتنقية المجاري المائية ومحطات الصرف الصحي.

وكانت الحكومة التنزانية قد قررت في ديسمبر من العام 2018 إسناد عقد إنشاء مشروع السد في منطقة “ستيغلر جورج”، في مناقصة عالمية إلى التحالف المصري المشترك بين شركتي “المقاولون العرب” و”السويدي إليكتريك” بتكلفة 2.9 مليار دولار.

ويهدف المشروع إلى توليد طاقة كهربائية بقدرة 2115 ميجاوات، لتوفير احتياجات الطاقة والتحكم بالفيضانات بـ تنزانيا، ويبلغ عدد العمال في السد والمحطة حوالي 5233 عاملا من بينهم 526 عاملا مصريا، و3974 عاملا تنزانيا، و733 عاملا أجنبيا من دول أخرى.

يتألف السد من جسم خرساني رئيسي، بالإضافة إلى 4 سدود تكميلية لتكوين الخزان المائي بسعة 34 مليار م3، وسدين مؤقتين أمام وخلف السد الرئيسي، ومحطة التوليد الكهرومائية، كما سيتم إنشاء مجمع سكني وشبكة طرق مؤقتة ودائمة لخدمة منطقة المشروع، وإنشاء مفيض للمياه، ونفق بطول 703م، وكوبري خرساني دائم وإثنين من الكباري على نهر “روفيجي”.

أزمة المياه

معضلة المياه في أفريقيا سببها تغير المناخ وزيادة مساحات التصحر، ووفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة، فإن أكثر من مليوني شخص يموتون سنوياً بسبب الأمراض المتعلقة بالمياه حول العالم، ونسبة 60% فقط من سكان أفريقيا جنوب الصحراء البالغ تعدادهم 680 مليوناً يحصلون على إمدادات المياه الآمنة، بحسب “الطويل”.

وتحتاج أفريقيا ما لا يقل عن 130 مليار دولار لمعالجة مشاكل البنية التحتية، فضلاً عن قيمة 66 مليار دولار لتوفير إمكانية وصول الجميع إلى المياه والصرف الصحي لكنها تواجه فجوة تمويل قدرها يتراوح بين 68 مليار دولار و108 مليارات دولار، بحسب دراسة نشرها بنك التنمية الإفريقي عام 2018.

يعيش المواطنون في اغلب الدول الافريقية، على متوسط مياه أقل من 10 لترات للفرد يوميًا، لاسيما الذين يعيشون في دول كأوغندا وتنزانيا واريتريا والصومال، ألا أن الجميعة العامة للأمم المتحدة، أقرت بأن يحق للانسان الحصول على 50 لـ 100 لتر لكل فرد يوميًا، وعلى أن تكون تلك المياه بأسعار معقولة ولا يستغرق الحصول عليها أكثر من 30 دقيقة.

ومن المتوقع أن تزداد أزمة نقص المياه سؤًا في إفريقيا، حيث تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد سكان أفقر قارات العالم إلى 2.5 مليار بحلول عام 2050، كما يعتبر المياه الغير نظيفة وسوء الصرف الصحي تهديد آخر لملايين الأطفال في الدول النامية.

وعقبت مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن رغم العراقيل السياسية التي تواجه مصر وبعض البلدان الافريقية في استكمال المشروعات التنموية، خاصة في مجال الموار المائية، ألا أنه يوجد ثقة في استكمال الأمر، إذ تعتبر مدرسة الري المصرية من أكثر مدارس الري بأفريقيا تميزا، كذلك شركات المقاولات المصرية لديها خبرة طويلة في مجال بناء السدود ومحطات الصرف وغيرها.

تؤثر أزمة نقص المياه في افريقيا علي أهم المجالات الانتاجية، كالزراعة، والتي تمثل 35 % من الناتج الإجمالي لأفريقيا، طبقاً لخطة الاتحاد الأفريقي 2013 – 2063 فإن الزراعة يجب أن تكون القوة المحركة للنمو في المناطق الريفيَّة، حيث يعيش 70% من الفقراء، وفق “الطويل”

كما دخلت مصر في الآونة الأخيرة بشكل أكبر في مجالات البنية التحتية، وبدأت تتنافس في المناقصات العالمية بشأن المشروعات الأفريقية، وذلك لما لها من باع طويل وخبرة في هذا الأمر، تضيق أماني الطويل.

وأرجعت اهتمام مصر بالتنمية في افريقيا وتوغلها في مشروعات بناء السدود وغيرها إلى سبين، هما التأكيد علي التعاون بين الدول الأفريقية وبعضهم البعض تماشيًا مع مبدأ ” الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقيـة”، وتفضيله علي الشركات العاليمة مكلفة التنفيذ، والسبب الآخر هو العوائد الاقتصادية لمصر من استقمار الشركات الخاصة والعامة بهذه المشروعات، وبالطبع حماية حقوقها ومصالح من مياه النيل.

العواقب

ولأن المياه هي أساس الحياة، كما يقال، فإن ندرتها تؤدي إلى عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية وخيمة، وقدرت منظمة “الفاو” أن ندرة المياه سيتسبب بخسائر اقتصادية تقدر بـ 6 إلى 14 % من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة خلال عام 2050، وهي أعلى المعدلات حول العالم.

ويقول مراقبون إن هناك علاقة بين موجات الهجرة من القارة والمنطقة وبين ندرة المياه بشكل أو بآخر، حيث يؤثر نقص المياه على الاستقرار الغذائي والصناعي والمعيشي وعلى معدلات الهجرة أيضًا، فإن إدارة المياه بطريقة أكثر كفاءة يمكنها أن تحد من الهجرة والصراعات الإقليمية التي ربما يتولد عنها أعمال عنف.

كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع أن تفقد أفريقيا ثلثي أرضها الصالحة للزراعة بحلول عام 2025، بينما يجدر البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر من أكثر المناطق في العالم توترًا، في ما يخص الاستخدام غير المستدام للمياه.

كما يهدد المنطقة أزمات الفيضانات والجفاف بشكل ملحوظ خاصة مناطق الشمال الإفريقي لندرة موارد المياه بها، فقد تكون الصراعات والنزاعات المحتمل أن تشهدها المنطقة خلال المستقبل القريب سيكون السبب الرئيسي لقيامها هو السيطرة على الموارد المائية والحصول على المياه.