حسمت نتائج ولاية بنسلفانيا الحاسمة أخيرًا فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة الأميركية، وفق ما أعلنت وسائل إعلام أمريكية بينها “سي إن إن” و”نيويورك تايمز”، مطيحًا بدونالد ترامب، الذي يبدو أنه لن يقبل خسارته بسهولة. فمن هو جو بايدن الذي أصبح الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية،

في أغسطس الماضي، حصل “بايدن” -صاحب الـ 77 عامًا- على ترشيح الحزب الديمقراطي لتمثيله في الانتخابات الرئاسية، بعد فوزه بـ8 ولايات في الانتخابات التمهيدية، ليقدم الديمقراطيون منافسهم الأقوى في مواجهة الرئيس الأشرس، الذي تمكن سابقًا من إطاحة هيلاري كلينتون في انتخابات العام 2016.

بنسلفانيا.. النشأة والمعركة الانتخابية الكبرى

إلى جانب كونها أصعب محطات المعركة الانتخابية، فإن لـ”بنسلفانيا” أهمية خاصة لدى جو بايدن، الذي ولد في سكرانتون، في 20 نوفمبر عام 1942، قبل أن تنتقل أسرته وهو في العاشرة إلى مدينة كلايمونت بولاية ديلاوير.

ويتقدم بايدن على ترامب بنحو 29 ألف صوت في ولاية بنسلفانيا الحاسمة، بحسب الإحصاءات الأخيرة التي أعلنتها وسائل إعلام عالمية، مع قرب اكتمال فرز الأصوات، في الوقت الذي أمرت المحكمة العليا الأمريكية بفصل بطاقات الاقتراع، التي وصلت عبر البريد بعد الثامنة من مساء يوم الانتخابات في الولاية، استجابة لطلبٍ تقدمت به حملةُ ترامب، ما يمثل انتصارًا قضائيًا شكليًا لترامب، يقول مراقبون إنه لن يغير كثيرًا من الوضع المائل في اتجاه بايدن.

اقرأ أيضًا

ترامب سيكون أول رئيس يفشل في إعادة انتخابه منذ بوش الأب

سادس أصغر سيناتور في التاريخ الأمريكي

امتهن “بايدن” المحاماة في عام 1969، وبدأت مسيرته المهنية في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1973، ليصبح سادس أصغر سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة، بينما قاد أول حملة لانتخابات الرئاسة في عام 1987.

وأعيد انتخاب بايدن في مجلس الشيوخ ست مرات، وكان رابع أكبر عضو في المجلس، عندما استقال ليتولى منصب نائب الرئيس في عام 2009، ويصبح نائبًا لأول رئيس ذو بشرة سمراء في تاريخ الولايات المتحدة؛ باراك أوباما، ما يفسر الشعبية التي يحظى بها بين الناخبيين السود.

تاريخه مع الترشح للرئاسة

هذه ليست المرة الأولى لترشح “بايدن” للرئاسة؛ إذ سعى للترشح عن الحزب الديقراطي في العامين 1988 و2008، لكنه لم يوفق في المرتين، حتى اختاره أوباما نائبًا في السباق الرئاسي، وهو أول نائب رئيس كاثوليكي.

بايدن في مناظراتي الضربة القاضية

شهدت أول مناظرة رئاسية بين بايدن وترامب، تطاولاً متبادلاً بين كلا المرشحين، فيما قال مراقبون إن بايدن بدا متماسكًا أكثر من منافسه الجمهوري، الذي لم يكن يواجه الكاميرا أثناء إجاباته، على عكس بايدن الذي تعمد مخاطبة الجمهور، معددًا أخطاء إدارة ترامب، ليكسب الأول استطلاعات الرأي، رغم الفوضوية التي ظهرت عليها المناظرة.

اقرأ أيضًا

الانتخابات الأمريكية: اتهامات متبادلة بين ترامب وبايدن في أول مناظرة انتخابية

وكانت المناظرة تناولت العديد من الموضوعات التي تهم الناخب الأمريكي، خاصة السجلات السياسية لترامب وبايدن، وفيروس كورونا، والاقتصاد والعنف في المدن، ونزاهة الانتخابات، والمحكمة العليا، التي قد تصل إليها المعركة الانتخابية الحالية، ويتهم الديمقراطيون ترامب بتعجل تسمية آمي كوني باريت قاضية فيها قبيل الانتخابات، لغرض تكريس هيمنة الجمهوريين على أعلى هيئة قضائية في الولايات المتّحدة.

