أمام المرآة وقفت خلف ابنتها تساعدها في ارتداء الملابس، وإعداد التصفيفة المناسبة لشعرها استعدادًا لرحلة المدرسة، حتى فاجأتها ببقعة بيضاء اللون في وجه الصغيرة لم ترها من قبل. في البداية ظنت أنها طفح جلدي أو أحد أنواع الحساسية، حتى كبرت البقعة، وظهرت في منطقة أخرى من جسد الفتاة، فتأكدت من إصابتها بـ”البهاق”، لتبدأ رحلة جديدة مع الطفلة، تبحث فيها الأم عن أفضل أسلوب لإخبارها بالأمر وكيفية التعامل معه.

بقعة بيضاء

حنين أحمد أم لطفلة تبلغ من العمر 11 عامًا، لاحظت بداية ظهور البهاق في جسد ابنتها ببقعة في الوجه وأخرى في الذراع “في البداية خفت واتاخدت، أنا أول مرة أشوف المنظر ده، كنت أعرف إن في حالات بتتصاب بالبهاق، بس كنت فاكرة إنه بيصيب الكبار بس، لكن لقيته جه لبنتي، وفضلت متنحة قدام البقعة، ولما سألت دكتور الجلدية قالي إنه ممكن يصيب الأطفال عادي، ومع أزمة ظهور المرض ظهرت أزمة تانية إن بنتي بدأت تسألني على البقعتين اللي ظهروا في جسمها، ومعرفتش أرد”.

“فضلت أعيط في أوضتي وحبست نفسي يومين بفكر أقول إيه”

وقعت الأم في حيرة، كيف تبلغ ابنتها الصغيرة بالأمر، كيف تمهد لها ذلك دون التأثير على نفسيتها “فضلت أعيط في أوضتي وحبست نفسي يومين بفكر أقول إيه، قعدت أقرا عن المرض، وبدأت كمان أتابع أخواتها الصغيرين يمكن حاجة تظهر عليهم هما كمان، واتكلمت مع باباها وقالي إننا لازم نستشير طبيب نفسي في إننا إزاي نقول للبنت الموضع وإيه الردود المناسبة لأسئلتها”.

أخبر طبيب الأمراض الجلدية الأم بأن البقع من الممكن أن تنتشر في أجزاء مختلفة من جسد الفتاة، وقد تنتشر بشكل سريع أيضًا، ويمكن أن يقتصر الأمر على بقع صغيرة في أنحاء محدودة من الجسد والوجه، ونصحها باستخدام كريمات للحماية من الشمس، تتناسب مع بشرة الفتاة في سنها الصغير للوقاية من الشمس والالتهابات “الدكتور كان أمين معايا وقالي إنه مفيش دوا فعال ممكن يجيب نتيجة، والأهم من أننا نسعي إننا نزيل البقع دي هو إننا نحافظ على جلد البنت من الالتهاب والشمس اللي ممكن يضايقوها مع البقع دي”.

ظلت الطفلة تسأل عن سبب البقعتين في وجهها وجسدها، وطلبت إجابات تستطيع الرد بها على أسئلة صديقاتها في المدرسة “خدت رأي الطبيب النفسي وقال لي إنه لازم أقول للبنت إننا كلنا مختلفين عن بعض، ومش لازم كلنا نكون نفس الشكل، وهي كمان مختلفة ولازم تقبل شكلها، ويكون ده ردها على أي حد من صحابها، وفعلا قلت لها كده، بس فضلت فترة كتيرة خايفة وبفكر في إنه لو الموضوع انتشر بشكل ملحوظ هعمل إيه والبنت هتتقبل ده ولا لأ”.

موقع “KIDS HEALTH”، ذكر في تقرير له أن الميلانين قد يتوقف فجأة فتظهر البقع البيضاء في جسد ووجه الأطفال، ومن الممكن أن يحدث الانتشار سريعًا أو بطيئًا. وأرجع الموقع في تقريره أسباب إصابة الأطفال بالبهاق لعدة عوامل، منها اضطرابات في المناعة، وأيضًا عوامل وراثية، فيصيب البهاق نسبة تصل إلى 30% من الأطفال في العائلات، التي بها حالات مصابة بهذا المرض.

لوحة فنية

مر عام وظهرت بقعة ثالثة بعنق الفتاة، وخلال هذا العام قرأت الأم العديد من الأبحاث الطبية حول هذا المرض، وظلت تأكد لابنتها أنها مختلفة عن الآخرين “بقالي سنة كامة بقرأ في موضوع البهاق وإيه شكل التعامل الطبي السليم معاه، ومتابعتي مع دكتور الجلدية أكدت أن كل اللي نقدر نعمله هو كريمات موضوعية تحمي البنت، وكمان دعم نفسي وهو فعلاً ده اللي حصل، وبقيت بقول لبنتي زي منصحني الدكتور إن جسمها لوحة فنية علشان أعزز ثقتها في نفسها”.