وقد تأجلت المناظر الثانية بين بايدن وترامب لإصابة الأخير بفيروس كورونا، إلى أن عُقدت بينهما مناظرة أخيرة في 22 أكتوبر الماضي، بدا فيها الجانبان أكثر هدوءًا واحترامًا لبعضهما، خاصةً ترامب، الذي حاول أن يظهر أكثر انضباطًا لإنقاذ صورته التي تأثرت بالمناظرة الأولى.

مواقفه السياسية

تشابكت مسيرة “بايدن” المهنية وانخراطه في العمل السياسي مع أحداث وعلامات هامة في تاريخ الشرق الأوسط والعالم، حيث وافق على شن الحرب ضد العراق في العام 2002، بعد رفضه حرب الخليج عام 1991، وهنا أوضح بايدن، أن “السبب الوحيد وراء تصويته لدعم حرب العراق عام 2002 ثقته في ذلك الوقت بالرئيس جورج دبليو بوش”، وهو ما يخالف تصريحه في فبراير 2002، في ديلاوير: “إذا استمر صدام حسين لخمس سنوات أخرى في السلطة، فنحن في مشكلة كبيرة”.

لكن في عام 2007 عارض بشدة زيادة القوات الأمريكية بالعراق، وفسر البعض ذلك التحول بخوضه السباق كنائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ضمن حملة أوباما.

في حملته الانتخابية الحالية، بدا بايدن أكثر توددًا للمسلمين في أمريكا، الذين تفاجئوا بصورة دعائية للمرشح الديمقراطي ونائبته كمايلا هاريس، تصدرتها الآية القرآنية “إن مع العسر يسرًا” بالعربية والإنجليزية.

وكانت هذه الصورة الدعائية هي الإشارة الثانية من بايدن، بعدما افتتح كلمته أمام منظمة “إيماج” -الناشطة في مجال الحقوق السياسية للمسلمين في الولايات المتحدة- باستدعاء الحديث النبوي للرسول محمد (ص): “من رأى منكم منكرًا فليغيره”، واعدًا الناخبين المسلمين بإنهاء حظر دخول مسلمي بعض الدول، وضمان تمثيل أوسع لهم في مناصب رسمية داخل إدارته.

وبحسب استطلاع رأي أجراه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، صوت نحو 70% من مسلمي أمريكا لصالح بايدن، بينما صوت 17% لصالح ترامب، وقال المدير التنفيذي الوطني لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، نهاد عوض، إن “أكثر من مليون ناخب أمريكي مسلم صوتوا في الدورة الانتخابية الحالية”.

قنابل جو

إن كان ترامب صاحب الكاريزما وإثارة الجدل الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة في الفترة الماضية، فإن بايدن يعُرف بـ”قنابله الكلامية”، التي حاول جذب الناخبيين بها، لكنها لم تنقذه من الوقوع في أفخاخ إساءة الفهم.

ففي 2012، قال بايدن متفاخرًا بتجربته السياسية: “يمكنني القول إنني عرفت ثمانية رؤساء، ثلاثة منهم بشكل حميمي”، ما أسيئ فهمه بشكل كبير ووضعه في موقف صعب بسبب استخدام كلمة “حميمي”.

عندما كان بايدن نائبًا لأوباما وصف الرئيس حينها بأنه “أول أميركي أفريقي طليق اللسان ولامع ونظيف ووسيم”، ما اعتبر تقليلاً من شأن الأفارقة وأصحاب البشرة السوداء، مثيرًا بهذه التصريحات التي أرادها إطراءً، موجة غضب عنيفة ضده.

لكن رغم الكوارث التي ارتكبها، يرى أنصار بايدن أن أسلوبه البسيط والأقرب إلى المواطن العادي، منعه من الوقوع كسابقيه من المرشحين الديمقراطيين، وآخرهم هيلاري كلينتون.

وإلى الآن، يحافظ بايدن في سباق الانتخابات نحو البيت الأبيض على رصيد 253 صوتًا بالمجمع الانتخابي من أصل 270 صوتًا لازمًا للفوز، بموجب نظام التصويت في الولايات المتحدة، متقدمًا في عمليات فرز الأصوات في الولايات الحاسمة: جورجيا، نيفادا، بنسلفانيا، وأريزونا.

وإذا ما فاز بايدن سيغادر ترامب منصبه في يناير المقبل، منهيًا أربع سنوات في الرئاسة، إلا أن السؤال الذي يبقى: هل يرحل ترامب بهذه السهولة؟