وصفات طبيعية وكريمات وخلطات وأعشاب، أشياء حاصرت لبني عبد الله بعد اكتشاف إصابة نجلها البالغ من العمر 13 عامًا بالبهاق “بدأنا نشوف الموضوع من وهو عنده 8 سنين ببقع صغيرة حوالين الفم، وبعد شوية انتشرت للعين والدراع والركبة، وكل ما كان الولد بيكبر كان بيزعل أكتر من شكلة وبيسأل هو ليه جسمه مش لون واحد، ومكانش عندي إجابات للسؤال ده”.

“بقيت بقول لبنتي زي منصحني الدكتور إن جسمها لوحة فنية علشان أعزز ثقتها في نفسها”

رفضت الأم الاعتراف بما يعاني منه نجلها، فحاولت اللجوء للعديد من الوصفات الطبية المنشرة عبر صفحات ومواقع الإنترنت، وأيضا الكريمات الطبية التي يرشحها الأطباء والصيدليات “كل همي كان إزاي أداري البقع، إزاي أخلي جسم الولد لون واحد، دفعت فلوس كتيرة جدا في وصفات طبية وغير طبية ومكنتش بلاقي حل غير إن كل شوية البقع بتزيد ومعاها تزيد حيرتي وقلقي”.

تقول الأم إن عدد كبير يجها طبيعة المرض، كما كان حالها في بداية الأمر “أنا مكنتش أعرف حاجة عن المرض ده، وكنت فاكرة إنه معدي، بس الدكاترة قالوا إنه مش معدي، واكتشفت إن كتير زيي فاكرين إنه معدي، وكان في أمهات بتقول لولادها متاكلش من ابني في المدرسة أو تلعب معاها علشان خايفين من العدوى، وهنا حسيت إن أنا ابني ممكن يحصل له حاجة، فققرت بدل منا عاوزة أخفي البقع دي أواجهها، وجبت ابني وفهمته إن ده مرض عادي وممكن يخف ومش معدي، زيه زي واحد عنده حساسية ولا سكر ولا ضغط، وخليت كمان الدكتور يفهمه ده، ومكنش قدامي غير إني أواجه ده وأوجه كمان اللي جاهلين بطبيعة المرض”.

نسبة الشفاء

هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” نشرت تقريرًا العام الماضي، أوضحت خلاله أن نسبة الشفاء من مرض البهاق تتراوح ما بين نصف وواحد في المئة، ولا توجد علاجات فعالة للقضاء على هذا المرض، وجميعها كريمات ومستحضرات موضعية لتقريب تلك البقع من لون الجلد، بجانب مواد تفتيح البشرة بالكامل والتي لها العديد من الآثار الجانبية.

الدكتور ضياء مبارك استشاري الأمراض الجلدية والتناسيلة، يقول إن البهاق يصيب الأطفال بنسبة تصل لـ25%، ويصيب الأطفال عادة ما بين سنة الرابعة والثامنة، ويبدأ في الظهور بمناطق محدودة من الجسد، كما أنه يصيب الفتيات بصورة أكبر من الذكور، وعادة ما يكون السبب وراء ظهور تلك البقع البيضاء عند الأطفال عوامل وراثية، ويمكن تشخيص البهاق عند الأطفال من خلال الكشف الإكلينكي أو تحليل الأجسام المضادة.

“لازم نقول للطفل إن اللي في جسمه ده عادي وإننا كلنا مش شكل بعض”

كاي بلاك فنانة أمريكية صممت دمى للأطفال لدعم مصابي البهاق، جاءت الدمي ببقع على وجها وجسدها مختلفة عن لونها الأصلي، لترسخ في ذهن الأطفال أن الأمر متعارف عليه، ويمكنهم إيجاده في دمية صديقة لهم، وأيضا قالت الفنانة الأمريكية المصابة بنفس المرض إنها صممت تلك الدمي لوقف المضايقات التي تواجه الأطفال والمصابين بالبهاق، والتأكيد على أنهم بإمكانهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

المعالج النفسي أحمد حمدي، يرى أن الدعم النفسي للأطفال المصابين بالبهاق أمر هام جدا، ومواجهة الأمر وشرحه للطفل بطريقة مبسطة أن الأصل في الأشياء هو الاختلاف “مينفش الأمهات تداري البقع دي من خلال كريمات توحد اللون أو تحط للأطفال مكياج يداريها زي مكتير من الأمهات بتعمل لأن دي هيخلي الأطفال تهرب من مواجهة المشكلة، لكن لازم نقول للطفل إن اللي في جسمه ده عادي وإننا كلنا مش شكل بعض، ولازم نحب شكلنا بأي صورة، كمان مهم جدا نسمع الطفل ونجاوب على كل أسئلته، لأن ده مهم في مواجهته للأمر وتقبله ليه واللي هيأثر عليه في المستقبل”.